غسان كنفاني بطل الموت الذي حرّضنا على الحياة
كتب سعيد الشيخ: صادف يوم الثامن من تموز الذكرى الثانية والأربعين لاستشهاد المبدع والمناضل غسان كنفاني في عملية اغتيال جبانة قام بها جهاز الموساد «الإسرائيلي» في منطقة الحازمية في بيروت. غادر غسان كنفاني دنيانا وهو في ريعان الشباب عن عمر لم يتجاوز السادسة والثلاثين ليكون الشاهد والشهيد. وكان استهداف غسان كنفاني في ذلك الوقت الباكر من بدايات العمل النضالي الفلسطيني استهدافاً للوعي الفلسطيني الذي مثّله غسان عبر رواياته وقصصه القصيرة، وعبر تحاليله السياسية التي كان ينشرها في الصحافة اللبنانية وقبلاً في الصحافة الكويتية، وأخيراً قبل أن تمتد إليه يد الغدر في مجلة «الهدف» التي أسسها في بيروت لتكون المجلة الناطقة باسم الجبهة الشعبية.
نتوق في نشوة أحلامنا إلى دالية أم سعد لأن تتعرف على سقوف مخيماتنا، وإلى البنادق التي طالما هاجرنا النوم ونحن نفكر كيف يكون تفكيكها وإعادة تركيبها. يومذاك، لم يكن خيالنا يصل إلى أنهم يستطيعون النيْل منا باغتيالك. فأرخت الوطأة مثقالها، وكنا صغاراً نتهجّاك كيفما أدرت قلمك، فكيف نتهجّى استشهادك؟ أكان على جدلية الحياة والموت أن تأتي بالمعجزة وتمسك بطرفي الحياة كي تذهب عميقا في صرحنا العالي، إلى سماوات كينونتنا المشردة. شرّيدون في حياتنا وشرّيدون في مماتنا. نتوزع قهراً ونكسب أكثر من هواء، نخسر عمراً ولا ننهزم. نحاول المكان، خط استواء لحياتنا الآتية، فوق طبقات الرماد، من جمر سنوات قهرنا وتيهنا.
في روايتك «عائد إلى حيفا» نعود لنبحث عمّا خلّفناه في كميّة رعبنا ونحن نلوذ من أنياب الحديد. نكتشف عارنا وقد تمثل في ديفيد الذي كان «خلدون». فتصوغ إشكالية القضية من جذورها، منذ آدم على الأرض، وقبل نشوء ممالك الأديان.
زهر الحنّون أزهر في دفاترنا حينما لامسته يداك، وقمر المقابر من فتحات الأشجار لم يكن غير قمر الطريق الطويل والشاق. حينما عاد الصبي إلى القلعة متأبطا «مارتينته» وما زال حارس الخيمة، يذود عن معاني الحرية التي تطاولت على حجم كون. فكرة مثل نرجسة التمني منك شذاها، بملء نزيفك، يا مطر مواسمنا.
النص الآخر نحو فلسطينك، آنذاك، كان خارجاً على تاريخ الانكسار وجغرافيا التسييج. كان يسبح على عكس تيار الهوان العربي. تأسيساً لواقع يبدو أشبه بمستحيل. لكن أبطالك كانوا يمرّون كالهواء إلى العقل. يسكنون الوهج والنجوم كي يتجسّدوا في كل قابض على الجمر.