حنكة وذكاء الدبلوماسية الإيرانية
ناديا شحادة
المتابع سلوك مراكز صنع القرارات الإيرانية لا يلاحظ حالة من التوتر أو الاستنفار، بل يلاحظ الأعصاب الهادئة التي تميّز الدبلوماسية الإيرانية، فهم لا ينطلقون من ردود الفعل التي تثيرها تصرفات البعض، بل يضعون الأهداف الكبرى فوق الاعتبارات الأخرى، فقضايا العلاقات الخارجية والمشروع النووي والعلاقات مع الغرب، خصوصاً أميركا ودعم حركات التحرر والمقاومة جميعها من ثوابت سياسة طهران، ولا يمكنها التنازل عن ثوابتها وما يثبت ذلك تصرفات وتصريحات الساسة الإيرانيين حيال جميع الأزمات التي عصفت بالمنطقة، وبالذات تلك التي كانت هدفها المباشر استهداف إيران وعرقلة الاتفاق النووي الإيراني، وآخرها دخول 10 بحارة أميركيين إلى المياه الإقليمية الإيرانية في صباح 13 كانون الثاني كانوا على متن قطعتين بحريتين أميركيتين في مياه الخليج، وتمّ احتجازهم من قبل القوات الإيرانية، ما اثأر توتراً عشية التنفيذ المتوقع للاتفاق النووي التاريخي بين إيران والقوى العالمية، ولكن الدبلوماسية الهادئة والواثقة أوصلت الاتفاق النووي إلى خواتمه ونزعت فتيل الاشتعال، وذلك بعد أن أطلقت سراح البحارة العشرة، حيث جاء في بيان الحرس الثوري الإيراني «بعد التدقيق تبين أن دخولهم للمياه الإقليمية للبلاد لم يكن عن قصد وبعد تقديمهم الاعتذار تم إطلاق سراحهم في المياه الدولية».
الولايات المتحدة حاولت استفزاز إيران في العديد من المرات وشنت حرباً سرية بالوكالة على الأخيرة من خلال استخدام الهجمات الالكترونية وفيروسات الكومبيوتر والوحدات العسكرية السرية والجواسيس وعملاء افتعال الشغب والمخربين، وكانت عمليات اختطاف واغتيال العلماء والقادة العسكريين الإيرانيين والتي بدأت منذ سنوات جزءاً من تلك الحرب السرية. كذلك الحرب التي شنتها واشنطن وحلفاؤها على إيران على الجبهتين الدبلوماسية والاقتصادية عبر التلاعب بالهيئات الدولية، بالإضافة إلى الحرب الدائرة في سورية التي شكلت من الناحية الجيوسياسية جبهة من جبهات الحرب على إيران، وهذا ما أكده الصحافي رافاييل فرانكل في مقالة نشرت له في واشنطن كوورترلي بتاريخ 8 شباط 2013، يقول فرانكل في مقالته «إنه بسبب ما يُسمّى الربيع العربي فإن هجوماً تشنه الولايات المتحدة وحلفاؤها على إيران»، مضيفاً «أنه نتيجة الأحداث التي تجري في سورية نشأت فرصة للولايات المتحدة لمهاجمة إيران دون إشعال حرب إقليمية تشترك فيها سورية وحزب الله».
ولم تتوقف السياسة الاستفزازية لواشنطن وحلفائها تجاه طهران، فالحرب التي شنتها السعودية وحلفاؤها بالتنسيق مع الولايات المتحدة ضد الشعب اليمني، بزعم إعادة «الشرعية» ما هي إلا جهود إضافية لجر إيران لرد فعل عنيف يفتح باب الحرب، وليأتي بعده إعدام الشيخ النمر من السلطات السعودية في 2 كانون الثاني من العام الجاري، برغم من تحذيرات طهران للرياض من الإقدام على إعدام رجل الدين النمر، وكذلك مناشدات مرجعيات إسلامية وزعماء سياسيين لعدم تنفيذ حكم الإعدام بحقه.
فما قامت به الرياض من خلال تنفيذ الحكم يهدف إلى استفزاز إيران وجرّها للرد لتبرير هجوم عسكري تنفذه السعودية وحلفاؤها ضدها، وهذا ما أكدت عليه الباحثة في مركز التقارب الإسلامي المسيحي بجامعة جورج تاون في واشنطن في مقال لها نشره موقع «لوب لو غفورين بوليسي» الأميركي تحت عنوان السبب الحقيقي لإقدام السعودية على إعدام الشيخ النمر.
ولكن إيران لم تستسلم للاستفزاز السعودي الأخير تماماً، كما حصل في الاستفزازات السابقة فهي لم تتدخل بشكل مباشر في اليمن وبقي تدخلها محدوداً في سورية ولم تبالغ في ردة فعلها إزاء إعدام رجل الدين نمر باقر النمر، وحافظت على هدوئها ولم تقع في الفخ الذي ربما حضره الأميركي عشية الاتفاق النووي، لتنجح بذلك الدبلوماسية الإيرانية التي حافظت على استقرارها وقوتها على الساحة الدولية والإقليمية من خلال المباحثات والمشاورات الدبلوماسية، حيث يعتبر أن أسلوب إزالة التوتر والنهوض بمستوى العلاقات الدبلوماسية الإيرانية من أهم عوامل النجاح الإيراني على الصعيد الإقليمي، لنتوصل من خلال تلك السياسة إلى نتيجة مفادها فشل الوكيل والأصيل بإسقاط الاتفاق النووي الإيراني.