تنظيم «الدولة الإسلامية»: احتكار السلطة
جيم موير
أمر تنظيم «الدولة الإسلامية» المتشدد المنشق عن تنظيم القاعدة الجماعات المسلحة السنية الأخرى التي انضمت للانتفاضة في العراق بقسم الولاء له وإلقاء السلاح.
وتأتي الخطوة بعد أن أعلن التنظيم إقامة الخلافة في مناطق في العراق وسورية يسيطر عليها وغير اسمه إلى «الدولة الاسلامية» من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش . ويضع ذلك الجماعات المسلحة الأخرى في مأزق بين تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على مناطقهم وبين الحكومة التي يقودها الشيعة ويقفون ضدها.
يذكر أن تنظيم «الدولة الإسلامية» قمع جماعات أخرى في مناطق في سورية يسيطر عليها، كما فرض احتكاره للحكم بالقوة إذا اقتضى الأمر. وكان التنظيم قد استولى في الآونة الأخيرة على بلدة البوكمال المهمة ليسيطر بذلك على الجانب السوري للحدود الرئيسية مع العراق بعد ثلاثة أيام من اشتباكات عنيفة مع جماعات أخرى من قوات المعارضة السورية. وتفيد بعض التقارير بأنه أقام نقاط تفتيش وأخذ يعتقل الخصوم المشتبه بهم. وتواجه جماعات سنية مسلحة أخرى – وبينهم عسكريون سابقون، وعناصر من العشائر وموالون لحزب البعث الذي كان يقوده صدام حسين موقفاً شديد الصعوبة.
وتقول مصادر عشائرية ومصادر عسكرية تابعة للمتمردين إنها أبلغت في اجتماع عقد على مدى يومين في مدينة الموصل بضرورة قسم الولاء للخلافة الجديدة، وأن المقاتلين الوحيدين الذين يحق لهم حمل السلاح هم المنتمون إلى تنظيم «الدولة الإسلامية». ولا يعفيهم قسم الولاء من تسليم السلاح. فيما وصف مصدر بارز من المتمردين ما يحدث قائلاً: «لقد اختُطفت ثورتنا». لكنه أضاف أن الجماعات الأخرى لا تعتزم المشاركة في معركة تعتقد أنها خاسرة مع تنظيم الدولة الإسلامية التي سرعان ما عززت قبضتها في المناطق التي تقطنها غالبية سنية وسقطت قبل ثلاثة أسابيع.
ويشعر المسلحون غير المنتمين لداعش بامتعاض ومرارة من الأميركيين، الذين سبقوا وقدموا 500 مليون دولار لجماعات مسلحة مشابهة لهم في سوريا، لكون الأميركيين يعتبرونهم بمثابة إرهابيين لأنهم انضموا لتمرد ضد القوات الأميركية هنا، على رغم أنهم قاتلوا بعد ذلك القاعدة وطردوا عناصرها.
تنظيم «قوي جداً»
وعُدّ توجه تنظيم الدولة الاسلامية لاحتكار السلطة في الأجزاء السنية من العراق بمثابة خطوة لمصلحة الحكومة في بغداد، خصوصاً أنها سعت إلى رفع الغطاء السياسي عن التمرد في المنطقة. قال مصدر بارز من المسلحين السنة : «لن نقسم يمين الولاء ولن نلقي أسلحتنا وسوف نخبئها». وأضاف: «لكننا لا نستطيع قتال تنظيم الدولة الإسلامية لأنه تنظيم قوي جداً وسوف تكون المعركة خاسرة. لكننا سنظل نشطين في بغداد، حيث لا وجود للتنظيم هناك».
وكان أبو بكر البغدادي مسؤول التنظيم قد دعا المجاهدين في أنحاء العالم إلى السفر إلى العراق وسوريا للقتال وللمساعدة في بناء ما سماه بـ«الدولة الإسلامية». مشدداً على أن هجرة المسلمين إلى ما دعاه بـ «الدولة الإسلامية» واجب عليهم. ودعا بصورة خاصة القضاة والأطباء والمهندسين وجميع من لديهم الخبرة الإدارية والعسكرية.
وتقول مصادر إن أعداداً كبيرة من الشباب يجرى تجنيدهم محلياً مقابل 500 دولار شهرياً. ويجرى إخضاعهم لتدريبات عسكرية تستغرق أسبوعين، فضلاً عن دروس إسلامية لمدة أسبوعين آخرين قبل انتشارهم. لكن إذا ترسخ مشروع الخلافة، فسوف يحتاج ذلك إلى إداريين وخبراء في مجالات عديدة يأمل البغدادي في أن يلبوا دعوته.
واندلعت خلافات مع الجماعات السنية الأخرى في العراق مع إعلان بيان من رابطة علماء المسلمين في العراق الذي انتقد قرار إعلان الخلافة، ودعا إلى إلغاء القرار. وقالت الرابطة: «أولئك الذين أعلنوا القرار لم يتشاوروا مع أبناء العراق أو قادتهم. إنه ليس في مصلحة العراق ووحدته حالياً، وسوف يتخذ كذريعة لتقسيم البلاد والإضرار بشعبها». أضاف البيان : «ثمة متطلبات تفضي إلى تحقيق النجاح، فالفشل سيطاول الجميع. وقسم الولاء وهذا الوضع غير ملزم لأي أحد».
سيناريوات الانهيار
وبعد ساعات من نشر البيان تعرض الموقع الإلكتروني للرابطة لاختراق بمعرفة تنظيم الدولة الإسلامية ونشرت رسائل وصور تسخر فيها من رئيس الرابطة وتصفها بـ«رابطة المستسلمين المسلمين». وكلما أحكمت الدولة الإسلامية قبضتها، كان من الصعب على نحو واضح زحزحتها.
ويواجه السكان في المناطق السنية، الذين لم يفروا بعد، مستقبلاً مروعاً غير واضح المعالم وحرباً طائفية تزداد احتداماً، أصبحت إيران والأميركيون قوى لاعبة فيها إذا ما اشتدت. وتجنح الاستراتيجية التي يتبناها العديد من السياسيين والأميركيين والقوى الأخرى إلى تصحيح أخطاء الحكومة المركزية التي يهمين عليها الشيعة في بغداد، ودمج المعتدلين من السنة في العملية السياسية. وبذلك يحدث تقويض لمتشددي تنظيم الدولة الإسلامية وانعزالهم.
وتذهب النظرية إلى أن القوات المقاتلة من السنة غير المنتمية لتنظيم «الدولة الإسلامية» ستتحول إلى مواجهة المتشددين بمساعدة بيشمركة الأكراد، وما تبقى من الجيش العراقي والأميركيين وآخرين.
غير أن الانهيار الكبير للجماعات السنية الأخرى يجعل هذا السيناريو أقل قبولاً. فهي تشعر بالعزلة وعدم وجود أصدقاء، ويقول قادتها إنها ترغب في مساعدة الأميركيين، غير أن واشنطن تراها جماعات إرهابية، ولم تفرق في العراق مثلما فعلت في سوريا بين جماعات المعارضة الإسلامية والمتشددين في داعش.
وفي الوقت ذاته هناك مخاوف على مصير الأقليات في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» مثل الأيزيدية والشيعة.كذلك تثار مخاوف إذا استطاع تنظيم «الدولة الإسلامية» السيطرة على مصفاة بيجي النفطية، فربما يرغب في الاستيلاء على حقول نفط كركوك التي يسيطر عليها الأكراد لتوفير الوقود لمصفاة التكرير.
بي بي سي