مجزرة البغيلية… «شريعة» مالتوس ونسل إبادة الهنود الحمر
معن حميّة
البغيلية ليست مضايا. بل هي قرية في ريف دير الزور، باغتها «داعش» ونفّذ مجزرة وحشية بحق أطفالها ونسائها وشيوخها، حصدت ما يربو على 300 ضحية، والعدد قابل للارتفاع، لأنّ هناك نحو 400 مختطف لدى تنظيم «داعش» الإرهابي.
بين البغيلية ومضايا فرقٌ وفروقات. فالقرية الديرية نسبة إلى دير الزور ، استعصت على الإرهاب ولم تلتحق بركبه، في حين أنّ مضايا شرّعت أبوابها للإرهاب، وصارت جزءاً من منظومته وآليته رغماً عن إرادة بعض أهلها.
ضحايا مجزرة البغيلية، ليسوا كـ»جائعي» مضايا الافتراضيّين، فضحايا المجزرة الذين رُميت جثثهم في نهر الفرات، أخرجوا بفعل القتل والسحل من قائمة أصحاب الحاجة إلى المساعدات الإنسانية، ما يجعل هذه «المساعدات الإنسانية» محصورة ببلدة مضايا وشبيهاتها، حيث تُنسَج حولها قصص الجوع، بما يحقق تنفيذاً دقيقاً لـ«برنامج الدعم الدولي الإنساني المخصّص للإرهاب».
«العالم الإنساني» أعياه «جوع» الإرهاب، فذرف دموع التماسيح، متباكياً على «جائعي» مضايا. لكنه لن يكترث لمجزرة البغيلية وضحاياها، ولن يجد وقتاً كافياً لمشاهدة الصور المرعبة والمؤلمة لتلك المجزرة الوحشية.
البغيلية لا تشبه مضايا بشيء!
فضحايا مجزرة البغيلية من النساء والأطفال والشيوخ، هم بحسب «شريعة» الانكليزي توماس مالتوس «أعضاء زائدون» لا يستحقون الحياة. أما «جائعو» مضايا، فإنهم الكذبة الكبيرة التي من خلالها يتأمّن طوق النجاة لحفنة إرهابيّين قتلة، لأنّ الإرهاب برمّته هو الأداة التنفيذية التي تتكفّل بتطبيق «شريعة» مالتوس للتخلّص من «الأعضاء الزائدين»!
ما حصل من مجزرة مروّعة في قرية البغيلية، لن يجد له مساحة في بث الفضائيات العربية المتأسرلة، ولا في الفضائيات العالمية المهيمن عليها اللوبي اليهودي، ولا في سائر الوسائل والوسائط والمواقع الإعلامية التي تحمل الهوية نفسها. فهذا الإعلام يمتنع حكماً عن بث ونشر كلّ الجرائم والمجازر التي تنفذها المجموعات الإرهابية.
أما في حالة أكذوبة مجاعة مضايا، فيندفع كلّ هذا الإعلام لدعم الإرهاب جهاراً نهاراً، من خلال فبركة الأكاذيب وترويجها على أنها حقائق.
في سياق نظريات الإبادة ضدّ الإنسانية، نشهد ازدواجية معايير إنسانية، فالمنظمات والمؤسسات الدولية التي تأسّست لغرض الدفاع عن حقوق الإنسان، تمارس ازدواجية معايير إنسانية فاضحة، فهي جعلت من أكذوبة المجاعة في مضايا، قضية إنسانية كبرى… لكنها لم تحرّك ساكناً حيال حقيقة ساطعة تمثلت بمجزرة وحشية ارتكبتها المجموعات الإرهابية في قرية البغيلية.
وبالمناسبة، ليست قرية البغيلية في ريف دير الزور أول قرية ترتكب فيها المجموعات الإرهابية مجزرة وحشية مروّعة بحق المدنيّين الأبرياء الآمنين. فالمجموعات الإرهابية ارتكبت عشرات، لا بل مئات المجازر، وفي العديد من القرى والمناطق السورية، ونادراً ما بلغت أخبار هذه المجازر وصورها مسامع مؤسسات ما يُسمّى «المجتمع الدولي»، السياسية والإنسانية. فـ»المجتمع الدولي» الذي تقبض عليه الولايات المتحدة الأميركية، أعمى وأصمّ، لم يسبق أنّ أعلن في السياسة إدانة واضحة ضدّ الإرهاب المرتكب للمجازر وجرائم القتل والإبادة، ولم نشهد في الإنسانية موقفاً أو تحركاً ملموساً… لكن في جانب آخر، لم يوفر هذا «المجتمع الدولي» بشقيه السياسي والإنساني، فرصة أو مناسبة، إلا ووجّه من خلالها الإدانات وبأقسى العبارات ضدّ سورية الشام ، معبّراً من خلال سلوكه ومواقفه انحيازه الواضح إلى جانب المجموعات الإرهابية، تارة تحت عنوان دعم الإصلاح، وتارة أخرى تحت عنوان دعم «الثورات»، وغير ذلك من العناوين التي تندرج في سياق مشروع «الفوضى الخلاقة».
باختصار، الضحايا البريئة التي تموت ذبحاً بسيف المجموعات الإرهابية، ليست محلّ أسف في قاموس «المجتمع الدولي»، ولن نشهد استنفاراً لدى هيئات هذا المجتمع الإنسانية والسياسية، بل صمت مطبق، كما حصل إزاء مجازر سابقة ارتكبها الإرهابيون.
«المجتمع الدولي» بصيغته الراهنة، مؤسّس على منظومة «قيم» أميركية، لا تجد ضيراً في التماهي مع «شريعة» مالتوس. إذ ينسب للمؤرخ الأميركي دوغلاس ريتشارد هوفشتادتر، قوله: «ينبغي حرمان الفقراء من البيوت النظيفة والرعاية الصحية، وحرمانهم من الحياة، فقط ليموتوا». وأنّ الرئيس الأميركي جيرالد فورد أعطى توجيهاً بإعداد دراسة سرية يتمّ بموجبها «قطع نسل نساء 13 دولة في العالم الثالث خلال 25 سنة». وأنّ الأميركي هنري كيسنجر، وضع حين كان مستشاراً للأمن القومي الأميركي، وثيقة تحتوي على خطة إبادة وتخفيف سكان العالم على مدى ربع قرن! وهؤلاء من نسل أخذ على عاتقه إبادة ملايين الهنود الحمر…
وبما أنّ مجزرة البغيلية بريف دير الزور، لا تخدم «برنامج الدعم الإنساني المخصّص للإرهاب»، فإنها ستكون كما سابقاتها محاطة بالتعتيم الإعلامي، ولن تحرّك المشاعر الإنسانية لدى «الإنسانيين الجدد»، الغربيون منهم والعرب المصابون بالاعتلال.
بالتأكيد، مجزرة البغيلية، يوم أسود، والإدانة الحقيقية الأفعل لهذه المجزرة الوحشية، إنما يتمّ من خلال مواصلة زحف الجيش السوري وحلفائه لتحرير القرى والمناطق كلّها من سيطرة الإرهاب، وإنزال العقاب بالمجرمين والقتلة الإرهابيين وداعميهم.
مدير الدائرة الإعلامية في الحزب السوري القومي الاجتماعي