جعجع يعلن رئيس «التغيير والإصلاح» مرشّحه للرئاسة من أجل «وضع أكثر أماناً واستقراراً» عون شاكراً: سأكون غطاءً لجميع اللبنانيين ولم ولن نتعامل بكيديّة

في خطوة كانت مرتقبة، أعلن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تبنّي ترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية «بعد طول دراسة وتفكير ومناقشات ومداولات في الهيئة التنفيذية للقوات» ، آملاً «الخروج ممّا نحن فيه إلى وضعٍ أكثر أماناً واستقراراً وحياةً طبيعيةً». وأشار إلى تمسّك الجانبين بورقة إعلان النيّات بين «القوات» و«التيار الوطني الحر» التي صدرت في حزيران الماضي.

من جهته، شكر عون لجعجع و«القوات» هذا الموقف آملاً «أن تتمّ عملية انتخاب رئيس الجمهورية بخير في المستقبل القريب»، واعداً «أن نكون غطاءً لجميع اللبنانيين باعتبار أنّنا لم ولن نتعامل بكيدية مع أحد حتى في صلب مرحلة الخصومة».

وقائع المؤتمر

جاء ذلك في مؤتمر صحافي مشترك لعون وجعجع في معراب بحضور وزير الخارجية جبران باسيل، والنوّاب: ستريدا جعجع، جورج عدوان، إبراهيم كنعان، طوني بو خاطر، إيلي كيروز، شانت جنجنيان، أنطوان زهرا، جوزف معلوف، فادي كرم، الوزراء السابقون: جو سركيس، طوني كرم، إبراهيم نجار وسليم وردة، والهيئة العامة لحزب القوات.

وتلا جعجع بياناً، استهله بالقول: «طال الشغور في سدّة رئاسة الجمهورية، واستحكم الفراغ، فضرب شلل شبه تام المؤسسات الدستورية كافة، ومسّت ارتداداته السيادة الوطنية وهدّدت وجود الدولة بالذات، في وقت تعيش المنطقة أكثر أيامها سوءاً وتفجّراً وتعقيداً، فبتنا نعيش وضعاً أمنياً هشّاً في لبنان، وأزمة لاجئين خانقة، ووضعاً اقتصادياً متدهوراً وضياعاً شاملاً على المستويات كافة».

وأضاف: «لقد كنّا، ومنذ اللحظة الأولى، من الحريصين على إتمام الاستحقاق الرئاسي في مواعيده الدستورية، وشاركنا بحضور جلسات الانتخاب كافة، وعلى الرغم من كل هذه المحاولات لم نفلح بإنهاء حال الفراغ القائمة والمستمرة حتى إشعار آخر مع ما يعنيه هذا الفراغ من آثار وتداعيات على مستقبل الوطن برمّته. لقد بتنا على قاب قوسين أو أدنى من الهاوية، فصار لا بدّ من عملية إنقاذ، عملية إنقاذ غير اعتيادية، حيث لا يجرؤ الآخرون، ومهما كان ثمنها، نضع فيها كل إقدامنا وجرأتنا ونكراننا للذات».

وأعلن «بعد طول دراسة وتفكير ومناقشات ومداولات في الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية، تبنّي القوات اللبنانية لترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، في خطوة تحمل الأمل بالخروج ممّا نحن فيه إلى وضعٍ أكثر أماناً واستقراراً وحياةً طبيعيةً». وأوضح أنّ «ما عزّز اقتناعنا بهذه الخطوة، هو التطور الإيجابي في العلاقة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، ولا سيّما من خلال ورقة إعلان النوايا التي وُقّعت في حزيران من العام 2015 وما تضمّنته مقدّمة الورقة من حرص على تنقية الذاكرة والتطلّع نحو مستقبل يسوده التعاون السياسي أو التنافس الشريف، وما تضمّنته الورقة ككل من مجموعة نقاط رئيسية أتوقف عند أبرزها:

أولاً: تأكيد الإيمان بلبنان وطناً نهائياً سيداً حراً وبالعيش المشترك وبالمبادىء التأسيسية الواردة في مقدمة الدستور.

ثانياً: الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني التي أُقرّت في الطائف، واحترام أحكام الدستور من دون انتقائية وبعيداً من الاعتبارات السياسية والتفسيرات الخاطئة.

ثالثاً: اعتماد المبادئ السيادية في مقاربة المواضيع المرتبطة بالقضايا الإقليمية والدولية.

رابعاً: تعزيز مؤسسات الدولة وثقافة الاحتكام إلى القانون، وعدم اللجوء إلى السلاح والعنف أيّاً كانت الهواجس والاحتقانات.

خامساً: دعم الجيش معنوياً ومادياً، وتمكينه وسائر القوى الأمنية الشرعية من التعامل مع مختلف الحالات الأمنية على الأراضي اللبنانية كافة بهدف بسط سلطة الدولة وحدها على كامل الأراضي اللبنانية.

سادساً: ضرورة التزام سياسة خارجية مستقلة بما يضمن مصلحة لبنان ويحترم القانون الدولي، وذلك بنسج علاقات تعاون وصداقة مع جميع الدول، ولا سيّما العربية منها، ما يحصّن الوضع الداخلي اللبناني سياسياً وأمنياً، ويساعد على استقرار الأوضاع، وكذلك اعتبار «إسرائيل» دولة عدوّة، والتمسّك بحق الفلسطينيين بالعودة إلى أرضهم ورفض التوطين واعتماد حل الدولتين ومبادرة بيروت 2002.

سابعاً: ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانية السورية في الاتجاهين، وعدم السماح باستعمال لبنان مقرّاً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلحين.

ثامناً: احترام قرارات الشرعية الدولية كافة، والالتزام بمواثيق الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.

تاسعاً: العمل على تنفيذ القرارات التي تمّ التوافق عليها في طاولة الحوار الوطني.

عاشراً: ضرورة إقرار قانون جديد للانتخابات يراعي المناصفة الفعلية وصحّة التمثيل، بما يحفظ قواعد العيش المشترك ويشكّل المدخل الأساسي لإعادة التوازن إلى مؤسسات الدولة».

وتابع جعجع: «بناءً على ما تقدم من نقاط تشكّل نواة مهمة لبرنامج رئاسي، وانطلاقاً من هذا الإطار السياسي الواضح الذي دفعنا إلى تبنّي هذا الترشيح، أدعو القوى الحليفة في 14 آذار وثورة الأرز، إلى تبنّي ترشيح العماد عون، ولا سيّما أنّ الإطار المذكور يترجم في نواح عدّة عناوين مهمّة من مشروع 14 آذار ويتلاءم معها على خلفية الواقعية السياسية واعتماد أفضل الخيارات المتاحة».

كما دعا «جميع الفرقاء والأحزاب والشخصيات المستقلة إلى الالتفاف حول ترشيح العماد عون، علّنا نخرج من حالة العداء والاحتقان والانقسام التي نحن فيها إلى حالة أكثر وفاقاً وتعاوناً عنوانها الوحيد المصلحة اللبنانية العليا ولا شيء سواها، ولا سيّما أنّ الإطار السياسي لهذا الترشيح يشكّل نقطة التقاء بين فريقنا الذي يمثّل رأس حربة في 14 آذار، وبين التيار الوطني الحر كفريق متحالف مع 8 آذار، ما يُتيح للفرقاء الآخرين الالتقاء على ما التقينا عليه نحن صراحة وعلناً».

وختم جعجع: «نحن كقوات لبنانية، في هذه المرحلة كما في كل مراحل حياتنا السياسية، لا نتصرّف بردود فعل، بل انطلاقاً من المبادىء … نتطلّع لقيام دولة فعلية في لبنان، دولة الحق والقانون، دولة العدالة ومحاربة الفساد، جمهورية قوية على قدر تطلّعاتنا وأحلامنا جميعاً».

ثم ألقى العماد عون كلمة قال فيها: «بدايةً أودّ أن أشكر القوات اللبنانية التي اتّخذت قرار دعمي في الانتخابات الرئاسية بتوجيه من رئيسها الدكتور سمير جعجع».

وأضاف: «كل ما أتى على ذكره رئيس القوات لا شكّ أنّه في ضميرنا وكتابنا، ولن ننسى ما قاتلنا من أجله في سبيل سيادة واستمرار ودوام هذا الوطن في التاريخ. سنسعى لجعل وطننا وطناً نموذجياً لأولادنا وأحفادنا إذ يجب الخروج من الماضي لبناء المستقبل ولكن دون أن ننساه كي لا نكرّره».

وإذ أكّد «أنّ الورقة السوداء انتهى دورها ويجب حرقها ولنضع كل ذلك في ذاكرتنا فقط»، أمل عون «أن تتمّ عملية انتخاب رئيس الجمهورية بخير في المستقبل القريب، ونحن نعد أن نكون غطاءً لجميع اللبنانيين باعتبار أنّنا لم ولن نتعامل بكيدية مع أحد حتى في صلب مرحلة الخصومة».

وشدّد عون على أنّ «الجميع لهم موقعهم في هذا الوطن»، متمنّياً أن نشهد الإجماع ولو لمرة واحدة لأنّنا نريد بالفعل صون الجميع مسلمين ومسيحيين على حدٍّ سواء، ونحن لطالما دافعنا دائماً وأبداً عن العيش المشترك». وأردف: «لم نفكر يوماً بالتمييز، ولا سيّما حين كنتُ قائداً للجيش واستُشهد معي المسيحي والمسلم معاً، وفي هذا اليوم التاريخي أقول: يجب أن نتمكّن بتضامننا أن نحقّق، سواء ما قاله الدكتور جعجع في كلمته، أو ما قلته أنا».

وفي ختام المؤتمر الصحافي رفع عون وجعجع نخب ترشيح «القوات» لعون إلى رئاسة الجمهورية، وقطع الجميع قالباً من الحلوى أُعدّ للمناسبة.

ثم زار عون يرافقه باسيل، جامعة الروح القدس – الكسليك، وعقد اجتماعاً مع رئيس الرهبانية اللبنانية المارونية الأباتي طنوس نعمة، بحضور رئيس الجامعة الأب هادي محفوظ.

بكركي

وكان سبق المؤتمر الصحافي في معراب لقاء موسع في معراب، بين عون وجعجع بحضور باسيل وكنعان وستريدا جعجع وعدوان، ومسؤولين من القوات والتيار.

وقبل ذلك زار عون البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في بكركي بعد زيارتين لباسيل ورياشي إلى الصرح البطريركي.

وقال عون لدى وصوله بكركي في دردشة مع الإعلاميين: «جئنا لنبلغ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الوفاق». ومن جهته، ردّ البطريرك الراعي فقال: «جميع الناس ينتظرون هذا الوفاق والحلحلة».

وبعد خلوة بين الجانبين، قال عون: «عادة، نأتي إلى بكركي لكي نطرح المشاكل أو الأخبار، وهي تكون في غالبيتها مقلقة، وخصوصاً في المرحلة التي مرّت، ولكن هذه المرة حملنا خبراً سارّاً لبكركي ولغبطة البطريرك ولكل اللبنانيين، ونأمل أن نكون قد بدأنا بالحل الأساسي للعقد التي كانت عاصية على الحل، فتمنّوا لنا الخير، ونحن بدورنا نتمنى لكم الخير».

إلى ذلك، توجّهت النائبة جعجع إلى كل اللبنانيين ألّا يعتبروا هذا الحدث هو ضدّ أي فئة، داعية حزب الله إلى ملاقاتهم «تحت هذه المظلّة من أجل مصلحة لبنان».

بدوره اعتبر رياشي أنّ «احترام الديمقراطية يحفّز الآخرين على إبداء رأيهم»، مؤكّداً أنّ «التواصل قائم ومستمر بين «القوات» وتيار «المستقبل» وعلى أحسن ما يكون»، مشيراً إلى أنّ «هناك خلافاً بالموضوع الرئاسي، ولكن هذا الأمر لا يُفسد بالود قضية».

مواقف من خطوة معراب

قبل وبعد تبنّي رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ترشيح رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية صدرت مواقف سياسية من هذا التوجّه.

وفي السياق، أشار رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة بعد لقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي في بكركي، قبل ساعات من المؤتمر الصحافي في معراب، إلى أنّ انتخاب رئيس الجمهورية «ليس شأناً مسيحياً فقط، بل شأن لبناني بامتياز، وجميع اللبنانيين معنيّون بانتخاب الرئيس، لأنّ الرئيس هو رمز وحدة الوطن، ولأنّ الرئيس يجب أن يكون مقبولاً من جميع اللبنانيين ويكون رمز اتّفاقهم وليس رمز خلافهم، ويجب أن يكون هناك جهد لإيجاد رئيس يجمع اللبنانيين بكافة شرائحهم السياسية».

واعتبر أنّ «هذا الموضوع بحاجة إلى مزيد من التشاور الداخلي، والتنبّه إلى عدم التسرع لعدم إطلاق مواقف لا نستطيع التراجع عنها بعد ذلك».

وردّاً على سؤال حول اتّفاق «القوات» و«التيار الوطني الحر» على ترشيح العماد عون، أعلن السنيورة أنّه لا يُريد التسرّع، ودعا «للانتظار لنرى ماذا سيحصل، وإن حصل نبنّي على الشيء مقتضاه».

وأوضح أنّ «هناك تواصلاً تمّ بين رئيس تيار المستقبل سعد الحريري والنائب سليمان فرنجية، وتمّ الحديث عن مبادرة، ولكن حتى الساعة لم تتمّ المبادرة، ونظرياً حتى الساعة هناك مرشّحان للرئاسة هما العماد عون ورئيس القوات سمير جعجع».

من جهته علّق رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط على ترشيح جعجع لعون، قائلاً إنّ مجلس قيادة الحزب و«اللقاء الديموقراطي» سيجتمعان لاتخاذ القرار المناسب.

وفي الموازة، غرّد وزير البيئة محمد المشنوق على خطوة جعجع فقال: «بعد ترشيح الحريري لفرنجية وجعجع لعون لرئاسة الجمهورية بدأت حرب الإلغاء بينهما، ونأمل ألّا تؤدّي إلى إلغاء الأمل بانتخاب رئيس في المدى المنظور».

من جهته، لفتَ أمين سرّ تكتّل التغيير والإصلاح النائب إبراهيم كنعان، إلى أنّ «الأهم من رئاسة الجمهورية هو الوحدة المسيحية التي تمهّد للوحدة الوطنية»، مؤكّداً أنّ لقاء عون جعجع «غير موجّه ضدّ أحد».

أما عضو كتلة «المستقبل» النائب محمد كبارة، فاعتبر أنّ «الرئاسة شأن لبناني، وكل مواطن لبناني معني بها وهي ليست ملكاً لطائفة ولا حكراً عليها»، موضحاً أنّ الحريري عندما وافق على ترشيح فرنجية للرئاسة كأحد الأربعة الكبار «جعل بعض الفئات السياسية تتخطّى ما كان بينها وتذهب مرة أخرى إلى استنفار طائفي، لن يفيد إطلاقاً في الشراكة اللبنانية».

وأكّد كبارة في تصريح، أنّ «الشراكة ليست عبارة عن ليّ ذراع وهي ليست فرضاً، خصوصاً أنّنا ما نسمعه من التيارين السياسيين، يطلب من الآخرين الرّضوخ والقبول من دون مناقشة ومن دون تبصّر، وهذا كلام مبدئي سيكون له ما بعده»، متسائلاً: «هل أصبحت معراب الممرّ الإلزامي للرئاسة؟ سؤال برسم «حزب الله» تحديداً».

من جهته، رحّب رئيس المجلس العام الماروني وديع الخازن بلقاء عون وجعجع في معراب، آملاً أن «ينسحب هذا اللقاء على باقي الأفرقاء المسحيين، لأنّنا اليوم بحاجة ماسّة إلى المحبة والتلاقي وإنهاء الشّغور في موقع رئاسة الجمهورية».

وفي حديث تلفزيوني، رأى الخازن أنّ «هذا اللقاء هو بداية لحلحلة كل الأمور المعقدة، ويجب أن يُستثمر بشكل إيجابي إن كان على الصعيد المسيحيي أو اللبناني».

بدوره رأى رئيس حزب «التوحيد العربي» الوزير السابق وئام وهاب في تصريح على مواقع التواصل الاجتماعي، أنّ جعجع «تصرّف بشجاعة» في ترشيح عون، مشيراً إلى أنّه «على الجميع أن يعلم بأنّ مرحلة تقاسم المسيحيين وحقوقهم قد انتهت».

ورأى المدير العام السابق للأمن العام اللواء الركن جميل السيد، أنّ «ما نشهده اليوم هو نتيجة الترشيح الذي أقدم عليه رئيس تيار المسقبل سعد الحريري لرئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية»، لافتاً إلى أنّ «هذا التجميع المسيحي هو من قبيل ردّ فعل من قِبل جعجع لمواجهة ترشيح فرنجية».

وتساءل السيد، في حديث تلفزيوني، «ما هي الترجمة العملية لهذا الموضوع وهذا الترشيح»، معتبراً أنّه «إذا أدّى هذا الترشيح إلى التوجّه إلى مجلس النوّاب، فسنشهد مرشّحين هما فرنجية وعون».

واعتبر السيد، أنّه «ممكن أن يكون هذا الترشيح هو شيك بلا رصيد»، مؤكّداً أنّ «الخاسر هو تيار المستقبل بخروج حليف أساسي منه باتجاه دعم ترشيح مرشّح لحزب الله، والرابح الفوري هو حزب الله».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى