«سوخوي»… ربّ ضارة نافعة

عدي رستم

يشكّل الحدث السوري، مذ بدأ، مفصلاً مهمّاً في رسم الجغرافيا السياسية في المنطقة، والتحالفات التي يمكن أن تنشأ. وتجاوز الاصطفاف الحاصل حول الأزمة السورية حدود الدولة السورية وحدود المنطقة فأصبحنا أمام معسكرين متقابلين، معسكر يقف إلى جانب الدولة السورية، ومعسكر يشتبك مع الدولة السورية يقوده السيد الأميركي عبر مجموعة من العناوين هي مجرّد مساعد أو مساند على الحاجة الأميركية، وعندما قال الرئيس بوتين إنّ هناك نظاماً عالمياً جديداً سيولد من رحم الأزمة السورية كان يختصر الحقيقة لناحية المكانة المهمّة التي تلعبها الأزمة السورية في صوغ المعادلات الجديدة التي ستحكم العالم، مثلما حكمت يالطا العالم بتوازناتها لمدة أربعين سنة.

ثلاثة عوامل هي وراء وقوف روسيا إلى جانب الدولة السورية:

أولاً: إصرار روسيا على عدم السماح بكسر الحلقة السورية، وهذا الإصرار نابع في صورة أساسية من قناعة روسيّة بأنّ سورية تشكل في الجغرافيا السياسية للمنطقة قاعدة ارتكاز يترتب على كسرها اجتياح أميركي غربي يصل إلى حدود الأمن الروسي، وهذا ما عبّر عنه الرئيس الروسي فلاديمر بوتين حينما قال: إذا كسرت سورية فإننا سنكون في شوارع موسكو نقاتل دفاعاً عن أمننا الروسي.

ثانياً: إدراك روسيا أنّ استهداف سورية هذه المرة يتمّ من البوابة العثمانية الجديدة، لكنّها تستوعب المتطرّفين الذين شكلوا العصب الرئيسي للمعارضة المسلحة القادرة على المواجهة، فإذا تمّت السيطرة على سورية من قبل هذا المخطط المدبّر منذ عام 2006، فإنّ سائر جمهوريات وسط آسيا ـ وهي جمهوريات إسلامية ـ سوف تصبح مدىً حيوياً يتخذه التطرف عنواناً له، وبالتالي سيكون الأمن الروسي عرضة لهذا العبث، خاصة أنّ في روسيا أربعين مليون مسلم.

ثالثا: الاقتناع بأنّ موقع سورية في الجغرافية السياسية في الشرق الأوسط هو موقع حاسم في الاقتصاد والسياسة، من أنابيب النفط إلى الغاز فمصادر الطاقة والحضور في المياه الدافئة، وبالتالي الدفاع عن سورية هو دفاع عن مدى روسيا الحيوي الذي يصل إلى حدود البحر المتوسط.

الصمود السوري والقدرة على هذا الصمود الأسطوري رتّبا انعكاسات إقليمية عديدة، منها:

– تمدّد التطرف الإسلامي «الداعشي» إلى العراق والأردن، وظهور البغدادي معلناً قيام «دولة الخلافة الإسلامية».

– روسيا تزوّد العراق طائرات «سوخوي» تملك فرصة الانقضاض على مناطق يسيطر عليها «الداعشيون».

– تأخّر ظهور الـ «إف 16» الأميركية.

– وصول «داعش» إلى السعودية.

نجحت سورية في استنهاض أركان حلف لم يعد يقبل باليد الأميركية يداً عليا في المنطقة، إذ أدرك أنّ الحرب الأميركية على سورية هي معركة قادمة بأشكال مختلفة على الدول التي ينبع قرارها من سيادتها الوطنية، لذا لن يقبل هذا الحلف بحصول الكسر في أيّ حلقة من حلقاته التي تشكل سلسلة مترابطة، من إيران إلى العراق إلى سورية، فلبنان، وهذه الدول أجهضت المشروع الأميركي بمختلف عناوينه المحلية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى