انتهاكات البيشمركة وازدواجية المعايير
مصطفى حكمت العراقي
تستمرّ أغلب الكتل السياسية في العراق باتّباع نهج ازدواجية المعايير الذي أصبح مباحاً في تعامل الكتل السياسية مع بعضها بعضاً، ففقدت المبادئ وأصبحت المصالح الشخصية والحزبية فوق كلّ اعتبار، حتى تمّ تفضيل المال السياسي على دماء الشهداء والجرحى في ساحات القتال، ومن أحدث دلائل هذا الكلام هو مسلسل الإساءة المتعمّدة للجيش العراقي والحشد الشعبي منذ أن تحوّل سير المعارك ضدّ عصابات داعش الإرهابية وبدأت الانتصارات تتحقق تدريجياً من ديالى وجرف النصر وامرلي وتكريت، ومؤخراً في الرمادي، حيث تعدّدت وتنوّعت الاتهامات ومن دون دليل، ولكن الهدف كان واضحاً وهو تسقيط أيّ قوة شعبية مستقلة تقاتل الإرهاب وتنتصر عليه من دون دعم التحالف الأميركي.
كلّ الاتهامات السابقة كانت خلال خوض المعارك أو بعد أن يتمّ التحرير، ولكن الحدث الأخير الذي حصل في قضاء المقدادية في محافظة ديالى، حيث حصل تفجير في مقهى شعبي، وبعدها حدثت أعمال إجرامية، فتمّ حرق عدد من المساجد وهو ما رفضته المرجعية الدينية في بيان رسمي، وكذلك الحكومة العراقية التي أوصت بتعويض جميع المتضرّرين وتقديم المجرمين للقضاء وإعادة إعمار المساجد، جاء ذلك على لسان رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي زار القضاء بعد حصول الأحداث، وأكد أنّ سلطة القانون تفرض وجودها بقوة بالقضاء، ودعا وسائل الإعلام إلى زيارة المقدادية للوقوف على الحقائق.
كذلك فصائل الحشد الشعبي أعلنت من خلال القيادي في الحشد والأمين العام لمنظمة بدر هادي العامري استعدادها للمساهمة في إلقاء القبض على المجرمين، وكذلك تبنّى العامري مبادرة إعادة إعمار المساجد، ولكن كلّ هذا لم يكفِ لدرء الفتنة التي حاول أصحاب المشاريع المشبوهة من بعض قيادات كتلة اتحاد القوى السنية والذين دعوا إلى تدويل القضية في مجلس الأمن وطالبوا الأمم المتحدة بإدخال قوات دولية إلى العراق لـ»حماية السنة المضطَهَدين»، على حدّ تعبيرهم، والمطالبة بنزع سلاح الحشد الشعبي بحجة انه خارج إطار الدولة، علماً أنّ جميع فصائل الحشد الشعبي هي تابعة لهيئة الحشد الشعبي والتي ترتبط بشكل مباشر بالقائد العام للقوات المسلحة… هذه الدعوات لاقت رفضاً واستنكارا شعبياً وسياسياً واسعاً، حيث اتهم النائب عن اتحاد القوى الوطنية السنية مشعان الجبوري، المطالبين بتدويل أحداث المقدادية بالجهلة ولا يعرفون معنى التدويل.
وقال الجبوري في تصريح صحافي إنّ من يطالب بتدويل أيّ قضية عراقية إنما ينفذ أجندات خارجية ويفتح المجال للتدخل في الشأن العراقي. وهذا يدلّ عن جهل المطالبين بذلك، موضحاً أنّ جميع القضايا العراقية يجب أن تحلّ من قبل العراقيين، ولا يمكن لأيّ دولة التدخل بالشأن العراقي إطلاقاً، وبيّن انه لا يمكن ان يتهم الشيعة بأنهم من نفّذ عمليات المقدادية، فإذا البعض اتهم فيجب أن يتهموا السنة بارتكاب مجزرة سبايكر والشيعة والسنة براء من تلك الجرائم، وعن استغلال البعض تلك الأحداث للمطالبة بحلّ الحشد الشعبي، أكد الجبوري أن لا أحد يستطيع أن يحلّ الحشد ونحن بحاجة له وهو من حرّر الأراضي المحتلة في المحافظات العراقية ومشاركته مهمة في العمليات المشتركة وقدم مئات الشهداء من أجل ذلك… الهدف من تصعيد بعض قيادات اتحاد القوى السنية الأخير ضدّ الحشد الشعبي والتهديد بالتدويل كشفه موقف هذه القيادات نفسها من تقرير منظمة العفو الدولية، حيث اتهمت المنظمة قوات البيشمركة وميليشيات متحالفة معها بارتكاب انتهاكات وتدمير آلاف المنازل في سياق محاولة منظمة لإزالة قرى وتجمّعات عربية، موضحة أنّ ذلك يأتي انتقاماً لما فعله داعش شمالي العراق، فيما لفتت إلى أنّ القوات الحكومية في إقليم كردستان قد تكون ارتكبت جرائم حرب في المناطق التي استعادتها.
وتضمّن التقرير صوراً ملتقطة بالأقمار الصناعية تكشف أدلة على تدمير واسع النطاق نفذته قوات البيشمركة، أو في بعض الحالات جماعات كردية مسلحة من سورية وتركيا تعمل بالتنسيق مع «البيشمركة». وقالت دوناتيلا روفيرا، كبيرة مستشاري منظمة العفو الدولية التي أجرت البحوث الميدانية في شمال العراق: إنّ قوات حكومة إقليم كردستان، تقود حملة منظمة للنزوح القسري لأبناء المجتمعات المحلية العربية عبر تدمير قرى بأكملها في المناطق المحرّرة، واصفة ذلك بأنه من «قبيل جرائم الحرب».
كلّ هذه الاتهامات والدلائل لم تلاق أيّ ردّ من القيادات السنية التي تعيش في حضن مسعود برزاني، إذ إنّ أيّ متابع للمشهد التصعيدي على خلفية أحداث المقدادية يتوقع أن يكون هناك رد عاصف، خصوصاً مع مقارنة حجم الدمار في الحالتين… وهذا ما أكدته النائبة عن ائتلاف دولة القانون عالية نصيف، التي طالبت القيادات السنية السياسية والدينية بالإعلان عن موقفها مما ذكره تقرير منظمة العفو الدولية، حول قيام البيشمركة بتدمير منازل الآلاف من أبناء المناطق السنية المحرّرة من «داعش». وقالت نصيف في بيان، إن بعض المحسوبين على السنة الجالسين في أربيل سيلتزمون الصمت إزاء التقرير، ويجاملون رئيس إقليم كردستان الفاقد الشرعية مسعود برزاني الذي منحهم قصوراً وفيلات في أربيل…
الموقف الأخير لبعض القيادات السنية يؤكد أنهم يتبعون ازدواجية واضحة في المعايير ويتمسكون بعلاقاتهم مع برزاني الذي يحلم بتأسيس دولته على أكتاف السنة، والاثنين يخططان وينفذان مشروع تقسيم العراق الذي رسمه بايدن، ولكن هذه الأحلام لن تتحقق بفعل تقدّم الجيش العراقي والحشد الشعبي والعشائر العربية السنية المتمسكة بوحدة العراق، وكذلك جزء كبير من الأحزاب السياسية الكردية الرافضة لسياسات برزاني، خصوصاً بعد انهيار الاتفاق الاستراتيجي مع الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني…