المبادرة العسكرية بيد المقاومة وصواريخ على حيفا لغز الصواريخ السورية الحديثة في غزة يقلق «إسرائيل»
كتب المحرر السياسي
إلى فلسطين درّ، كلّ العيون نحوها وهي تستحوذ على نظر المتهرّبين من الاعتراف أنها صارت البند الأول على جدول الأعمال الدولي والإقليمي، ففي فلسطين فقط تصل كلّ الأمور إلى نهاياتها، ولأنها كذلك، ولأنّ النهايات خرجت صناعتها من اليد الإسرائيلية منذ تحرير جنوب لبنان عام 2000، كانت كلّ الحروب البديلة، فعلى رغم أكثر من خمسمئة غارة ومئات القذائف الجوية الثقيلة والبحرية المركزة، وعلى رغم القبة الحديدية، نجح المقاومون الفلسطينيون بترجمة تهديداتهم إلى أفعال، وخرجت «يديعوت أحرونوت» ليومين متتاليين بعنوان رئيسي أول، «إسرائيل» كلها تحت النار، وعنوان ثان، «إسرائيل» كلها في الملاجئ، وتكفل المحللون الإسرائيليون بالردّ على المتأسرلين من المحللين العرب، للتخفيف من قيمة ردّ المقاومة بذريعة محدودية الخسائر الإسرائيلية، ليقولوا ما يهزم «إسرائيل» هو الشلل والإحساس بالعجز وليس فقط نزف الدماء.
«إسرائيل» في الشلل وتشعر بحالة العجز، فهي تستدعي الاحتياط وتحشد لعملية برية تعلم أنّ قدرتها قبل سبع سنوات كانت دون مستوى النجاح فيها فأوقفتها في منتصف الطريق، عندما خرج رئيس أركانها شاؤول موفاز يقول إنّ كلفة العملية تعادل خمسمئة قتيل من الجيش لا يوجد في المستوى السياسي من يستطيع تحمّل مسؤوليتها، والكلفة بفارق الزمن وما فيه من تغييرات صارت على الأقلّ أكثر مرتين، وهناك من يحذر من العسكريين المتقاعدين من أنّ ما دخل ترسانة المقاومة من صواريخ صاحب دخول الكورنيت والعبوات الذكية التي استخدمها حزب الله في جنوب لبنان في حرب تموز 2006، وأن الكلفة هي جانب من المعضلة لكن الفشل هو الجانب الآخر، فليس الاجتياح البري مجرّد قرار بل قدرة أيضاً.
اليوم الثالث للحرب شهد على رغم ضراوة العدوان تطويراً نوعياً للمقاومة تعدى قصف تل أبيب والقدس إلى بلوغ الصواريخ مدينة حيفا الساحلية، بما يعني ظهور جيل جديد من الصواريخ الدقيقة التسديد والبعيدة المدى تتعدى الـ160 كلم، بما يعني أيضاً أن الترسانة الصاروخية للمقاومة قد جرى تحديثها بعد حرب 2012 وحكماً بعد حربي 2008 و2011، والتحديث الكمّي الذي يقدّر بآلاف الصواريخ التي لولا وجودها لما تجرّأ المقاومون على السخاء بمئتي صاروخ في يوم واحد، مقابل معدل خمسين صاروخاً يومياً فقط في الحروب الثلاث الماضية قياساً بمئة صاروخ أطلقتها المقاومة اللبنانية في حرب تموز 2006 يومياً، والتحديث المفاجئ هو نوعية الصواريخ الجديدة التي ظهرت ومداها وتقنيتها العالية في التملص من القبة الحديدية التي أظهرت فشلاً ذريعاً في حماية الأمن الإسرائيلي.
اللغز هنا هو في ما كشفته القناة العاشرة الإسرائيلية عن كون مصدر هذه الصواريخ كماً ونوعاً هو سورية، وكيف حصل ذلك؟ كيف حصل في السياسة وإسرائيل تنام على حرير الخلاف السوري الحمساوي، وكيف حصل لوجستياً وإسرائيل واثقة بسبب الأزمة بين مصر وحماس أن الحدود المصرية مع غزة أشد ضبطاً من أي وقت مضى؟
ثمة حيرة ودوران رؤوس لا يتوقفان من دون نتيجة للوصول إلى أجوبة على هذه الأسئلة، سوى أن إسرائيل لم تأخذ على محمل الجد الكلام المتكرر للقيادات السورية عن تحميل إسرائيل مسؤولية ما جرى من خراب ودمار وحرب في سورية، ومن تأكيد دائم ومتكرر أن إسرائيل ستدفع ثمن ما سببته لسورية ولن تفلت من العقاب، وأن سورية التي ظنها الإسرائيليون منهكة ومستنزفة وغير قادرة على صرف جهد ووقت وقدرات لإعداد لحرب كالتي تشهدها فلسطين المحتلة اليوم، هي الشريك في حلف يتوزع أطرافه الأدوار، في إدارة معركة إستراتيجية عنوانها يجب أن تضغط واشنطن على جماعتها في المنطقة ليوقفوا حروب حقدهم العبثية، ويجب أن تضغط إسرائيل على واشنطن لتفعل ذلك، فوحدها تملك أن تتحرك واشنطن، وكي يحدث ذلك يجب أن تتألم إسرائيل، وأن سورية وحلفاءها مصممون ألا يقفل ملف المنطقة على تسويات لا يكون من ضمنها توازن قوى يحمي حق ووجود المقاومة في فلسطين، وفي خدمة هذين الهدفين يصير التواصل مع حماس والجهاد وطريق وصول الصواريخ أموراً يتقنها المعنيون ويحتفظون بأسرارها.
واشنطن التي بدأت التموضع على خط التسويات انطلاقاً من أوكرانيا، وكلام نائب رئيس الأمن القومي تومي بلينكن عن التعاون الروسي الأميركي مع حكومتي العراق وسورية لمكافحة الإرهاب، أعلنت بلسان رئيسها باراك أوباما دعوتها الفريقين الإسرائيلي والفلسطيني إلى ضبط النفس وحملتهما معاً ربما للمرة الأولى مسؤولية استهداف المدنيين.
المنطقة تواجه تحدياتها بلا توقف على رغم المكانة التي تصدرت عبرها فلسطين هذه التحديات، بقي العراق يواجه حربي التقسيم في الشمال والوسط وأعلن رئيس وزرائه نور المالكي عدم التسامح مع دعوات الانفصال التي صدرت من كردستان بمثل التصدي لدولة داعش، بينما دخلت الرياض الهم اليمني بالتوازي مع الهم العراقي بعد فشل مشاريع التهدئة بين الجيش اليمني ومجموعات الحوثيين التي أحكمت سيطرتها على مدينة عمران الشمالية القريبة من العاصمة صنعاء وصارت قوات الحوثيين الموجودة في همدان شمال العاصمة تدق أبوابها، أما لبنان الواقع في فشل انتخاب رئيس للجمهورية، يقع في الفشل بإدارة الفشل على كل المستويات، ما عدا ما تؤديه أجهزته الأمنية وعلى رأسها الجيش من جهد لمواجهة مخاطر التهديدات المتعددة المصادر، بينما أهل الفشل يريدون للجيش مشاركتهم عجزهم وفشلهم فيفتحون عليه النار، كأنما صاروا جزءاً من مخطط تخريب كل مظاهر الحياة والنجاح في البلد، الذي إن حكموه عصروه وإن فشلوا في حكمه كسروه.
وسط هذه الأجواء وفي ظلّ الفراغ القاتل الذي بلغته الساحة الداخلية بسبب سياسة التعطيل للطبقة السياسية، تفاعلت أيضاً قضيتا الرواتب والأجور وملف الجامعة اللبنانية نتيجة المنطق الفئوي الذي سلكه فريق 14 آذار وبعض الذين يدورون في فلكه، في وقت لا يبدو في الأفق ما يؤشّر إلى حصول حلحلة في ملف انتخابات رئاسة الجمهورية، أو سلسلة الرتب والرواتب، انطلاقاً من الأساليب السياسية المعتمدة نفسها في التعاطي مع قضايا البلاد ومعاناة اللبنانيين.
ويعقد مجلس الوزراء جلسة اليوم في السراي الحكومية برئاسة الرئيس تمام سلام وحضور الوزراء، على جدول أعمالها الكثير من البنود أبرزها بند ملفي عمداء الجامعة اللبنانية وتفريغ الأساتذة المتعاقدين، وتوفير مخرج لدفع وزارة المال الرواتب لموظفي القطاع العام.
ويستحوذ ملف النازحين على حيّز كبير من الجلسة. وأكدت مصادر وزارية لـ«البناء» أنّ أيّ سوري ينتقل من المناطق التي لا تشهد معارك لن يسجل كنازح، وأن 45 ألف سوري سحبت منهم صفة نازح.
جنبلاط يريد عميداً مسيحياً وبرّي يتصل بعون
وأمس استكمل وزير التربية الياس بو صعب اتصالاته مع الكتل السياسية لإيجاد حلّ لملفي عمداء الجامعة والتفرغ. وفيما أكد وزير الزراعة أكرم شهيّب أنّ الحزب التقدمي الاشتراكي مع الجامعة وأساتذتها وطلابها».
علمت «البناء» أن لا ملاحظات لجبهة النضال على الموضوع باستثناء أن النائب وليد جنبلاط يريد تعيين عميد مسيحي من الحصة المسيحية وهذا لن يحصل. وعلمت «البناء» من مصادر وزارية أن رئيس مجلس النواب نبيه بري أجرى اتصالاً لهذه الغاية برئيس تكتل التغيير والإصلاح أمس، فيما تواصل رئيس الحكومة تمام سلام مع النائب جنبلاط لحل هذه العقدة.
وأوضح وزير التربية الياس بو صعب أنّ أعداد الأساتذة جاءت بناءً على الحاجات والإمكانات وقال: «نحن بحاجة إلى تفريغ 1700 أستاذ».
وأكد أنه إذا بقي تعاطي بعض الأطراف مع الملفات الملحة فذلك سيؤدي إلى تعطيل الحكومة وشلّ عملها لأن التعطيل يجرّ التعطيل.
الإنفاق من دون موازنة غير قانوني
من جهة أخرى تستمرّ تفاعلات المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير المال علي حسن خليل، وأكد وزير المال الأسبق الياس سابا لـ«البناء» أن الإنفاق لدفع أجور ورواتب موظفي القطاع العام غير قانوني وغير دستوري حتى لو عقدت جلسة تشريعية وأقرّت ذلك، لافتاً إلى إنه لا يمكن صرف أي مبلغ من دون اعتماد موجود في موازنة، متسائلاً كيف يمكن لدولة أن تسير من دون موازنة من عام 2005، علماً أنّ هناك نصاً دستورياً يستوجب إقرار موازنة كلّ عام، لافتاً إلى أنّ كلّ ما قامت به الحكومات السابقة من سلفات خزينة هو غير قانوني وما بني على باطل هو باطل.
وأكد مصدر نيابي مطلع في كتلة التحرير والتنمية أن الحكومة الحالية لو أقرت الموازنة التي قدمها وزير المال لكانت سهلت الأمور، معتبراً أن المادة 26 من المحاسبة العمومية تتعلق بالاحتياط غير المؤمن اليوم بسبب إنفاقه من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. وشدد المصدر على أنّ رواتب المتقاعدين والصرف من الخدمة تعتبر حقوقاً ثابتة لهؤلاء عند الدولة لأنها من المحسومات التقاعدية، وبالتالي ليست بحاجة لأي قانون.
محفوض يحمّل الكتل السياسية مسؤولية عدم إقرار السلسلة
في موازاة ذلك، تستمرّ هيئة التنسيق النقابية بتنفيذ اعتصام مفتوح ليلاً ونهاراً، من أجل الضغط على مجلس النواب لعقد جلسة عامة لإقرار سلسلة الرتب والرواتب بالتزامن مع إضراب عام وشامل في المناطق كافة. وترافق ذلك، مع اتصالين أجراهما رئيس المجلس النيابي نبيه بري برئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط والنائب ابراهيم كنعان للبحث في شأن عقد جلسة تشريعية لتأمين رواتب القطاع العام وفق الأصول القانونية.
وأكد رئيس رابطة أساتذة التعليم الخاص وعضو هيئة التنسيق نعمة محفوض لـ«البناء» أن الهيئة أبلغت وزير التربية أن لا إفادات للطلاب التي تضرب القطاع التربوي في لبنان، وأنهم مستمرون بالإضراب ومقاطعة التصحيح إلى حين إقرار السلسلة.
وإذ أكد أنّ العام الدراسي لن يبدأ في شهر أيلول المقبل إذا لم تقرّ السلسلة، حمل محفوض كلّ الكتل السياسية في المجلس النيابي من دون استثناء مسؤولية ذلك، معتبراً أنّ الهيئات الاقتصادية موجودة في كلّ الكتل ومؤثرة فيها. وإذ ارتأى عدم الدخول في الأسماء اعتبر أنّ التعمّق في هذا الملف يكشف الكثير من الخفايا المستورة، لافتاً إلى تآمر حاصل بين الكتل السياسية لعدم إعطاء السلسلة، لأن من يريد مساعدتنا عليه أن يسمي الأشياء بأسمائها وينزل إلى المجلس النيابي ويؤمن نصاب الجلسة الذي هو 65 نائباً.
وقال محفوض: «إما سلسلة وإما نكون انتهينا نقابياً مع إشارته إلى «أننا لن نسمح للقوى السياسية بذلك، لأنّ محاولة ضربنا هي القضاء على البلد.
«المستقبل» يفتح النار على الجيش
أمنياً، عاد التوتر ليخيّم على مدينة طرابلس بعد أشهر قليلة من الهدوء الذي ساد مع بدء تنفيذ الخطة الأمنية، في ظلّ التحركات لإطلاق موقوفي أحداث طرابلس من سجن رومية، والتي ترافقت مع ما كشفته الأجهزة الأمنية من تحضيرات من قبل شبكات إرهابية لتفجيرات في سجن رومية.
واستعاد تيار المستقبل نغمة التهجم على الجيش، ففيما فتحت كتلة المستقبل أول من أمس النار على المؤسسة العسكرية من دون اأن تسلم من سهامها مديرية الأمن العام، تولى النائب معين المرعي الهجوم على قائد الجيش العماد جان قهوجي باتهامه في حديث لـ«البناء» بـ»استخدام دماء السنة للوصول إلى رئاسة الجمهورية»، وأكد النائب المرعبي «أنّ الأعمال والتحركات في سجن رومية هي من أفعال مخابرات الجيش اللبناني والعماد جان قهوجي الذي لا يألو جهداً ليصبح رئيساً للجمهورية».
وأشار المرعبي إلى «أنّ الموقوفين في رومية سلّموا أنفسهم بناء على وعود بالإفراج عنهم خلال فترة معينة من دون أيّ مسوّغ قانوني، إلا أنّ الملف أحيل إلى القضاء وتخلّف المسؤولون عن إخلاء سبيلهم».
وإذ اعتبر «أنّ المؤسسة العسكرية فاشلة وقائدها كذلك»، أكد المرعبي «أن القيادات العسكرية التي تخلّفت وفشلت في الانتشار في طرابلس هي مَن يجب أن يوضع في السجن، لا هؤلاء الموقوفين الذين كانوا يدافعون عن المدينة ولم يرتكبوا أيّ جرم». واعتبر المرعبي «أن المؤسسة العسكرية أخذت على عاتقها قتل المشايخ فيما تغاضت عن ضرب القناصين».
وشدد المرعبي على «أنّ المواقف التي صدرت عن أحد قادة المحاور في طرابلس، والذي يدعى فادي الدندشي ضدّ المسؤول العسكري في تيار المستقبل العميد حمود، هي تحت الضغط ونتيجة ما يوضع في رأسهم»، معتبراً «أن هذه المواقف ستتبدّل مع خروج هؤلاء من السجن، لا سيما أنّ مخابرات الجيش والأمن العام يمارسان ما يُسمى بوثيقة الاتصال ووثيقة الإخضاع عبر بعض المخبرين الصغار، والتي من خلالها يقومون باتهام من يشاؤون عن سابق تصوّر وتصميم».
واعتبر المرعبي «أنّ هذه التصرفات هي التي أدّت الى التطرف الذي كان من إنتاج ما اقترفته القيادة العسكرية في المدينة، لا سيما أن 95 في المئة من الموقوفين في السجن هم من السنة، فيما آخرون الذين يمارسون الخطف والسرقة وحمل السلاح هم خارج السجن».
وفيما رفض وزير العدل اللواء أشرف ريفي التعليق على كلام المرعبي لدى سؤال «البناء» إن كان موقف النائب المرعبي يمثل تيار المستقبل، مكتفياً بالقول «أنا حريري». أكد النائب عمار حوري «أنّ موقف تيار المستقبل عبّرت عنه الكتلة أول من أمس في البيان الذي صدر عقب الاجتماع، وقالت فيه إنّ الكثير من الاعتقالات مبنيّ على وثائق اتصال لا تجد لها سنداً من قانون. كما أنّ الكثير من التوقيفات التي حصلت مبنية على تحقيقات أجريت تحت التعذيب أو تحت الضغط الجسدي والنفسي لتفضي إلى توجيه تهم بتأليف عصابات مسلحة أو تهم الإرهاب لشباب كان جلّ عملهم حمل السلاح، في الوقت الذي لا يزال الكثيرون من الذين ارتكبوا جرائم القتل أو الإيذاء أو الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة بمنأى عن أي ملاحقة، ما يؤكد أنّ كلام المرعبي جاء منسجماً مع بيان كتلته.
وميدانياً شهدت بعض أحياء طرابلس حالة غليان ضدّ تيار المستقبل، وتحديداً المسؤول العسكري له في طرابلس عميد حمود الذي تخلى عن قادة المحاور، بعد أن أدخلهم التوافق السياسي وانطلاق الخطة الأمنية إلى السجن، وهو الذي كان يستخدمهم في حروب المدينة لغايات وحسابات خارجية.
وقد عمد أهالي قادة المحاور إلى قطع عدد من الطرق عند أوتوستراد أبو علي في المدينة وأشعلوا الإطارات عند دوار الأوتوستراد، وأقاموا عدداً من الخيم للاعتصام وردّدوا شعارات ضدّ تيار المستقبل، ولا سيما عميد حمود والوزير أشرف ريفي.