النفط والدولار… شراكة آفلة
ناجي الزعبي
يمكننا القول إنّ صراع النفط والغاز، وصندوق النقد والبنك الدوليين، والدولار من جهة، وبنك الاستثمار الآسيوي، والغاز سلعة المستقبل منذ العام المقبل وتبادله بعملات بديلة للدولار قد حسم لمصلحة: الغاز سلعة الغد الاستراتيجية المقبلة.
لقد حافظ الدولار على مكانته، كعملة تداول أممية وكان يعتبر العملة الصعبة hard currency ، وهو اللقب الذي أطلق عليه بعد الحرب الوطنية العظمى «السوفياتية» والعالمية الثانية لصعوبة الحصول عليه، طيلة عقود ماضية من هيمنة القطب الأميركي الأوحد للأسباب التالية:
أولاً: الهيمنة الأميركية الاقتصادية.
ثانياً: الهيمنة الأميركية العسكرية.
ثالثاً: ربط سعر الدولار بالذهب.
رابعاً: رهن تداول النفط به.
وقد كان ربط تبادل النفط بالدولار سرّ احتفاظ أميركا بمشايخ النفط على رأس أنظمة عميلة لضمان تدفق النفط إلى أسواقها والحفاظ على الدولار كعملة تداول له ، وهذا سرّ استمرار تداوله.
عام 1971 عمل الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون على فكّ ارتباط الدولار بالذهب بعد 30 سنة من الارتباط، وبعد أن كان سعر الأونصة 35 دولاراً للأونصة تمّ رفعه إلى 350 دولاراً بعد فكّ الارتباط وسرق فارق السعر الذي فرضه على العالم، ما أنقذ الاقتصاد الأميركي من الأزمة التي حاقت به حينها، في أكبر سرقة عرفها التاريخ.
وفي العام 1973، أعلن الملك فيصل، بأوامر أميركية بعد مواجهة الاقتصاد الأميركي أزمة اقتصادية أخرى، إيقاف تصدير النفط بذريعة حرب تشرين، ما رفع سعر برميل النفط حينها من 1.8 دولار للبرميل إلى 10 دولارات، وقد صبّ فارق السعر في البنوك الأميركية، ما مكّن الاقتصاد الأميركي من الخروج من أزمته الأخرى، وبذلك تخلّصت أميركا من أزماتها الاقتصادية في كلا الحالتين بسرقة العالم.
منذ ذلك التاريخ، تضخّ أميركا مليارات الدولارات طباعة من دون غطاء من الذهب، والعالم يُقبل على تداوله، رغم يقينه بأنه مجرد مادة ورقية، لحاجته إلى تداوله كعملة تبادل تجاري ولسيطرة البنوك الأميركية على أداة التداول النقدي «السوفت».
جابهت أميركا أزمة الرهن العقاري والأسواق المالية في عام2007، وخاضت عدوانين سافرين ضدّ أفغانستان والعراق لتحلّ مشاكلها الاقتصادية كالعادة، لكنّ ذلك عمّق أزمتها وأفقدها الهيمنة الاقتصادية والعسكرية، ما أفقد الدولار عناصر قوته وحصانته. وقد حاولت أميركا جاهدة حلّ مشاكلها الاقتصادية، كالسابق، عبر خوض الحروب وتركيع العالم وسرقة ثرواته لكنها جابهت التحوّلات والتحالفات الدولية التي قلبت موازين القوى، وكان عليها أن تلتحق بالركب فوقّعت الاتفاق النووي ورفعت العقوبات عن إيران، وهي الآن تبحث عن تسويات في سورية.
لم يتبقّ للدولار من عناصر قوة سوى ارتباطه بالنفط، وقد خاضت واشنطن معارك بقاء امتدّت من القرم وأوكرانيا لتضعف روسيا وتحول دون تمديد أنابيب الغاز إلى المتوسط، ثم شنّت عدوانها السافر على سورية بسبب موقفها من مدّ خطوط الغاز القطرية إلى المتوسط، إضافة إلى أسباب أخرى باتت معروفة وواضحة.
وقد شهد العالم مؤخراً أكثر من محطة تاريخية فاصلة، كالاتفاق النووي الإيراني، ثمّ المساهمة الروسية إلى جانب الدولة السورية في مواجهة الإرهاب، ورفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، وكانت هذه التحوّلات مؤشراً إلى تقويض المشروع الأميركي وحسم المعركة لصالح الغاز ومالكيه روسيا وإيران، إضافة إلى الجزائر وقطر.
وقد شهد العالم مؤخراً اتفاقيات قطرية إيرانية تمكّن الأسطول الإيراني من التجوّل في المياه القطرية، ويشهد الآن محادثات روسية ـ قطرية، في هذا الإطار.
يقف العالم الآن على حافة تحوّلات نوعية لينتقل من عهد هيمنة رأس المال وأدواته إلى عالم متعدّد الأقطاب والأدوات والعملات، وسيشهد سقوط بعض هذه الأدوات، وفي مقدمة مشاهد الهزيمة أنظمة الخليج، ثم تكرّ المسبحة…