قضيّة الجامعة اللبنانيّة ما لها وما عليها
د. أحمد اللقّيس
منذ مدة ليست بالقصيرة والجامعة الوطنية تعاني مشاكل متعدّدة، في طليعتها مشكلتان برزتا بقوّة الى الضوء وشكّلتا محور الاهتمام التربوي من ناحية، والاهتمام السياسي من ناحية أخرى.
إنّ أساس المشكلتين في الواقع ينطلق من واقع تعانيه الجامعة منذ فترة طويلة وهو غياب مجلس الجامعة الذي يعتبر حجر الزاوية في إدارة الجامعة وفقاً للقوانين والأنظمة الجامعية المرعية الإجراء.
يمكن الانطلاق من هنا للقول إن مكمن الخلل هو في تغييب هذا المجلس الذي تعود إليه قانوناً المشاركة الفاعلة في تسيير أعمال الجامعة على الصعد المالية والإدارية والأكاديمية على حدّ سواء.
إن الشغور في مجلس الجامعة ابتداءً من عام 2004 بسبب عدم تعيين عمداء أصيلين لكلياتها المختلفة أفضى إلى تسيير الأعمال أو تصريفها وفقاً لتكليفات يقوم بها رئيس الجامعة لبعض الأساتذة في الكليات، غير أن هذا التكليف لا يحلّ شيئاً في المشكلة، فالعميد المكلّف ليس مخوّلاً ممارسة الصلاحيات كافة التي يمكن أن يقوم بها العميد الأصيل نظراً إلى تخوفه من الصفة الموقتة للمهمة الموكلة إليه.
انطلاقاً من هذا الواقع، أضحت الجامعة تسير بتصريف أعمالها وفقاً للمقتضيات والضرورات ولا تستطيع اتخاذ القرارات التي يتطلّبها تسيير أعمال الجامعة من خلال مجلسها الذي هو المؤسسة المحورية في مسيرتها.
يضاف إلى ما سبق، أي غياب مجلس للجامعة مكتمل النصاب، حرمان الجامعة من صلاحية أساسية من صلاحياتها بقرار من مجلس الوزراء صدر عام 1996 في ما يتعلّق باتخاذ القرار المناسب في موضوع رئيسي في سيرتها هو إقرار التفرغ للأساتذة المستحقين، وفقاً للأحكام القانونية والتنظيمية التي ترعى هذا الأمر، وحصر الأمر بمجلس الوزراء. وهنا، في هذه النقطة تحديداً، بدأت السياسة تدخل مباشرة في عمل الجامعة ومجلسها المختص ما أثر كثيراً في واقعها على الصعيد الأكاديمي، وبدأت المشاكل في هذا الجانب فتراكم حتى وصل الى ما وصل إليه في الفترة الأخيرة، إذ أصبح موضوع التفرّغ العائد للأساتذة المتعاقدين في الجامعة الشغل الشاغل لإدارة الجامعة ووزارة التربية والتعليم العالي والأساتذة المعنيين في هذا الملف، ثمّ تعرّض النقل الملف لمزيد من التسييس والتدخّل في تفاصيل أكاديمية من قبل العديد من القوى السياسية وطلباتها المتزايدة بإدخال المزيد من الأعداد دونما النظر في الحاجات والكفاءة المطلوبة للحفاظ على المستوى الأكاديمي لطلاب الجامعة الذي بدأ ينحدر عما كان عليه سابقاً، ما دفع بالأساتذة المتعاقدين الى اعتماد مختلف الوسائل للمطالبة بحقوقهم في التفرّغ، خاصة أولئك الذين يستوفون الشروط المطلوبة، بغضّ النظر عما يتضمنه الملف من مظالم ومخالفات ادخال واقتراح أسماء لا تستوفي الشروط المطلوبة، فضلاً عن مشكلة أخرى شكلت عائقاً آخر هو استبعاد فئة من هؤلاء المتعاقدين، رغم أحقيتهم بالتفرغ، وهي فئة الأساتذة الموظفين الذي يستوفون الشروط كافة، إنما تمّ استثناؤهم فقط لأنهم موظفون، كأنهم يحرمونهم بذلك من حقّ أساسي من حقوقهم يتعلّق بالترقي الوظيفي، حتى تدخّل وزير التربية الحالي وأوصل بعض هؤلاء الى حقهم في التفرغ فألغى هذا المانع وأدرج بعض الأسماء على اللائحة المقترحة للتفرغ، مزيلاً من أمام المشروع عقبة إضافية تساهم في تخفيف العوائق وإعطاء أصحاب الحق حقهم.
حاول وزير التربية أيضاً إزالة عوائق أخرى كانت تبرز أمام مشروع التفرّغ لدى عرضه على جلسة مجلس الوزراء، محاولاً إقناع الوزراء المعنيين ورئيس الوزراء بأحقية هؤلاء وبحاجة الجامعة إلى تفرّغهم لعملهم فيها، ما ينعكس إيجاباً على عملهم وأبحاثهم وثباتهم في متابعة ملفات طلابهم وتدريبهم، ويساهم في إعادة رفع المستوى التعليمي في الجامعة الوطنية من ناحية، ويؤكد على ضرورة تنفيذ النص القانوني المتعلّق بتحديد نسبة المتعاقدين بالساعة في الجامعة بالنسبة إلى المتفرغين، وانعكست الآية حالياً في الجامعة الوطنية، ما يشكل مخالفة قانونية من ناحية ثانية.
عرض هذا الواقع يؤكد أن الجامعة ليست في أفضل أحوالها، فمجلس الجامعة معطّل، ولم تتوصل السلطة التنفيذية إلى اتخاذ القرار بتعيين هذا المجلس، كما أنها تعاني مشكلة الأساتذة المتعاقدين الذين يشكلون هيكل الجامعة التي تنزف من عدد لا بأس به من أساتذتها وكادراتها لأسباب عديدة أهمها الإحالة على التقاعد أو السفر أو غيره من الأسباب، ويدفعنا هذا كلّه إلى الاستنتاج أن لدى الجامعة الكثير من المشاكل وأهمها ما عرضناه على صعيد تعيين عمدائها، أو على صعيد تفرّغ أساتذتها المتعاقدين بالساعة لمنحهم الضمانات المعيشية التي تساهم في مدّ الجامعة بدم جديد يزوّدها القدرة للعودة الى المستوى الأكاديمي السابق كإحدى أهمّ الجامعات في لبنان فتستعيد سمعتها الطيبة. لذا نقول إنّ على الجامعة وأهلها عدم التوقّف عن المتابعة والمطالبة للوصول بجامعتهم الوطنية إلى برّ الأمان، على الأقل لناحية المستوى الأكاديمي.