14 آذار وازدواجية المعايير…

محمد حمية

منذ توقيف الوزير السابق ميشال سماحة في 8 آب العام 2012 بناء على إشارة المحامي العام التمييزي القاضي سمير حمود على خلفية نقل متفجرات من سورية إلى لبنان والقيام بأعمال إرهابية، والقضية في دائرة الجدل القانوني والسياسي وموضع انقسام حاد بين اللبنانيين.

أصدرت المحكمة العسكرية في أيار الماضي حكماً قضى بسجن سماحة 4 سنوات ونصف وجرّدته من حقوقه المدنية، ما أثار حينها اعتراضات قضائية وسياسية وشعبية واسعة، واعتبر الحكم مجحفاً لناحية الجرائم التي كان يخطط سماحة لتنفيذها مع المخبر ميلاد كفوري. الأمر الذي دعا حينها مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر إلى تمييز الحكم وإعادة المحاكمة.

بعد ثلاث سنوات ونصف على توقيفه وبعد ستة أشهر ونيف على بدء إعادة المحاكمة، قررت محكمة التمييز العسكرية أمس، إطلاق سراح سماحة بكفالة مالية مقدارها 150 مليون ليرة لبنانية. بينما رفضت النيابة العامة التمييزية بشخص القاضي سمير حمود قرار تخلية سبيل سماحة، لكنها اعتبرت أن القرار النهائي يعود إلى المحكمة العسكرية.

على الرغم من أن الحكم الأول على سماحة صدر عن المحكمة العسكرية الابتدائية والحكم الثاني اليوم عن المحكمة التمييزية وبإجماع أعضائها، إلا أن فريق 14 آذار وعلى رأسه وزير العدل أشرف ريفي شن حملة عنيفة على الحكم وعلى القضاء العسكري الممثل بالمحكمة العسكرية.

بين قرار «العسكرية» وتحفظ النيابة العامة، في أي إطار يُوضع هذا القرار؟ هل هو قانوني محضٌ أم يدخل ضمن إطار تسوية لإطلاق سراح سماحة؟ وما هي مبررات حملة فريق 14 آذار على القرار والعسكرية معاً؟

مصادر مطلعة على القضية أشارت لـ«البناء» إلى أن «قرار المحكمة العسكرية بخصوص قضية سماحة قانوني بامتياز فهو أمضى المحكومية التي حدّدتها المحكمة»، ووصفت المصادر الحملات على القرار بأنه «أمر عمليات سعودي كالحملة التي استهدفت حزب الله والنظام في سورية في قضية حصار مضايا».

ولفتت إلى أن «كلام وزير العدل بحق القضاء العسكري هو بداية نهاية القضاء في لبنان»، وتساءلت: أين مخبر فرع المعلومات الذي استدرج سماحة ميلاد كفوري؟ هل تحوّل إلى الشاهد الملك كمحمد زهير الصديق؟ وأشارت إلى استعمال «العسكرية» واستغلال هذه القضية الحساسة والدقيقة لأهداف سياسية وتوتير الساحة الداخلية مذهبياً تمهيداً لخلق مشاكل أمنية.

مصدر وزاري وقضائي سابق وصف قرار «العسكرية» في حديث لـ«البناء» بأنه قانوني، وهو صادر عن جهة قضائية، خصوصاً أنها الجهة التي أصدرته هي محكمة التمييز العسكرية بعد إعادة المحاكمة ولا يجوز التشكيك فيها، فضلاً عن أن المحاكم العسكرية موجودة في معظم دول العالم، وهي جزء من الجسم القضائي للدول.

المحامي رشاد سلامة يؤكد في حديث لـ«البناء» أن «هذا القرار حق ممنوح للمحكمة العسكرية، كما هو حق ممنوح للقضاء العدلي»، موضحاً أن «سماحة أمضى ثلاث سنوات ونصفاً في السجن والسنة السجنية 9 أشهر ما يعني أنه أنهى فترة محكوميته التي توضع في إطار نقل أسلحة بالاستناد إلى المواد 72 و73 عقوبات، وبالتالي من الطبيعي إطلاق سراحه».

واستغرب سلامة تصريح وزير الداخلية نهاد المشنوق و«هو الرجل المعتدل والذي يملك الحكمة والاتزان»، مؤكداً أن «المحكمة العسكرية هي جزء من العدالة في لبنان»، واعتبر سلامة أن ليس للوزير ريفي أي صلاحية مطلقاً بالتدخل بأحكام القضاء العدلي ولا بالقضاء العسكري ولا بمحكمة التمييز العسكرية».

وعن مآل القضية، أوضح أن «المحاكمة لم تنته، بل ستستكمل والمحكمة ستستدعي سماحة إلى جلسات أخرى على أن تصدر حكمها النهائي في القضية والتي لها الحق وتملك الصلاحيات المطلقة من التبرئة إلى الإدانة، وبالتالي يمكن أن تبرئ سماحة».

وأشار سلامة إلى أن «المحكمة العسكرية تملك الحق بمقاضاة كل الذين تعرّضوا لها بالقدح والذم كهيئة قضائية»، لافتاً إلى أن «القاضي العدلي في هيئة محكمة التمييز العسكرية لم يعترض على القرار».

علامات استفهام تُرسم حول حملة 14 آذار على حكم العسكرية بمعزل عن قانونية القرار من عدمه، لكن أليست المحكمة العسكرية مؤسسة قضائية؟ لماذا لم تشنّ هذه الحملة على الجهة القضائية التي أصدرت أحكام العفو عام 2005 للموقوفين الإسلاميين مجدل عنجر والضنية وغيرهما المحكومين بجرائم القتل والإرهاب؟ ولماذا لم تثُر ثائرة هذا الفريق على الجهة القضائية التي أخلت سبيل شادي المولوي الذي تبين لاحقاً أنه أمير تنظيم «النصرة» في الشمال؟ أو على الجهة القضائية التي أخلت سبيل متورطين بأعمال إرهابية خلال صفقة تبادل العسكريين اللبنانيين؟ وأليست المحكمة نفسها هي التي أخلت سبيل زياد حمصي العام 2012 الذي أدين بالعمالة للعدو «الإسرائيلي»؟

في ظل ازدواجية المعايير هذه، يبقى السؤال، في حال برأت المحكمة الدولية في قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري حزب الله من تهمة اغتيال الحريري، هل ستشن «القوى العابرة للدولة» حملة على هذه المحكمة أم أنها سترضخ لأحكامها؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى