الدقة الروسية في اختيار مفاوضي المعارضة «حساب ببعد آخر»
تختلف التجرية الروسية في التعاطي مع كلّ ما يمسّ موسكو بأمنها القومي والاستراتيجي في كلّ أزمة تتعرّض لها بحسب أولويتها وتأثيرها على العمق الروسي سياسياً وأمنياً واقصادياً، وفي بعض الاحيان ايديولوجيا وعقائدياً، مثل تمدّد التطرّف الإرهاب في جوارها. لكن التجربة الروسية في سورية تختلف عن ايّ أزمة تعاطت معها روسيا في تاريخها الحديث، حتى انّ سلوكها أثار الجدل مثلما أثار العجب عند الاميركيّين الذين لم يتوقعوا هذا الاهتمام المفرط من روسيا، لا بل هذا الثبات والتمسك بفرض نظريتها في استحالة إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، لتزيد الأزمة تعقيداً عند الغرب بقرار دخول روسيا الحرب السورية مباشرة بعديدها وعتادها ليتغيّر الحساب برمّته.
يعرف الاميركيون أهمية سورية بالنسبة إلى روسيا، لكن الأكثر تشاؤماً لم يكن يتوقع ان تقدم روسيا على الانغماس بهذا الشكل، كما لم يكن من المتوقع ان تصمد السلطات السورية لهذا الوقت المدهش بهذه الظروف والمقدّرات مقارنة بكلّ الأنظمة التي تهاوت الواحدة تلو الأخرى من دون مقاومة، وعلى هذا الأساس تعتبر الولايات المتحدة الاميركية انها دخلت على خط الأزمة السورية بتوقيت مناسب وبلاعبين أساسيين لديهم ما يكفي للانتقام من الرئيس الأسد وشعبه، وهم حكومة رجب طيب اردوغان التي تتوق الى فرض حكم الإخوان المسلمين في سورية، اسوة بفرضه في تونس ومصر بعد سقوط مبارك وبن علي، والمملكة العربية السعودية التي تجد الكثير من الحماسة والأولوية للتخلص من الرئيس الأسد حليف الجمهورية الاسلامية الإيرانية والذي يساهم بتمدّدها في المنطقة وتعظيم نفوذها بشكل مثير، ويضاف إلى كلّ هذا قناعة الاميركيين بأنّ موسكو لن ترفع الفيتو في وجه ايّ عمل عسكري في سورية، تماماً كما حصل بليبيا لأنّ روسيا ستدرك انّ الوقوف في وجه التغيير والمطالبة بالإصلاح في زمن «الربيع العربي» لن ينفع وانّ موج البحر أعتى من حسابات روسيا.
أخطأت الولايات المتحدة الاميركية كثيراً وهي على ما يبدو تحاول اليوم الحفاظ على ما يمكنها في اكثر من استحقاق تفاوضي سوري على البقاء لاعباً أساسياً يفرض شروطه في معادلة سورية الجديدة نداً لند مع روسيا، لكن الاخيرة على ما يبدو لن تسمح لواشنطن وحلفائها التصرف بهذه العين التي تساويهم فيها، من هنا يلاحظ الاهتمام الروسي الشديد الدقة بكلّ معارض ومفاوض لا يتبع للدولة السورية واهتمام بليغ بالتشديد على رفض القبول بأيّ من الحركات المتطرفة من «جيش الاسلام» و»جيش الفتح» و»جبهة النصرة» وغيرها ممّن تحاول واشنطن والرياض يومياً شرعنتها حتى ظهرت روسيا معنية أكثر بكثير من سورية نفسها بهذا التشدّد فما هو السبب لكلّ ذلك؟
تعرف روسيا انّ التشدّد بحساباتها وانتقائها للوفود المشاركة في الحلّ السياسي هو مقدمة لقبولها بدخولهم الحكومة الجديدة في سورية، اوالسلطات الجديدة، وهي بهذا تأتي بمخاطر كبرى على الساحة الروسية بشكل خاص لأنّ أيّ قبول من هذا النوع هو تعريض روسيا للخطر الدائم والداهم، والى ادخال جاسوسية الى عقر دارها من بوابة شرعية السلطات الشرعية السورية الجديدة، من هنا فإنّ أيّ تهاون في اختيار وفد المعارضة السورية هو تهاون في مصير روسيا وأمنها وتسهيل لدخول متطرفين اسلاميين اليها وتسعير الإرهاب وشرعنة هذه المجموعات ودعمها للتمادي بمخططاتها.
انّ التمسك بهذا الامر هو أولى أولويات روسيا التي لا تتراجع عنها وعلى واشنطن إدراك ذلك، وإلا فإنّ روسيا غير مستعدّة للبتّ بحلول تشرعن الميليشيات، وهذه المجموعات على الطريقة اللبنانية تفتح باباً من القلق والجاسوسية والعمالة عليها من الخارج في دولة صديقة مثل سورية فتحقق الرغبة الاميركية.
يوماً بعد يوم تتيقن واشنطن من القرار الروسي ولا مفرّ من الخضوع له عاجلاً أو اجلاً.
«توب نيوز»