ترتيبات جنيف بين كيري ولافروف… وإضافة مسلّم ومنّاع لوفد المعارضة الجيش السوري على الحدود التركية ويقترب من تطويق مسلّحي حلب
كتب المحرر السياسي
يلتقي وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، الأربعاء المقبل لوضع اللمسات الأخيرة على التحضيرات التي يفترض استكمالها لضمان انعقاد لقاء جنيف للحوار بين وفد الحكومة السورية ووفد المعارضة، بعدما قام المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا بإعداد الدعوات التي يفترض أن يبدأ بتوجهيها، وتفيد المعلومات أنّ توافقاً تمّ على توجيه الدعوة للمفوض السياسي للجان الحماية الكردية صالح مسلّم وممثل هيئة التنسيق المعارضة في الخارج هيثم منّاع للمشاركة في الحوار، بمعزل عن موافقة مجموعة الرياض التي تعيش ارتباكاً وتلعثماً في الإجابة عن السؤال المباشر حول قرار المشاركة من عدمه، فتجيب بمطوّلات بلا مضمون تسرد سيرة الأزمة في سورية وتختبئ وراء مطالبات قيل لها مراراً إنها مواضيع مدرجة على جدول أعمال الحوار بعدما سقطت من يدها ورقة المتاجرة بالقضايا الإنسانية مع قيام الأمم المتحدة بالتنسيق مع الدولة السورية، وبالضغط على الجماعات المسلحة، بتأمين قوافل متتابعة من الإغاثة إلى كلّ من مضايا والفوعة كفريا، بينما تلقّت مجموعة الرياض جواباً محبطاً على المرحلة الانتقالية ومفهومها، بأنها ترجمة لقرار مجلس الأمن 2254 الذي لم يعُد بعد صدوره وجودٌ لصيغ جنيف وفيينا إلا بصفتها مسودات لم تنضج، ونيات حسنة لم تفلح في إنتاج حلول، ولا قيمة قانونية لها طالما لم تترجم بصيغة قرار أممي، وبعدما صدر القرار صار هو الصيغة الوحيدة وهو واضح لجهتي المرحلة الانتقالية التي تقودها حكومة وحدة وطنية في ظلّ رئاسة الرئيس السوري وشرعيته الدستورية، وصولاً إلى دستور جديد تعقبه انتخابات تشرف عليها الحكومة الموحدة بشراكة أممية.
في السباق نحو موعد الخامس والعشرين من الشهر الحالي، ولقاء جنيف المرتقب، تبدو حقائق الميدان العسكري أشدّ إحباطاً لجماعة الرياض التي لا تملك وجوداً عسكرياً خاصاً بها، رغم كثرة كلامها عن الجيش الحرّ والمعارضة المعتدلة، فخيارها العسكري تترجمه مجموعات جبهة النصرة وأحرار الشام وجيش الإسلام، والتداعيات العسكرية تنبئ بتطورات دراماتيكية متسارعة بعد تهاوي مواقع هذه الجماعات أمام الجيش السوري، خصوصاً شمال سورية وقرب الحدود التركية، حيث وصل الجيش السوري ليقف للمرة الأولى منذ سنوات وجهاً لوجه أمام النقاط الحدودية التركية، في منطقة جبل الأكراد، ويتوقع خبراء عسكريون أن تتواصل التطورات المتسارعة لمصلحة الجيش السوري في الأيام العشرة الفاصلة عن جنيف بما قد يغيّر كثيراً في الخريطة العسكرية للقوى.
لبنانياً خطف إخلاء سبيل الوزير السابق ميشال سماحة بقرار من محكمة التمييز العسكرية، الأضواء عن جلسة الحكومة التي قاطعها وزراء التيار الوطني الحر وحزب الله، الذين قالت مصادر متابعة أنهم سيشاركون في الجلسة المقبلة بعدما تمّ التفاهم على إدراج بند التعيينات الأمنية والعسكرية على جدول الأعمال، ووضعت قواعد واضحة ومرضية للفرقاء لإنجاز التعيينات.
إخلاء سماحة بكفالة مالية ومنعه من السفر والتواصل الإعلامي، لتجنيب المحكمة العسكرية ارتكاب مخالفة قانونية جسيمة، بمواصلة توقيفه بما يتعدّى مدة التوقيف في الحكم الصادر بحقه، أثار عاصفة من قوى الرابع عشر من آذار أصابت القضاء مباشرة بسيل من الشتائم، ومهّدت لحملة شعواء بحق القضاء العسكري خصوصاً، ورافق ذلك تهديد بالفوضى وأعمال شغب واستحضار لمناخات التوتر والتصعيد، بصورة تبشر بنية إدخال البلد في أيام من القلق وتعريض الاستقرار الأمني للاهتزاز، بانفلات الشارع في مناخات الاحتقانات المذهبية والطائفية، وجهوزية التنظيمات الإرهابية لاستغلال كلّ سانحة.
محكمة الجنايات لا تفرض التوقيف المستمر
أُخلي سبيل الوزير السابق ميشال سماحة من سجن الريحانية بقرار من محكمة التمييز العسكرية وبكفالة قدرها 150 مليون ليرة لبنانية مع منعه من السفر ومن الإدلاء بأي تصريح على أي وسيلة إعلامية مقروءة أو مرئية أو مسموعة بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي حتى صدور حكم نهائي عن هذه المحكمة تحت طائلة إصدار مذكرة توقيف جديدة بحقه، بعدما اعتبر القاضي طوني لطوف أن سماحة قضى فترة محكوميته السابقة، وعليه حضور الجلسات المقبلة.
وتؤكد مصادر قضائية رفيعة لـ«البناء» إلى «أن ما حصل في المحكمة العسكرية هو تطبيق حرفي للقانون اللبناني، لأن المحاكمة أمام محكمة الجنايات لا تفرض التوقيف المستمر، إنما ينبغي أن يكون الموقوف أثناء المحاكمة فقط في قفص الاتهام وللمحكمة أن تقرر أن تبقيه موقوفاً أو تطلق سراحه، مع ضمانات أن يحضر جلسة المحاكمة، وبما أن التمييز المرفوع ضده لا يعني حتماً زيادة العقوبة وبما أن المحكمة قد تقبل التمييز أو ترفضه فإنها وتطبيقاً لقواعد العدالة والإنصاف، وحتى لا تتخذ موقفاً مسبقاً يوحي بأنها ستشدد العقوبة في حكم التمييز، وفق ما يناقض أصول العمل بالمحاكمات الجزائية، فإنها ارتأت إخلاء السبيل مع اتخاذ التدابير التي تضمن حضور المحاكمة وتضمن سرية التحقيق وعدم الإخلال بأي معيار من معايير المحاكمة النزيهة، كما هو مألوف في القضاء». وتابعت المصادر «من هنا يُفهم قرار إخلاء السبيل الذي صدر مرفقاً بشروط تمنعه من السفر والظهور الإعلامي والإدلاء بأي تصريحات، فضلاً عن الكفالة المالية الباهظة جداً وكل ذلك يشكل تدابير كافية لضمان سرية التحقيق وشفافية المحاكمة النزيهة».
وتؤكد المصادر «أن بقاء سماحة في السجن هو بقاء تعسفي لا يستند إلى مبرر إلا قانون شهود الزور». وشدّدت على «أن المحكمة العسكرية تُعتبر اليوم أحد مرتكزات الاستقرار الأمني في لبنان لأسباب تتعلق بالسرعة في الملاحقة، وملاءمة الأحكام وفقاً للظرف الأمني، وعدم الخضوع للضغوط السياسية». ولفتت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى «أن وزير العدل الذي عجز عن الضغط على المحكمة العسكرية كانت ردة فعله ضد وجودها، ولو استجابت لتدخلات تيار المستقبل لكانت اليوم في موقع آخر، علماً أن رئيس محكمة التمييز هو قاضي مدني وليس ضابطاً عسكرياً وهو نفسه يمكن أن يكون رئيساً لمحكمة الجنايات ومنتدَباً من القضاء العدلي».
14 آذار تستحضر لغة التشنج شارعياً
وبعد قرار إخلاء سراح الوزير سماحة شن فريق 14 آذار هجوماً مبرمجاً على المحكمة العسكرية ولجأ رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل ورئيس حزب القوات سمير جعجع إلى الشحن السياسي واستحضار لغة المرحلة الماضية لخلق مناخ توتيري يؤسس لما هو أخطر، لا سيما أن ما يقوم به فريق 14 آذار هو تضخيم لقضية مستوفية كل شروطها القانونية، فهو أمضى حكمه وخرج بقرار قضائي بإجماع القضاة وبأسباب معلّلة. وتحدّثت مصادر مطلعة لـ«البناء» «أن هذا الفريق يريد إعادة إنتاج شيء ما لما يُسمّى ذكرى 14 آذار، لا سيما أن سماحة يعتبر شخصية استقطابية جاذبة»، مشددة على «أن التطاول على قاضٍ وضابط والهجوم على المحكمة العسكرية وإعادة التفكير بقطع الطرقات في قصقص والطريق الجديدة والكولا والتبانة، يوحي أن هناك أمر عمليات يريد أن يؤسس لانفجار أمني وتوترات من هنا وهناك».
واعتبر رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد «أن التصريحات الصاخبة والمبرمجة التي تعترض على قرار إخلاء سبيل سماحة، ليست إلا تعبيراً عن النكد والكيدية والاستنسابية التي ما انفك فريق المصرّحين اليوم يمارسها في السلطة وفي التعاطي مع القضاء والإدارة والمال العام من دون أن يرفّ له جفن لأصوات المعترضين على الظلم والفساد والهدر وسوء الاستخدام للنفوذ والحكم». ولفت في بيان له، إلى «أن موقف هذا الفريق من القضاء العسكري ومحكمة التمييز العليا فيه هو موقفٌ مزاجيٌ متقلّب بحسب القرارات والأحكام التي قد تناسب مصالحه أحياناً أو تتعارض معها أحياناً أخرى، وليس مستنداً أبداً للقوانين التي ترتكز عليها تلك القرارات أو الأحكام». وأفاد أنه «بالأمس كان القضاء مرضياً عنه حين أخلى سبيل ضالعين في الإرهاب وفي إثارة الفتن، أو حين أخرج من السجون عملاء للعدو الإسرائيلي. أما اليوم فقد أصبح مغضوباً عليه من قبل هؤلاء حين أخلى سبيل الوزير السابق ميشال سماحة بعدما أكمل تنفيذ الحكم الصادر بحقه ولم يَعُدْ هناك من مسوغٍ قانوني لاستمرار توقيفه».
التعيينات العسكرية تنتظر الجلسة المقبلة
إلى ذلك عاد مجلس الوزراء أمس، إلى الاجتماع بعد عطلة طويلة استمرت نحو أربعة أشهر خرقتها جلسة الـ27 من كانون الأول الماضي لبتّ قرار ترحيل النفايات، وعقد أمس جلسة بغياب وزراء التيار الوطني الحر جبران باسيل والياس بوصعب وحزب الله محمد فنيش وحسين الحاج حسن لعدم وضع التعيينات العسكرية على جدول الأعمال، وغياب الوزير روني عريجي بداعي السفر. ورجحت مصادر وزارية لـ«البناء» أن «يوضع هذا البند على جدول أعمال الجلسة المقبلة»، مشيرة إلى «أن مشاورات حصلت بعد الجلسة عرّابها رئيس المجلس النيابي نبيه بري أثمرت إيجاد مخرج للقضية ووضع بند التعيينات بنداً أول على جدول أعمال الجلسة المقبلة بعد أن فشلت الاتصالات التي جرت في اليومين الماضيين في التوصل إلى حل». ولفتت المصادر إلى «أنه سبق أن حصل تفاهمٌ من هذا النوع خلال لقاءات الوزيرين ابو صعب ووائل ابو فاعور قبل تقاعد العميد شامل روكز، سرعان ما أطاح به وزراء الرئيس ميشال سليمان»، إلا أن الضمانة اليوم هي الرئيس بري الذي هو عرّاب التفاهم ويلاقيه رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط بالتنسيق مع رئيس الحكومة تمام سلام».
وأشارت مصادر وزارية في 14 آذار لـ«البناء» إلى «أن الاتصالات مستمرة حول ملف التعيينات الأمنية للاتفاق على ثلاثة أسماء للمجلس العسكري وعرضه وفقاً للأصول، أي من خلال تقديم وزير الدفاع سمير مقبل لائحة بأسماء المرشحين للمجلس العسكري إلى مجلس الوزراء». ورجحت المصادر أن تثمر الاتصالات تأمين حضور الأطراف كافة الجلسة المقبلة لبّت ملف التعيينات.
وكان وزير الخارجية جبران باسيل أبلغ رئيس الحكومة قبل الجلسة موافقة التيار الوطني الحر على جدول الأعمال، لكن أسباباً سياسية منعته من حضور الجلسة».
وشددت مصادر وزارية أخرى لـ«البناء» على «أنه لا يمكن استكمال عقد جلسات مجلس الوزراء من دون مشاركة وزراء التيار الوطني الحر وحزب الله، وإلا تصبح الخلفية السياسية قاسية»، مؤكدة «أن تفعيل عمل الحكومة يكون بجذب كل المكونات السياسية لا سيما وان اعتراض مكونين سياسيين من المكونات الوطنية الكبيرة المشاركة في الحكومة على أي أمر يسقط ولا يمكن أن يُقرّ».
ترحيل النفايات قبل أواخر الشهر
وعاد موضوع ترحيل النفايات إلى نقطة الصفر بسبب شبهات حول شركة الترحيل والكلفة الباهظة، برغم تأكيد مصادر وزارية لـ«البناء» أن الشركة الانكليزية تقوم بكل الترتيبات وفقاً لقرار مجلس الوزراء»، مشيرة إلى «أن فترة الشهر المعطاة لهذه الشركة تنتهي بعد ثلاثة أسابيع»، متوقعاً أن تسير الأمور على ما يُرام». ولفتت المصادر إلى «أن رئيس الحكومة لن يتراجع عن قرار الترحيل، فهو أكد أن العملية ستبدأ في فترة قريبة بعد استكمال التحضيرات»، مشددة على «أن التجاذبات السياسية التي حصلت حول إقامة المطامر الصحية هي التي أجبرت مجلس الوزراء مكرهاً على القبول بالترحيل الذي هو أبغض الحلال».
ورجح وزير الإعلام رمزي جريج لـ«البناء» إنجاز ترحيل النفايات قبل أواخر الشهر الجاري، وأشار إلى «أن الشركة الإنكليزية تعمل على تنفيذ الموجبات المطلوبة منها ضمن دفاتر الشروط»، ولفت إلى «أن الشركة الهولندية أقصيت بسبب تخلّفها عن تقديم الكفالة، إلا أن الشركة الإنكليزية أخذت على عاتقها ترحيل كل النفايات ودفعت كفالة 6 ملايين دولار عنها وعن الشركة الهولندية، وبالتالي هي مجبرة أن تأتي بموافقة البلد الذي سترحل النفايات إليه، لكن الشركة لن تكشف عن هذا البلد إلا بعد توقيع العقد مع الحكومة اللبنانية».
الحراك المدني يعود إلى «البيئة»
وتوازياً مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء، فاجأ الحراك المدني المتمثل بحملة «بدنا نحاسب» و«طلعت ريحتكم» رجال الأمن بتحرّك مباغت في الشارع معيداً بذلك المشهد الذي كان سائداً بقوة في أيلول الفائت، رفضاً لما أسماه «منطق المافيا في ترحيل النفايات»، وانتقل المتظاهرون من رياض الصلح إلى وسط بيروت وتجمّعوا أمام وزارة البيئة محاولين اقتحامها بالقوة، ما دفع القوى الأمنية إلى توقيف 18 من شباب الحراك المدني في محيط الوزارة البيئة.