جعجع تلقَّف رسالة أوباما قبل الحريري والرياض!
مصطفى حكمت العراقي
خلق تبنّي رئيس حزب «القوات» سمير جعجع ترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية حالة جديدة في المشهد السياسي اللبناني، خصوصاً أنّ الأول قد خرج بذلك على قرار رئيس تيار المستقبل سعد الحريري بترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، بحيث لم يذهب الحريري وجعجع إلى خيارَيْهما الرئاسيّين عن قناعة، لكنها خيارات الضرورة القصوى التي يتمّ اللجوء إليها حين تقع الهزيمة لفريق سياسي ناور كثيراً وحاول مراراً وتكراراً لمنع الوصول إلى هذه اللحظة. فحالة الانقلاب في المواقف السياسية التي أنهكت أركان قوى 14 آذار، أقلّ ما يمكن وصفها بأنها سياسة غير معقولة وغير متزنة، وأنّ هذا الفريق أصبح يتقاتل في ما بينه للمساهمة في الإتيان برئيس من الفريق الآخر الذي لطالما اتهموه بالولاء والتبعية لإيران وسورية، والوقوف في وجه الإرادة الشعبية، وقد أعاد إعلان جعجع تبنّي ترشيح عون خلط الأوراق بعد عشرين شهراً من الفراغ في سدّة الرئاسة.
مبادرة جعجع الأخيرة تحمل وجهتَيْ نظر لا ثالثة لهما، فهي قد تكون مناورة جديدة من مناورات فريق 14 آذار لشقّ صف فريق المقاومة ومَن معها، لجهة وضع حزب الله في زاوية ضيقة أمام الحلفاء، خصوصاً أنّ الحزب أعلن أكثر من مرة أنّ الجنرال عون هو الممرّ الإلزامي لحلّ أزمة الرئاسة، والآن وبعد أن تمّ ترشيح عون من خصمه جعجع، فهذا يحتّم على الحزب السعي إلى عقد جلسة انتخابية في مجلس النواب والعمل على إنجاحها، وهذا ما قد لا يحصل، خصوصاً مع تمسُّك الوزير فرنجية بترشحه للرئاسة، ما يضع الحزب أمام خيارين صعبين، ذلك أنّ عدم تمكّن الحزب من إيصال الجنرال عون إلى بعبدا قد يؤدّي إلى حدوث شرخ على صعيد التفاهمات بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وهذا ما يصبّ في خدمة النهج السعودي ـ الأميركي الذي يريد شيطنة حزب الله اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.
أما وجهة النظر الثانية، وهي الأقرب إلى الواقع، فهي أنّ اتخاذ رئيس «القوات» هذا القرار جاء كنتيجة حتمية للتقارب الأميركي ـ الإيراني الأخير، والذي تجلى بتطبيق مقرّرات الاتفاق النووي واعتراف واشنطن بأنّ قطع العلاقات مع طهران لم يكن صائباً، وهذه إشارة إلى حلفاء الولايات المتحدة بأنّ القرار تمّ اتخاذه وعليكم التوجه نحو إيران وحلفائها لحلّ جميع مشاكل المنطقة، وهو ما جعل سمير جعجع أول المُنفِّذين والمتلقّين إشارة أوباما، كمحاولة منه للحصول على موقع أفضل لدى الولايات المتحدة في مرحلة التقارب مع طهران، وهو ما يفسّر الغضب السعودي الأخير على حليفها القديم، وقد رأى عدد من الصحافيين والأكاديميين أنّ إعلان جعجع مساندة عون وترشيحه لرئاسة البلاد، إنما يدلّ على أنّ إيران تسيطر على المشهد كاملاً في لبنان وأنّ رهان السعودية على حلفائها في لبنان قد سقط.
كلّ ما يمكن استنتاجه من تهافُت الحريري وجعجع لانتخاب رئيس متحالف مع حزب الله، هو اعترافهما بحقيقة الهزيمة المرّة، وأنّ جعجع أصبح أميركياً أكثر من الحريري الذي اختار الاستمرار في الحضن السعودي والقيام بالمناورة الأخيرة، أما حزب الله، فكما أحسن التعامُل، في ما سبق، سيجيد حفظ الصفّ ولن يسمح لمن فشل في إسقاط المقاومة عسكرياً بإسقاطها سياسياً، فيما سيبقى النائب سليمان فرنجية ركناً أساسياً في خطّ المقاومة وسورية، وكذلك الجنرال ميشال عون الذي كان ولا يزال ممراً إلزامياً، بحسب سيد المقاومة، وسيبقى الحاجز الذي يمنع أي محاولة لسحب البساط من تحت حزب الله، وسيكون ردّ المقاومة بانتخاب الجنرال رئيساً أو مَن يوافق عليه حصراً مع حفظ قوة الحلف وصلابته.