علّوش الثاني وجعجع الأول
ناصر قنديل
– أطلّت المملكة العربية السعودية على اللقاء المرتقب في جنيف وفقاً لمعادلة قوامها، إنْ كنتم تريدون إنجاح التفاوض بين الحكومة والمعارضة، فعليكم قبول الميليشيا التي تحمل على ظهرها الكثير من الإدانات الوطنية والسياسية والأخلاقية والإنسانية، ويتّسم تاريخها وحاضرها بالإرهاب، فشرط النجاح هو هذا الحمل الثقيل الذي يهدّد مستقبل سورية، ويبعدها عن السلم الأهلي وعن مشروع الدولة، ويزرع في طريق تقدّمها لغماً لا يعرف أحد موعد تفجيره ليطيح عندما تحين الظروف بما تبقى من سورية، بعد شلال الدماء التي قدّمها السوريون. علوش الثاني شرط سعودي للحلّ السياسي، والمعارضة التي تحوّلت من بلهاء إلى مأجورة مجرد بوق سعودي لترداد صدى قرار البلاط الملكي، وأطلّ محمد علوش الذي سُمّي كبير المفاوضين من جماعة الرياض، ليقول إنّ المعركة هي مع روسيا ومنعها من التدخل في الشأن السوري، ليصير الأمر ببساطة أمر عمليات لا مفاوضات.
– أطلت الحكومة القطرية على الاستحقاق الرئاسي من بوابة القوات اللبنانية وتبنّيها لترشيح العماد ميشال عون، الذي جمع حول ترشيحه بدون حمل القوات أقلّ من نصف النواب بقليل، والقوات بما تحمل على أكتافها وفي تاريخها، ما قاله بلسان اللبنانيين ضميرهم الرئيس سليم الحص، لا تقلّ عن علوش الثاني، وتقول الترجيحات إنّ ترشيح العماد ميشال عون من قبل رئيس حزب القوات سمير جعجع، جعل وصوله إلى بعبدا أصعب، ما لم تحدث مجموعة من المتغيّرات تجعل ترشيح جعجع الحدث الهامشي في العملية الرئاسية، من ضمن مشاورات وطنية شاملة تنتج توافقاً ينتهي بتزكية العماد عون بإجماع وطني للرئاسة مقروناً بتفاهم على حكومة جديدة وقانون انتخابات نيابية، وربما تحالفات انتخابية تطمئن الجميع، فما جمعه العماد عون بترشيح حزب الله وحده له، تكفل بتبديد معظمه دخول جعجع على خط الترشيح، وأطلّ رئيس حزب القوات سمير جعجع ليقول إنّ الكرة باتت في مرمى حزب الله، فإنْ كان يريد رئاسة فعلاً ويريد عون فعلاً، فالأمر يُحسَم غداً، فتصير المعادلة شبيهة بمعادلة السعودية لسورية، وقوامها، لقد فخّخنا المسار الرئاسي فإنْ أردتموه، هذه هي الكلفة.
– واشنطن ليست بعيدة عن المسارين السعودي والقطري، وهي تدرك أنهما لن يغيّرا موازين الميدان السوري ولا الخيارات التي ستعتمد في الاستحقاق الرئاسي اللبناني، وأنهما ليسا نهاية المطاف، بل بداية مسار المزيد من التفكيك والتعقيد، حتى ينضج السعودي في الميدان لخيارات سياسية جدية بقبوله وارتضائه المتغيّرات التي ستبدأ منها أيّ مفاوضات، وما يجري في مسار جنيف يقول إنّ الأمور عادت إلى الميدان وحده ليرسم اللوحة السياسية، فبعد شطب «جبهة النصرة» بات لزاماً حسم وضع «جيش الإسلام» في دوما، لتقلع محادثات جنيف، وأنّ العملية السياسية معطلة إلى أجل غير مسمّى.
– مَن يظن أنّ المقاومة كخيار ومجموع قوى تتبنّاه، وفي طليعتها حزب الله مأزومون بترشيح جعجع لعون مخطئ، فالأمر ببساطة، أنّ حليفين مرشحين أمامنا، وخصمين متحالفين يرشّحان، وبدون تفاهم إحدى الثنائيتين أو كلتيهما، أيّ المرشحين عون وفرنجية من ضمن منظومة التحالف مع المقاومة، أو تفاهم صاحبي الترشيحين من ضمن المنظومة المقابلة، فسيكون من الصعب وضع الرئاسة على سكة الوصول إلى محطة النهاية، ولن يحرج المقاومة الكلام معها ومع جمهورها بلغة الابتزاز والتحدّي لتقع في فخ الاختيار بين حليفين يرشح كلّاً منهما خصمٌ.
– ما بين سورية والعملية السياسية، بمثل ما بين لبنان والرئاسة، نفاد أوراق المناورات السياسية والعودة للتسليم بأنّ موازين القوى تغيّرت في المنطقة وتتابع التغيير، وما لا يتحقق اليوم ويبدو صعباً، فسيتحقق غداً ويبدو سهلاً، وما يملكه الآخرون أن يجعلوا الكلفة على الناس أغلى بعنادهم ومكابراتهم، ومسايرة الآخرين لهم، بانتظار أن يفهموا أنّ الأمور قد تغيّرت، وأنّ عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء.