تقرير
تطرّقت صحيفة «روسيسكايا غازيتا» الروسية إلى مسألة استمرار تدفّق اللاجئين إلى أوروبا، مشيرة إلى أن النمسا أعلنت انسحابها من منطقة شنغن وفرض رقابة مشدّدة على المنافذ الحدودية.
وجاء في المقال: أعلن مستشار النمسا فيرنر فايمن انسحاب بلاده من منطقة شنغن، وقال: «كما ألمانيا، سوف نشدّد السيطرة على حدودنا ونرحّل اللاجئين الذين لا يملكون الحق في اللجوء». وأضاف: «هذه الإجراءات هي عملياً ردّ النمسا على عمليات الترحيل التي يقوم بها حرس الحدود الألمان، إذ إنهم يرحّلون باتجاه النمسا 200 لاجئ يومياً لا يملكون الحق، بحسب رأي برلين، في الإقامة في أراضي الاتحاد الأوروبي. لذلك قرّرت النمسا ترحيلهم إلى البلدان التي قدموا منها».
لم تُصَغ في أوروبا قائمة موحّدة بأسماء الدول التي يحق لمواطنيها اللجوء إلى أوروبا والإقامة فيها. أي ليس واضحاً مثلاً مصير مواطني دول في شمال أفريقيا مثل الجزائر والمغرب. ومع ذلك تؤكد منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان ان لمواطني هذه الدول الحق في اللجوء إلى أوروبا والإقامة فيها.
ويستمر تدفّق اللاجئين إلى أوروبا رغم الإجراءات التي يتخذها الاتحاد الأوروبي للحدّ من تدفقهم. إضافة إلى هذا تستخدم منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان كل ما في وسعها لعرقلة تنفيذ قرارات الاتحاد الأوروبي في شأن السيطرة على تدفق اللاجئين.
فهل ستتمكن سويسرا من حماية نفسها من تدفق اللاجئين، بعدما سلكت سلوك الدنمارك التي راحت تصادر كل ما يملكه اللاجئ من ذهب وأموال وأجهزة لتغطية تكاليف إقامته فيها، ثم تراجعت عن هذا الإجراء تحت ضغط لجنة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان؟
المسألة الأخرى أن عدد اللاجئين الذين تدفقوا إلى أوروبا يتراوح ضمن حدود 1.5 ومليونَي شخص، وسيجب على أوروبا أن تساعد هؤلاء في سحب أسرهم وأقربائهم الذين يشكّلون 8 إلى 10 ملايين شخص.
يبدو ان أوروبا بدأت تتخذ مثل هذه الإجراءات. فقد اقترح وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبل زيادة الضريبة المفروضة على البنزين في كافة الدول الأوروبية، بما يسمح بتمويل الإجراءات المتخذة للحد من تدفق اللاجئين. هذه المبالغ بحسب رأيه تخصّص لإعادة الرقابة والسيطرة على المعابر الحدودية الخارجية للاتحاد الأوروبي.
وزيادة على هذا، أعلن الوزير الألماني استعداده لفرض هذه الضريبة حتى إذا لم يوافق الجميع على مقترحه. وهذا سيحصل حتماً، لأن غالبية دول الاتحاد لا تتفق مع سياسة «الأبواب المفتوحة» التي تنتهجها المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل.
لماذا يهربون إلى أوروبا؟ لا جواب معقولاً على هذا السؤال. بل على العكس، يبدو للوهلة الأولى ان سلوك المهاجرين غير منطقي، فهم يتوجهون إلى أوروبا على رغم أنّ القيم والتقاليد والثقافة واللغة غريبة عليهم، بينما هناك عدد من الدول الإسلامية التي لن يواجهوا فيها مثل هذه الاختلافات. ولكن لماذا لا يفتح ملوك الخليج أبوابهم لاستقبال اللاجئين من سورية وأفغانستان؟ من السذاجة التفكير في أن اللاجئين يسعون إلى أوروبا طلباً للديمقراطية. فالحقيقة هي أن دول الخليج اتخذت إجراءات وسنّت قوانين مشدّدة في شأن الهجرة، ما تسبب في تدفق اللاجئين إلى أوروبا.
كما أنّ عصابات التهريب التي تربح مبالغ طائلة من عمليات تهريب اللاجئين توجّههم بدورها نحو أوروبا. فوفق تقويم وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تصل أرباح هذه العصابات إلى ما بين 3 و6 مليارات دولار سنوياً.
هنا تجدر الاشارة إلى أن دول الخليج العربية الغنية لم تقترح على الاتحاد الأوروبي حتى تقديم مساعدات مالية لتغطية إقامة اللاجئين. بل على العكس من هذا، وافق الاتحاد الأوروبي على دفع ثلاثة مليارات يورو إلى تركيا لكي تقلص فقط من عدد اللاجئين المتوجّهين إلى أوروبا. ولكن عملياً لم تتخذ تركيا أي إجراء في هذا الشأن.
هل المسألة متعلقة بالمال فقط؟ كتبت صحيفة «Le Temps» السويسرية تقول: «يبدو أنّ السلطات، بهدف مواجهة العمليات الإرهابية وغيرها من الاضطرابات التي تحصل في أوروبا، تسعى بالدرجة الأولى إلى عدم توجيه أصابع الاتهام إلى كافة الأجانب بسبب السلوك الاجرامي لعدد منهم».
إذا افترضنا أنّ وضع اللاجئين أصبح جزءاً من خطة مدروسة جيداً وعملية جيوسياسية ناجحة، فإنها ستكون من دون شك موجهة نحو تدمير القيم والتقاليد الأوروبية. ومهما أنفقت البلدان الأوروبية من المليارات على سكن اللاجئين وإقامتهم، فهذا لن يغيّر شيئاً من أفكارهم.
هل سيتمكّن الفلاح الأفغاني أو السوري الذي تربّى على الإسلام المحافظ من أن يتسامح مع القيم والتقاليد السارية في أوروبا؟ وهل سيوافق على أن تطبّق في حقّه وأفراد أسرته القوانين الخاصة في شأن تربية الأطفال؟ وهل سيسمح لنفسه وأفراد عائلته بارتداء الملابس على الطراز الأوروبي؟ الجواب على هذه الأسئلة وغيرها واضح جدّاً، إذ يكفي أن نتذكر ما حدث في كولن كولونيا ليلة رأس السنة.
لماذا التعتيم على هذه المشكلة يشكل خطورة؟ بحسب رأي مدير «مركز أوكسفورد لدراسة أوضاع اللاجئين»، آلِكسندر بيتس: إذا لم يقدّم زعماء أوروبا حججاً واضحة تصبّ في مصلحة اللجوء، وتفنّد المخاوف في مجال الأمن واختلاف الدين، فإن دعم المجتمع للمهاجرين ربما يتوقف.
يبدو أنه ليس لدى زعماء أوروبا أي حجج باستثناء الكليشيات الدعائية والشعارات التي يتمسكون بها إلى الآن ومنع الشعارات القومية والسكوت على الجرائم التي يقترفها اللاجئون.