معاناة اللاجئين نتيجة سياسة «أونروا»
عباس الجمعة
أمام ما يُعانيه اللاجئون الفلسطينيون من عذابات الحياة وقهر في مخيّمات لبنان، أتت تخفيضات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، على الصعيد الصحي، لتزيد حجم معاناة شعب يتطلع إلى عودته لدياره.
السؤال بشأن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» التي تأسّست بعد نكبة الشعب الفلسطيني وتهجيره عن أرضه، بموجب قرار من الأمم المتحدة في 8/12/1949 وبموجب قرار الجمعية العامة رقم 302 ، بعد أن كانت منظمة الصليب الأحمر الدولي هي التي ترعى اللاجئين منذ نكبة 1948، وحتى مباشرة «أونروا» عملها في نهاية العام 1949. من ذلك التاريخ، دأبت «أونروا» على تنفيذ برامج إغاثة شهرية للاجئين الفلسطينيين في المخيمات كافة، وكانت تعطي حصّة غذائية كاملة لكلّ لاجئ شهرياً، بالإضافة إلى برامج التعليم والصحة وبناء الوحدات السكنية، والتغذية المكمّلة المطاعم ، وأسست مراكز الشباب ومراكز النشاط النسوي والمعاهد التعليمية لأبناء اللاجئين، واستمرت في تقديم هذه البرامج حتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي. وبعد أن بدأ الوضع الاقتصادي للاجئين بالتحسّن نوعاً ما، بدأت بالتقليص التدريجي الممنهج لخدمات الإغاثة والخدمات التكميلية، فألغت توزيع القرطاسية في المدارس على الطلبة اللاجئين، وأوقفت برنامج التغذية المكمّلة، واقتصرت برامج الإغاثة على حالات العسر الشديد الشؤون الاجتماعية ورفعت مظلتها عن مراكز الشباب مع مطلع تسعينيات القرن الماضي ثمّ أتبعتها بمراكز النشاط النسوي ومراكز الخياطة، وحتى بداية القرن العشرين اقتصرت خدمات «أونروا» على الصحة والتعليم والإغاثة لحالات العسر الشديد، وتقليص الخدمات رافقه التوظيف بعقود مؤقتة.
بعد اتفاق «أوسلو»، بدأ التقليص يأخذ منحى جديداً أكثر تنظيماً وتعقيداً وغير لافت للانتباه على صعيد الخدمات المقدّمة للاجئين ومن جهة أخرى على العاملين. فعلى صعيد الخدمات أصبحت ميزانية البرامج الأساسية التعليم والصحة والشؤون تنتقل من الميزانية العامة إلى ميزانيات الطوارئ وما بقي على الميزانية العامة يتعلق معظمه 80 في المئة برواتب الموظفين، ومن هنا أصبحنا نلحظ متلازمة تقليص الخدمات للاجئين وللموظفين، كما ابتدعت الوكالة الأممية نظاماً جديداً للتوظيف عقود جديدة . وهي عقود مؤقتة بمدة أقصاها 4 سنوات، وهي عقود ظالمة ليس للموظف الذي يعمل بموجبها أتعاب نهاية خدمة ولا توفيرات، والخطورة في الموضوع أنّ «أونروا» شرعت بالتوظيف على هذا العقد لوظائف دائمة، فأصبحنا نرى أطباء ومهندسين وممرّضين وأخصائيّي علاج طبيعي وكتبة وباحثين اجتماعيين وسائقين إلخ… من كلّ البرامج باستثناء التعليم، يعملون بموجب هذه العقود، وبعد فترة أقدمت «أونروا» في شهر حزيران 2011 على تغيير اسمها على موقعها الرسمي، فبدلاً من «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى» أصبح «وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى»، بعد أن حذفت منه كلمتي الإغاثة والتشغيل. وبعد احتجاج رسمي وشعبي في الأقاليم المختلفة تراجعت «أونروا» عن قرارها بتغيير الاسم.
لكنّ الوكالة استمرت، على أرض الواقع، في سياسة تقليص الإغاثة والتشغيل وفق مخطط مدروس لتصفية «أونروا» كعنوان مهمّ لقضية اللاجئين قبل حلّ تلك القضية وفق القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة والقاضي بالعودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين.
وفي ظلّ هذه الأوضاع استمرت هذه السياسة التي تنذر بكارثة حقيقية على اللاجئين الفلسطينيين، ولم نرَ أيّ تحرك فلسطيني رسمي يُلزم وكالة الغوث بالتحرك سريعاً لإنقاذ الوضع الإنساني داخل المخيمات ووقف الإجراءات، وخاصة على المستوى الصحي، علماً أنّ وكالة الغوث تعيش مرحلة من الفساد الذي بدأ يطفو إلى السطح، فبدلاً من مساعدة اللاجئين على الصمود، والتمسك بحقّ العودة إلى ديارهم التي أُخرجوا منها والتعويض العادل لهم، تريد من الفلسطيني أن يعيش مرارة عذابات اللجوء والشتات من خلال فصول جديدة من الإهمال المتعمّد من «أونروا» والمجتمع الدولي وغيرها من المرجعيات في تأمين تكاليف الطبابة والاستشفاء أو الموت على أبواب المستشفيات تحت حجة الأزمة المالية التي أعلنت عنها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين.
أمام ما يتعرّض له اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات لبنان، نجد أنّ هناك محاولات تجري من دول عربية وأوروبية تسعى إلى توطين اللاجئين في أماكن تواجدهم الحالية أو تهجير الجزء الأكبر منهم، تحت يافطة عقد مؤتمر دولي لإنهاء الصراع مع العدو الصهيوني، في ظلّ الوضع الإقليمي البائس الذي تعيشه الشعوب العربية بشكل عام، والشعب الفلسطيني بشكل خاص، من انقسام وتشرذم وتفتُّت، وقد انعكست أحداث الإقليم واهتزازاته بشكل مباشر على الصراع العربي الصهيوني، لا سيما قضية اللاجئين الفلسطينيين.
منذ بداية الصراع العربي الصهيوني عموماً، ومنذ تاريخ نكبة الشعب الفلسطيني وإقامة دولة الاحتلال على الأرض الفلسطينية التاريخية، لم تتوقف المُخطّطات الساعية إلى استئصال وشطب قضية اللاجئين الفلسطينيين أبداً، عبر التعاون المتواصل بين القوى الاستعمارية والإمبريالية والحركة الصهيونية والقوى العربية الرجعية، حيث تلعبُ الإدارة الأميركية الدور البارز فيه، عبر العديد من المشاريع الهادفة إلى تهجير اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم، وتصفية الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.
أمام كلّ ذلك، على «منظمة التحرير الفلسطينية» اليوم أن تقوم بدورها في متابعة قضايا وحقوق اللاجئين في لبنان والضغط على وكالة «أونروا» من خلال التحرُّك على المستويات الدولية، وضرورة الاهتمام بمستشفيات ومراكز الهلال الأحمر الفلسطيني في لبنان من حيث التجهيزات وتوفير الأطباء والأدوية والتقنيات الحديثة، في كلّ مخيمات الشعب الفلسطيني.
لذلك لا بدّ من استنفار الاتجاهات كلّها، عبر حملة شعبية، عارمة من أجل وحدة قضية اللاجئين في إطار وحدة الأرض والشعب، والتركيز على التمسُّك بوكالة «أونروا» والعمل من أجل استمرار خدماتها، باعتبارها الشاهد العيان على نكبة فلسطين، وبما تمثله من شاهد دائم على الجريمة الصهيونية المقترفة في حقّ شعبنا، وما تجسّده من التزام سياسي وأخلاقي من قبل المجتمع الدولي بمسؤوليته وتطوير التفويض الممنوح من الجمعية العامة للأمم المتحدة لوكالة الغوث الخدماتي والإنساني، وإفشال كلّ المحاولات الدولية الجارية وحلّ قضية العجز في الميزانية، وهنا من الضروري أن تكون التحرُّكات والاعتصامات الشعبية حضارية، وتجنّب أيّ إشكال مع أطباء وموظفي «أونروا» لأنهم لا يتحمّلون مسؤولية القرارات التي تصدر من المدير العام ومكتب الرئاسة.
ختاماً، لا بدّ من القول إنّ على المجتمع الدولي أن يتحمّل مسؤوليته من خلال توفير موازنة وكالة «أونروا» من خلال توفير الدعم والمساعدات المالية من قبل بعض الدول المانحة، إن كان على مستوى برنامج التعليم أو البرنامج الصحي من خلال توفير خدمات صحية وعلاجية للاجئين، حتى يتمكن الشعب الفلسطيني من تحقيق أهدافه في الحرية وتقرير المصير والعودة. ففلسطين ليست يهودية، ولن تكون إلا وطناً حراً مستقلاً، في مجتمع عربي حرّ وديمقراطي، ومن دون ذلك النهوض سيبقى الخيار المحتوم هو بين النكبة والاستسلام.
كاتب سياسي