السعودية… وآخر أوراق الصيف..؟!
فاديا مطر
بعد ما اتخذت العلاقة المصرية ـ التركية نحواً جديداً خلال الفترة السابقة، وما تضمّنه خطاب الرئيس التركي «أردوغان» في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 أيلول عام 2014، والذي أثار غضب مصر لتعبر عنه خارجيتها في 25 أيلول 2014 بأنه «استفزازي ومتضمِّن الافتراءات والأكاذيب»، متهمةً أنقرة بدعم الجماعات الإرهابية، بعد دعم تركي واضح لجماعة الإخوان المسلمين التي قاد الرئيس السيسي حرباً «اجتثاثية» فيها منذ 30 حزيران 2014.
فقد دخلت علاقة البلدين نفقاً مظلماً بدأت تدريجاً مؤشراته تتصاعد مع كل موقف، وهما الدولتان الإسلاميتان الكبيرتان اللتان ضمّتهما السعودية إلى تحالفها الإسلامي الذي أعلنته في 15 كانون الأول من العام الماضي والمتضمّن 34 دولة تحت دعوى «مكافحة الإرهاب»، والتي تقود حالياً مساعي جرت في الفترة الماضية بهدف «حل الأزمة» بين القاهرة وأنقرة قبل انعقاد مؤتمر القمة الإسلامية الذي تستضيفه أنقرة في نيسان المقبل 2016، حيث يُفترض أن تسلم القاهرة رئاسة قمته الحالية إلى أنقرة.
فمسار التورط التركي في التآمر على مصر والتورط الأمني والسياسي بحرب الإخوان منذ حكم الرئيس السيسي، من تدريب لقيادات إخوانية مصرية في تركيا، إلى التصريحات السياسية النارية، إلى اعتبار تركيا أن مصر هي العمود الفقري «للحلم الإخواني» الذي يشكل «أردوغان» نواته الإخوانية العقائدية. وهو ما قرأته الرياض دوماً بعناية فائقة، بالرغم من العلاقة السعودية مع كل من مصر وتركيا التي تأرجحت كثيراً بين قواعد الخلاف والاتفاق، والصراع «التركي ـ السعودي» على الحجم والدور وموقع الإخوان فيه، بالرغم من التفاهم على الشراكة ضد سورية والمقاومة. ورغم الخلاف السعودي مع مصر حول سورية في مكان، والاتفاق في مكان آخر من العالم العربي، فتركيا التي تعتبر نفسها متوسطية في مقابل مصر تضع مؤشرات صراع كبيرة مع القاهرة في طريق السعودية، التي تملك علاقات مع روسية لا تخلو من «الطعن في الظهر»، وأيادي إرهابية مدمرة في سورية باتت بصماتها واضحة للعيان، والتي تمكنت كل من روسيا وإيران من رفعها مراراً، فقد كان التسليم المصري بتفاهمات مصلحية على أرضية مالية سعودية حاضراً في إبراز حجم السعودية كدولة إقليمية ذات نفوذ كبير في الملفات الساخنة، خصوصاً مع إيران التي تمتلك القاهرة والرياض هامشاً مشتركاً في عدائها لذلك اعتمدت السعودية هذه الواسطة بين تركيا ومصر والتي نفاها وزير الخارجية المصري «سامح شكري» قبل سفره إلى الرياض في 30 كانون الأول من العام الماضي بالتزامن مع وجود الرئيس التركي «أردوغان» في الرياض.
فالحاجة السعودية «للمثلث» السعودي ـ التركي ـ المصري لحصار إيران وحلفائها كان واضحاً منذ توقيع اتفاق حزيران النووي مع السداسية الدولية في العام الماضي، وما خاضته الرياض بتحالفها العدواني من حرب على اليمن، قدمت فيها القاهرة يد العون المعنوية في المعادلة الجديدة، والتي تعقيداتها لا يمكن تجاهلها في عمق الخلاف «المصري ـ التركي» بملف الإخوان والترجمة العملية له في الحرب على سورية والعلاقة مع روسية للخروج من الأزمات بقدر من المكاسب لحفظ ماء الوجه السعودي.
فالمسعى السعودي لا يُنجحه المال، حتى لو كان ضمن إطار صورة تذكارية ثلاثية مع القاهرة وأنقرة، وهو «نطح للجدار» بالرغم من التشجيع «الإسرائيلي» له، لأن الدور الروسي الذي أُعطي لمصر جعلها ترى نفسها ليست على ضفة الخاسرين، وهي تعرف أنها إذا التحقت بالثنائي «التركي ـ السعودي» ستكون كمن يعوم على خشبة في بحر الرمال، فالأتراك اللذين زعموا «فن العلاقات العامة أصبحوا بين ضفة الاستراتيجية «الروسية ـ الإيرانية» المهلكة، وبين التموضع على ما بقي من ضفة الحلول والتسويات التي يخسر فيها الأتراك ورقة «النصرة» و»داعش» تدريجياً، وعدم القدرة على تفخيخ الجغرافيا السورية الحدودية وخروج الدور العسكري التركي من سورية باليد الروسية رغم الدعم المالي السعودي.
لقد بات كل شيء يشارف نهايته ويتجه نحو خروج «تركي ـ سعودي ـ «إسرائيلي»» بيد الدولة السورية وحلفائها من المعادلات الإقليمية التي تقرأها القاهرة بدقة، وقابلة للاستثمار فيها إذا أدركت مكامن الخطأ وقدرة توسيع هامش النصر على العدو التركي في ملفات سورية، والتراجع «السعودي ـ التركي» في المنطقة بملفات الأمر الواقع، فهل تُحسِن القاهرة قراءة أوراق المناورة بأقل ثمن ممكن على طاولة قدرة مصر على المفاجآت ورسم الخرائط والمعادلات؟؟ أم أن السعودية التي تحاول فرض طاولاتها لوقائع جديدة ستغير هي المعادلات أيضاً بمغامرة غير معروفة؟؟! خصوصاً على أبواب جمر صعّدته الأزمة «السعودية ـ الإيرانية» التي لم يوضع لها جدول حلول بعد يحفظ الوضع الإقليمي من نار تدفع فيها «راعية التسوية» الحالية مع تركيا ومصر ثمن السقوط..!