كيف «تحدّى» جعجع الفيتو السعودي؟

روزانا رمّال

في لحظة إقليمية دقيقة، يقع لبنان تحت تأثير تلقف الرسائل الملقاة في ساحته رئاسياً، والتي تبدو الأكثر إغراءً على مسامع اللبنانيين، وذلك في كلّ لحظة تتقدّم نحوهم المزيد من المبادرات و«الأفكار» من أجل حلّ الأزمة بشكل عام.

خطت إيران في الأيام الماضية خطوة كبرى نحو المجتمع الدولي بالإعلان عن بدء تنفيذ مقرّرات الاتفاق مع الغرب على برنامجها النووي، ما يعني أنّ انعكاساته ستتوالى على مجمل الملفات المرتبطة باستراتيجية طهران وأولوياتها في المنطقة، لا سيما مع أبرز حلفائها المتمثل بحزب الله، حيث يُعدّ لبنان، وملفه الرئاسي طبعاً، أحد أكثر المتأثرين بهذه المحطة الجديدة.

وعلى أنّ الترشيحات المقدّمة للبنانيين منذ ما قبل الإعلان عن مرحلة البدء بتنفيذ مقررات بيان الاتفاق تصبّ في مصلحة انتخاب رئيس من فريق 8 آذار، فإنّ الحديث عن تزخيم هذا الخيار بعد تثبيت الاتفاق يصبح أكثر واقعية. من هنا، فإنّ طرح ورقتي ترشيح الحريري رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع للعماد عون، يأتي ليصبّ في الخانة نفسها بالحساب الرئاسي الشكلي.

ضمن أجواء منتظرة، أعلن جعجع دعم حزبه لترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، مع التركيز على الحفاظ على الثوابت اللبنانية والمسيحية، وأبرزها التركيز على ضرورة الاتفاق على قانون للانتخاب، وهو جزء رئيسي من المعضلة التي افتقدت المبادرات الأخرى الإعلان عنها، ما يعني حكماً قطع الطريق على «أفكار» الحريري في ترشيح فرنجية للرئاسة، وذلك لأسباب عدة أولها أنّ المبادرة الوحيدة الرسمية المطروحة بين أيدي اللبنانيين أصبحت مبادرة ترشيح جعجع لعون، وثانيها أنّ قوة تمثيل العماد عون وحجم شعبيته مسيحياً أكبر من تمثيل فرنجية، وثالثها أنّ ترشيح جعجع لعون يأتي على لسان زعيم حزب مسيحي واسع التمثيل، وانبثق عن صيغة وحدة أكبر الأحزاب المسيحية في البلاد بعد طول غياب بأمل حرق الورقة السوداء التي جسّدت مراحل الماضي برمّتها.

التساؤلات التي تأخذ حيّزاً أساسياً منذ إعلان جعجع عن قراره بالترشيح تخطّت الكيدية التي حُكي عنها، بمعنى آخر «أنّ مبادرة جعجع نحو عون ليست رداً على مبادرة الحريري نحو فرنجية»، لأنّ جعجع غير قادر على تحمّل مسؤولية شرخ كبير في فريق 14 آذار أولاً، والأهمّ أنّ جعجع غير قادر على تخطي «فيتو» سعودي رفع سابقاً على العماد عون، هذا ما لم يعرف بطبيعة العلاقة بين السعودية عندما تمّ ترشيح عون من قبل الحريري في وقت سابق، وجعجع يدرك هذا الأمر ومعه اللبنانيون، وعلى هذا الأساس فإنّ فرضيات عديدة تتوجه للإجابة عن موقف السعودية وحضورها في ما جرى وأسباب قوة جعجع المستجدّة بخرق المشهد عمودياً.

الأكيد أنّ المملكة السعودية تغيب عن المبادرة بشكل تامّ، ويؤكد غيابها اعتبار تبنّي الحريري للنائب فرنجية مرشحاً أول ضمن موافقة سعودية لا يخرج عنها ممثلها في لبنان وهو تيار المستقبل ورئيسه، من هنا فإنّ جعجع يتحدّث بشكل أو بآخر بترشيحه لعون عن تنفيذه لرغبات أخرى غير السعودية، وهي بديهياً الرغبة الأميركية، وهنا ينحدر التفصيل ليشمل فرضيتين:

أولاً: أن تكون مبادرة جعجع اليوم قد أتت ضمن سيناريو تعرية حزب الله وكشفه أمام حلفائه أميركياً باعتبار أنّ ترشيح الجنرال عون يشكل إحراجاً كبيراً للحزب الذي ستصبح الكرة في ملعبه من زاوية مسؤوليته عن تأمين نصاب كافٍ لانعقاد الهيئة العامة في مجلس النواب، وبالتالي توفير الأصوات التي توصل عون إلى الرئاسة. وفي هذا الإطار تسود أجواء في البلاد، خصوصاً عند خصوم حزب الله بأنّ حلفاء عون أنفسهم لا يريدون له أن يصل لسدة الرئاسة، وأنّ أول المعترضين سيكون الرئيس نبيه بري والذي لن يجيّر أصوات كتلته لمصلحة عون، وبالتالي يظهر حزب الله كالعاجز عن إيصال عون للرئاسة، وإنّ إشاعة فكرة أنّ حسم الملف الرئاسي بيد حزب الله أمر غير صحيح، ما قد يشكل خطراً على التفاهم بين عون وحزب الله محققاً أهدافاً عديدة تصبّ في خانة أميركا وحلفائها في المنطقة، بالأخصّ «إسرائيل» خدمة لعزل حزب الله داخلياً.

ثانياً: أن يكون الذي جرى هو أول مفاعيل بدء تنفيذ الاتفاق النووي بين إيران والغرب، وفي مقدّمه الولايات المتحدة، وهو الاتفاق الذي أرخى بظلاله على الملف الرئاسي اللبناني، وهو نابع من أجواء تقارب إيراني – أميركي تتحدّث عنه مصادر مسيحية رفيعة المستوى وترجّحها ويتضمّن ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، فيكون لإعلان الترشيح عبر جعجع وقعاً أخفّ ثقلاً على مسامع خصوم حزب الله، بعدما تجلّت بأبهى صور الوحدة المسيحية، وهنا فإنّ جعجع يأخذ على عاتقه تنفيذ هذا المخطط الذي يخرجه من الاصطفاف إلى جانب الخيار السعودي بقوة الأجندة الأميركية التي تأخذ بعين الاعتبار المرحلة الجديدة التي دخلتها مع إيران وتضمّنت بسرعة اتفاقات اقتصادية وإفراج عن رهائن وبتّ في ملفات بقيت عالقة لأكثر من عشر سنوات مع إقرار الرئيس الأميركي بأنّ القطيعة بين البلدين أضرّت بمصالحهما.

سياسياً، لا مكان للأعاجيب، ولا مكان أيضاً للتضحيات أو الكيديات في توقيت دقيق يسبق طاولات المفاوضات والتسويات الإقليمية، وفي هذا الإطار تعتبر الانفراجات الأميركية ــــ الإيرانية المنتجة مؤشراً صارخاً على تحوّل مقبل وترشيح جعجع للعماد عون أو تكريس رئيس من فريق الثامن من آذار يترجم هذه المرحلة بشكل أدقّ، «هكذا يتحدّى جعجع الفيتو السعودي».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى