أوباما عن حال الاتحاد: مناشدة للتفاؤل رغم العجز والقلق
شكل خطاب الرئيس أوباما السنوي للأمة، «حالة الاتحاد»، نقطة انعطاف واستقطاب حادّة سعى خصومه لاستغلال أوجه قصوره في خدمة مناخ الانتخابات الرئاسية والترويج لسياسة الحزب الجمهوري، على الرغم من خلوّه من خريطة طريق واضحة وشاملة، كما يُقال.
سيتناول قسم التحليل خطاب الرئيس أوباما المعدّ بعناية كبيرة، مما أشغل الرئيس عن استقبال العاهل الاردني الملك عبدالله بشكل رسمي على الرغم من انه يزور أميركا بصورة غير رسمية، وإبلاغه أعوانه انّ مفردات الخطاب ورسالته هي الأولوية ليختتم به ولايته الرئاسية.
سيستعرض قسم التحليل ايضاً خطاب وزير الخارجية جون كيري في اليوم التالي لخطاب الرئيس أوباما، اذ صوّره على انه يشكل معالم السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط وسورية.
استراتيجية مكافحة الإرهاب
أعرب معهد كاتو عن اعتقاده بأنّ الاستراتيجية الأميركية «لمكافحة الإرهاب» تلقى فشلاً نظراً لأنّ متطلبات «استراتيجية مسؤولة ينبغي ان تتجاوز أهداف تعطيل خلايا الإرهاب وعرقلة خططها وإحباط قدرتها على استقطاب عناصر جديدة، ويجب ان تتناول عامل الخوف الذي ينوي الإرهابيون تثبيته». وحذّر المعهد من نزعات القادة والسياسيين للافراط بردود الفعل والعمل الجادّ على «إحباط ايّ ردود فعل تأتي بنتائج سلبية… وينبغي معالجة التهديدات الحقيقية بثقة وثبات». ومضى في تحذيره من انّ الردود التقليدية «تستنفذ أموالاً طائلة تنفق على تدابير أمنية مشكوك بها، والنيل من الحريات، والتضحية بأرواح الأميركيين في خضمّ الانسياق لمهاجمة تهديدات مبالغ فيها».
فراغ جيواستراتيجي
وجه معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى اتهاماً بالخذلان لسياسة الرئيس أوباما في الشرق الاوسط وانشغاله بهاجس الخشية من «تورّط مكلف للولايات المتحدة، في الحرب السورية»، على الرغم «من توفر عدة خيارات، ولكنه آثر الاكتفاء بالحدّ الأدنى في كلّ مرة، والإحجام عن الإجابة على ما سيحدث اذا لم تتصرّف أميركا». وشدّ المعهد على انّ المحصلة العامة للسياسة الأميركية أدّت إلى «فراغ اقليمي بسبب تردّد أوباما وعدم إقدامه على فعل أكثر من إطلاق التصريحات، مما حفز أطرافاً اخرى لملء الفراغ، إيران وحزب الله والقوى الأخرى العاملة بالوكالة عن إيران، من جهة، والمملكة السعودية وتركيا وقطر من الجهة الأخرى، بالإضافة الى تنظيم داعش». وحث المعهد الإدارة الأميركية الاسترشاد بالتجارب العسكرية الأميركية السابقة في التدخل «ومن الضروري ان يتحمّل شركاء واشنطن المحليين مسؤولية اكبر في صراعات الشرق الاوسط، والرئيس أوباما محق في هذا الصدد».
السعودية
خصّص معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى حيّزاً مميّزاً للتكهّن بخليفة العاهل السعودي سلمان، مرجحاً انّ ولي العهد محمد بن نايف لن يعتلي المنصب، بل سيذهب إلى ولي ولي العهد محمد بن سلمان «ملك صحراء هوليوودي… رغم الصعوبة التي تكتنف التنبّؤ بكيفية حدوث عملية الخلافة». واستعرض الوضع الصحي للعاهل السعودي بحذر مشيراً الى «تعليق أدلى به مسؤول أميركي في أيلول/سبتمبر الماضي ومفاده أنه سيُعقد اجتماع في البيت الأبيض بين الملك سلمان والرئيس أوباما و»سيتمّ تدوين محتواه بدقة». ومن بين سيناريوات الخلافة المحتملة «تعتبر حرب اليمن، أكثر قضية قد تقضي على المستقبل المهني للأمير الشاب فضلاً عن انّ واشنطن تعتبر محمد بن سلمان غير مؤهّل لتسلم السلطة». ولفت النظر الى انّ الأمير الشاب أضحى محطّ اهتمام ومركز اتصال قادة الدول الأخرى بمن فيهم وزير الخارجية جون كيري الذي «اتصل به بدلاً من الملك سلمان او محمد بن نايف في محاولته لتهدئة الأزمة السعودية الإيرانية المستجدة».
الصراع السعودي الإيراني كان من ضمن اهتمامات معهد كارنيغي وما ينبئ به من تداعيات داخلية شديدة، لا سيما «استمرار التهديد للسياسات السعودية من قبل شبكات الاسلاميّين السنة، التي يتصدّر جهاديوها الطائفيّون المشهد السوري، وبرزت قوى مستقلة لديها اولوياتها». ولفت الأنظار الى الحملة التي تقودها «السعودية لتجريم تنظيم الإخوان المسلمين، والتي لا تحظى بتأييد محلي، أما تنفيذ حكم الإعدام بالشيخ النمر واستفزاز الصدام مع إيران فقد لقيا دعماً وتأييداً داخل صفوف العناصر الاسلامية».
إيران
استعرض المجلس الأميركي للسياسة الخارجية قدرات إيران التقنية، لا سيما في مجال الحرب الالكترونية مشيراً الى «رصد الخبراء نسبة تدني ملحوظة في الهجمات الالكترونية الإيرانية الأمر الذي يواكب بدقة جهود إيران للتوصل الى توقيع اتفاق نووي مع الدول الغربية». واضاف انه بعد الانتهاء من توقيع الاتفاق النووي «عززت إيران قدراتها الالكترونية الهجومية، على المستويين السياسي والاستراتيجي». ونبّه المجلس من توفر إمكانيات مادية إضافية لإيران، من اصولها المجمّدة في الغرب، للدفع ببلادها «لتصبح قوة الكترونية معتبرة في مستقبل ليس بعيداً جداً، والتي ستصبح مصدر تحدّ شديد للولايات المتحدة».
سلط معهد ابحاث السياسة الخارجية الضوء على ما أسماه ظاهرة التعاون النووي والصواريخ الباليستية بين إيران وكوريا الشمالية استناداً الى «أدلة معروفة، وفي حال قرّرت إيران توكيل كوريا الشمالية بإدارة برنامجها النووي خلال الفترة الزمنية الخاصة بسريان مفعول الاتفاقية المشتركة، يتعيّن علينا حينئذ إحداث تحوّل جذري في رؤيتنا لنوايا الجمهورية الاسلامية». واضاف انّ التعاون المشترك بينهما يمتدّ لنحو عقود ثلاثة «محوره تطوير الصواريخ الباليستية، الذي يتنامى تهديده وتتسع دائرة انتشاره جغرافيا». وحث صنّاع القرار على التوجه إلى استصدار اتفاق شبيه باتفاق التعاون المشترك يرمي للتأكيد على عدم «استمرار التعاون بين إيران وكوريا الشمالية لتطوير صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية».
تركيا وروسيا
استعرض صندوق مارشال الألماني الأبعاد والكلفة الاقتصادية الناجمة عن التوتر التركي الروسي وما رافقه من «عقوبات اقتصادية». وقال انه من المرجح ان يدفع «الأتراك والروس ثمناً باهظاً لتلك العقوبات، بيد أنّ الكلفة من غير المرجح أن تؤدّي إلى تراجعهما». وأوضح انّ كلا البلدين يعتبر سورية من أولويات سياساته «بل انّ الحكومة التركية تعتقد انّ مصيرها يعتمد على الآلية التي ستُدار بها عملية إنهاء الحرب في سورية، وتخشى ما تضمره موسكو من أهداف». وأردف أنه بالنسبة إلى موسكو فإنها «على استعداد للتضحية بتداعيات العقوبات بغية تحقيق أهدافها في سورية، بيد أنّ المخاطر الجيوسياسية عالية». وختم بالقول انّ «الحرب التجارية بين تركيا وروسيا من المرجح ان تستمرّ» الى أجل غير مرئي.
تناول معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى إقامة تركيا قاعدة عسكرية لها في قطر «التي كانت تابعة لمحافظة نجد العثمانية والتي كانت تتبع بدورها لولاية البصرة العثمانية» في إطار «بسط نفوذها في الخليج العربي، واستعداد حلفاء واشنطن في حلف الأطلسي التبرّع لمواجهة تصاعد النفوذ الإيراني، مما سيترتب على أنقرة ضمان أمن الإمارة على نحو دائم». واوضح انّ من شأن تلك الخطوة «تعزيز استقلالية قطر عن السعودية، وتوفير الأمن لاولمبياد كأس العالم عام 2022، فضلاً عن أنها ستتيح لأنقرة مجموعة متنوّعة من الخيارات في المنطقة، بعض ميزاتها عرضها معداتها العسكرية وربما تعزيز مبيعات عرباتها المدرّعة من طراز ألتاي ومعدات اخرى». اما إيران في نظر المعهد فإنها «تعتبر القاعدة التركية خطوة عدائية، ومن غير المرجح ان تؤدّي الإشارات الموازية لتطبيع أنقرة علاقاتها مع إسرائيل الى تحسين الأجواء بينها وبين إيران». وخلص بالقول انّ التواجد العسكري الأميركي المكثف في الخليج، لا سيما في قاعدة العيديد القطرية، «سيصبح العامل الضامن لبسط الأمن بفعل الأمر الواقع للقاعدة التركية».
«خطبة الوداع» ترسيخ إرث ومنصة انطلاق
حرص الرئيس أوباما في خطابه للأمة على تهدئة وطمأنة الجمهور الأميركي للتحديات الواقعية، اتهمه خصومه بأنه «رسم صورة متفائلة لا تواكب القلق الشعبي» من تدني الأحوال الاقتصادية والهاجس الأمني » مع الإشارة الى انّ الخطاب الرئاسي السنوي عادة ما يميل بدرجة حادّة الى حال التفاؤل وتبرير فعالية السياسات السابقة. الرئيس أوباما من جانبه عانى بشدّة من تصلب خصومه الجمهوريين منذ الانتخابات النصفية عام 2012 وتعطيلهم لعدد من برامجه وقراراته ومشاريعه، وتأليب القواعد الانتخابية ضدّه.
أسلافه السابقين، لا سيما رونالد ريغان وبيل كلينتون، حققا بعض الإنجازات الملموسة، خاصة على الصعيد الاقتصادي الحيوي، وحظي خطابهما الأخير للأمة بشعبية أكبر مما يلاقيه الرئيس أوباما حالياً دون إغفال عامل الاصطفاف الحادّ الراهن بين القوى الاجتماعية المختلفة.
أوباما أضحى يعاني من شبه عزلة بين صفوف القسم الأعظم من الناخبين والذين يعتبرون عهده بأنه «باهت» ولم يستطع تحقيق وعوده الرئاسية التي أطلقها عام 2008. وتشير أبرز استطلاعات الرأي الى معارضة ما يربو عن نصف الناخبين لبرنامج الرعاية الصحية الشامل أوباما كير ، فضلاً عن عدم الرضى على الأداء الاقتصادي ومعارضة نهجه في السياسة الخارجية.
تزامن «خطاب الوداع» مع حادث احتجاز إيران لزورقيْن حربيّيْن أميركيّيْن وعلى متنهما عدد من البحارة الأميركيين بعد دخولهم المياه الاقليمية لإيران في الخليج العربي، وشدّد خصوم الرئيس على استثمار الحادث للنيل من سياساته الخاصة بإيران وتجديد الخطاب المعادي لإبرام الاتفاق النووي معها، ومطالبته باتخاذ إجراءات فورية متشدّدة من قبل أقطاب هامة في الحزبين.
واجه أوباما تحدّي خصومه المفتعل بالقفز عن الحادثة وإخراجها من عوامل الصراع الإقليمي، وأشاد بالشق الإيجابي في تنفيذ إيران أحد شروط الاتفاق النووي بالتخلي عن «نحو 90 » من مخزونها من اليورانيوم المخصّب، وبذلك «تفادى العالم اندلاع حرب أخرى » وسرعان ما ترجمه خصومه بأنه «تجسيد لضعفه وتردّده في الحسم».
حكاية الخطاب الرئاسي السنوي
تطوّر الخطاب الرئاسي سريعاً من تقرير تقليدي يقدّم للسلطة التشريعية الى حفل علني صاخب بالاستناد الى الفقرة الثالثة من مادّة الدستور الثانية التي تنصّ على أنه «يتعيّن على الرئيس تقديم معلومات للكونغرس حول حال الأمة من وقت إلى آخر، ويوصي بالنظر ببعض التدابير التي يراها ضرورية وملائمة».
آلية التقرير لم تحدّد شكله كتقرير سنوي، وفق النص الأصلي، كما لم تحدّد ماهيته كخطاب يلقى تحت قبة مجلس النواب. يُشار الى انّ الرئيس الاسبق جيمي كارتر «سلّمَ» تقاريره السنوية الأربعة بصيغة خطية وكذلك الأمر مع أسلافه الرؤساء هاري ترومان ودوايت ايزنهاور.
منذ انبلاج عهد التلفزة وتطوّره الى الصورة الرقمية بالغة الدقة، استغلّ الرؤساء من الحزبين فرصة «تقرير حال الأمة» كخطاب موجه إلى الشعب «تزيّنه المفردات المنمّقة والشعارات الوطنية حول فرادة الولايات المتحدة وعظمتها، وجدول بقائمة أهداف واعدة تطرح للجدل وانْ لم تكن في حكم التطبيق، تستضيف بموجبه شخصيات كبرى مدعوّة تأخذ مكانها بجانب مقعد السيدة الأولى وتسلط كاميرات التلفزة والصحافة الأنظار عليها». حقيقة الأمر انّ الخطاب السنوي نادراً ما يتناول كنه حال الأمة كما كان المقصود منه.
«خطبة الوداع» وأحداث المنطقة العربية
تشعّب خطاب الرئيس أوباما كثيراً في العناوين العامة والإنجازات التي تحققت، حتى لو لم تحظ بالإجماع، ليشكل معالم طريق يهتدي بها الرئيس المقبل، اياً كان، خاصة في ما يتعلق بشؤون الشرق الأوسط و»حماية المصالح الأميركية الحيوية» هناك.
انتقل أوباما ببراعته الخطابية من الحشو اللغوي لعظمة بلاده والإطاحة جانباً بمزاعم خصومه أنها تمرّ في مرحلة تراجع كقوة عظمى، للتأكيد على أنّ التهديد الاستراتيجي الماثل أمامها «ليس مصدره امبراطوريات الشرّ بقدر ما هو نتيجة لتهاوي وفشل الدول الوطنية». ولم يوفق في سرديته للتاريخ بأنّ «الصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط يعود بنا الى آلاف السنين». العبارة ليست عابرة أو زلة لسان، كما يُعتقد للوهلة الأولى، بل تنمّ عن إحساس وإصرار داخليّيْن لدى المؤسسة الحاكمة بعدم تحمّلها مسؤولية ما جرى ويجري من مآس، ليس على صعيد المنطقة العربية فحسب، بل على مستوى الكون بأكمله، جذرها الحقيقي نزعة السيطرة والهيمنة الأميركية على مفاصل القوة العالمية والخيرات الطبيعية.
لم يتوقع أحد، في حقيقة الأمر، تقديم الرئيس أوباما حلولاً للتحديات والتهديدات العالمية، كما وصفها، وقفز سريعاً لإعادة تصويب الأولوية على «محاربة وإلحاق الهزيمة بتنظيم داعش وتعقب الشبكات الإرهابية، وتوفير الأمن والأمان للشعب الأميركي». وأوضح بما لا يدع مجالاً للشكّ انّ مصدر التهديد الحقيقي يأتي من «كلّ من القاعدة والآن تنظيم داعش». مستدركاً انّ «داعش، لا يعدّ تهديداً وجودياً لأميركا».
وطمأن الرئيس أوباما شعبه بفعالية ويقظة سياسته التي «تدمّر مصدر تمويل داعش، أنابيب النفط المتنقلة»، على الرغم من انّ الغارات الجوية الروسية حققت إنجازات اكبر وأشدّ وطأة ضدّ التنظيم وخطوطه الخلفية.
استغلّ الرئيس أوباما فرصة إلقاء الخطاب المتلفز لإرسال جملة رسائل تحدّ لخصومه في السلطة التشريعية، من الحزبيْن، والذين ملأوا أمواج الأثير بانتقاد إدارته وتعدّيها على صلاحيات الكونغرس بدخول حرب طويلة، مما قد يعدّ انتهاكاً دستورياً. وحسم الرئيس الأمر برمي الكرة في ملعب الكونغرس متحدّياً قبوله ممارسة صلاحياته وإصداره تفويضاً للرئيس بشنّ حرب على الإرهاب. المسألة بالغة الدقة، اذ «يخشى» الحزب الجمهوري إصدار ايّ تفويض من شأنه «تقييد» حرية الرئيس المقبل، من خلال التناوب غير المعلن على السلطة، وتنفيذ أجندة الحزب بشنّ حروب أينما تقتضي «المصلحة الاستراتيجية»، وليس طمعاً في تفويت الفرصة على الرئيس أوباما فحسب.
ووبّخ أوباما خصومه السياسيين لإعلائهم مشاعر «الضغينة والاشتباه بين الحزبين، والتي أضحت اسوأ من ذي قبل»، مناشداً توخيهم الحذر والاقتداء بالرؤساء العظام مثل ابراهام لينكولن وتيدي روزفلت اللذين بذلا جهوداً مضنية لجسر هوة التفرقة في المجتمع بشكل عام.
استغلّ الرئيس أوباما التركيز السياسي والإعلامي، ولو لليلة واحدة، للردّ على خصومه من مرشحي الرئاسة عن الحزب الجمهوري، مذكراً بأنّ «العالم يتطلع إلينا لفضّ النزاعات وتقديم حلول للقضايا الخلافية، وينبغي علينا عدم الركون لاستخدام عبارات قاسية او المناداة بتفعيل قصف جوي شامل، قصف السجادة، ضدّ المدنيين». وسخر قائلاً انّ ذلك الخطاب ربما يصلح للقفز على صدارة شاشات التلفزة «بيد انه غير فعّال على المسرح الدولي».
كما انتقد المرشح الرئاسي دونالد ترامب متحاشياً ذكره بالاسم لتصريحاته التي «تستهدف فئات محددة نظراً لهويتها العرقية او انتمائها الديني، اذ انّ العالم يحترمنا ليس لترسانتنا العسكرية فحسب، بل للتنوّع الاجتماعي والانفتاح واحترام كافة المعتقدات والمقدّسات». وردّ ايضاً على دعوات «الساسة المهينة للمسلمين، لا سيما انّ استهداف وتخريب مسجد او تخويف الأطفال لا يجعلنا نشعر بالأمان».
كيري يحدّد معالم السياسة الخارجية
لم يشأ الرئيس أوباما المرور في خطابه على تفاصيل السياسة الخارجية لبلاده، لنزع فتيل هجوم خصومه في الأيام التالية وترك المهمة لوزير الخارجية جون كيري الذي أعلن مسبقاً عن نيته القاء خطاب مفصّل لمعالم السياسة الخارجية يلقيه في اليوم التالي أمام حشد منتخب من طلبة وقادة وأعضاء «جامعة الدفاع الوطني».
تناول كيري عدداً من القضايا «الأساسية» موضحاً انّ الجهود الرئيسة منكبّة على «التصدّي لنواة شبكات داعش في سورية والعراق، والتضييق على جهود الإرهابيين لإنشاء فروع تستخدم كمنابر إلهام للمجنّدين للقيام بشنّ هجمات في مناطق متعدّدة من العالم، بما فيها داخل الولايات المتحدة».
وأشاد كيري بما اعتبره «سلسلة إنجازات تحققت في العراق ضدّ داعش، والتي لا يمكن إنكارها أو التغاضي عنها لا سيما استعادة القوات العراقية بإسناد من قوات التحالف معظم أحياء مدينة الرمادي، وتحرير تكريت وعودة نحو مئة ألف مواطن سني إلى ديارهم والبدء بإعادة بناء بيوتهم». واستطرد في تعديد الإنجازات لتشمل مدينة سنجار والقضاء على بعض قادة التنظيم، وقطع خطوط إمداده، وحرمانه من نحو 40 من المساحات التي كان يسيطر عليها سابقاً.
في ما يخصّ الصراعات والتوترات الدولية، أعرب كيري عن أمله في التوصّل إلى علاقات تعاون أفضل مع روسيا مشيراً الى جهود بلاده «تشديد وتيرة غاراتها الجوية في شمال سورية، لتأييد شركائنا على طول الحدود المشتركة بين سورية وتركيا، ونوسّع مروحة التعاون مع آخرين في المنطقة، بمن فيهم روسيا».
إتيانه على ذكر روسيا بالتحديد من شأنه التمهيد لعقد جولة المفاوضات المقبلة بين الأطراف السورية في جنيف، كما كان مقرّراً في السابق، ومواكبة لتحوّل سياسي في التوجهات الأميركية بأنّ «التعاون البناء مع روسيا وإيران، في ما يخصّ سورية، أمر حيوي على طريق تحقيق تقدّم في المفاوضات».
احتلّت إيران وملفها النووي المساحة الأبرز في خطابه، بالتطابق مع التكهّنات السابقة، خصوصاً لبدء تحقق إنجازات ملموسة في هذا الشأن في ذلك اليوم بالذات، يوم إعلان روسيا تسلّمها 11.000 طنّ من اليورانيوم المخصّب لإخراجها خارج الأراضي الإيرانية. وأبدى كيري ارتياحاً ملحوظاً عند إعلانه بأنّ «إيران ماضية في طريقها لتفكيك مكوّنات حساسة من منشآتها النووية. بالأمس أخبرني وزير الخارجية، ظريف، انّ مفاعل أساسي لتخصيب اليورانيوم أضحى خارج الخدمة الفعلية وخلال الساعات المقبلة سنشهد طمره بالاسمنت المسلح وتدميره».
اتساقاً مع الرئيس أوباما في خطابه الليلة السابقة، لم يشأ كيري تناول اعتقال البحارة الأميركيّين من قبل إيران وحجز قاربيْهما الحربيّين، ربما كي لا يستبق الترتيبات التي كانت جارية للإفراج عنهم جميعاً في غضون 24 ساعة، وأيضاً لتفويت الفرصة على الخصوم السياسيين لاستغلال الأزمة لتقويض التقدّم في الملف النووي.
الإعداد لخطاب الوداع
أوكلت مهمة الترويج لمحتوى الخطاب لرئيس طاقم موظفي البيت الأبيض، دينيس ماكدونو، الذي يتمتع بثقة عالية من قبل الرئيس أوباما، لا سيما وهو الذي يُنسب إليه التحدّث مع أوباما على انفراد، في باحة البيت الأبيض، للموافقة على «صفقة» الأسلحة الكيميائية السورية مقابل وقف العدوان الأميركي المباشر. ماكدونو استبق الخطاب بالإفصاح عن «لهجة وإجراءات رئاسية جريئة» يعدّ لها الرئيس أوباما.
وعقد ماكدونو لقاء صحافياً على مأدبة افطار لطمأنة المشكّكين بمبادرة الرئيس وإقدامه على اتخاذ قراراته الخاصة نظرا لإحجام او فشل الكونغرس في استصدار تشريعات محدّدة، لا سيما في ما يخصّ تعديل نظام الهجرة، وملفات أخرى يعتبرها البيت الأبيض من أولوياته.
وقال امامهم بصفة الجمع «سنقدم على اتخاذ قرارات رئاسية جريئة على امتداد ما يتبقّى من زمن في العام الأخير للرئاسة، انني على ثقة تامّة بذلك، انطلاقاً من الالتزام التامّ بضوابط العملية الجارية والتي تحدد ما يمكن المرء فعله» بصورة تضمن عدم تدخل الكونغرس لاحقاً لإخراجه من الخدمة.
كان لافتاً لتفاعلات ماكدونو المفعمة بالتفاؤل انّ الرئيس أوباما يعوّل على تحقيق الحزب الديمقراطي فوزاً انتخابياً يعينه على التصدّي للحزب الجمهوري، خاصة انّ عدداً من مرشحيه للانتخابات الرئاسية أطلق وعوداً بإبطال مفعول قرارات الرئيس أوباما فور تسلّمه مهام المنصب.
في ظلّ خريطة صراع وتحدّي متواصل بين الرئيس أوباما وخصومه من الحزبين، أضحى مستقبل إرثه السياسي وما يمكنه من توريثه لخلفه المرشح الديمقراطي يعتمد على حكمة وتعقل استخدامه لحقه الرئاسي في إصدار «أوامر رئاسية» تتخذ مفعول القانون عوضاً عن استصدار تشريعات بذلك، قبل مغادرته البيت الأبيض. وعليه، ستحدّد تلك الإجراءات المنتظرة ليس وجهة الإرث السياسي فحسب، بل ديمومة القرارات الرئاسية التي عادة يلجأ اليها الرؤساء الأميركيون عند الضرورة.
على ضوء ما تقدّم من خلفية، باستطاعة المرء القول انّ الرئيس أوباما يعدّ «لمنصة انطلاق» لفترة رئاسية ثالثة، انْ جاز التعبير، والذي لا يسنده الدستور، بل في سياق التوطئة لفوز رئيس من الحزب الديمقراطي يحافظ على «إنجازات» الرئيس أوباما المجسّدة بقراراته الرئاسية.
يدرك أوباما قبل غيره قلق القواعد الانتخابية للحزبين وميلها للإقلاع عن دعم قرارات رئاسية خارج السياق المتعارف عليه بين توافق السلطتين، التشريعية والتنفيذية. وجسّد ذلك في إشارته أثناء الخطاب الى «خشية الأميركيين من التحديث وتطوير الأساليب»، على خلفية تفجر أزمة الأجهزة البيروقراطية للدولة بملاحقة مجموعات معينة: هيئة الضرائب المركزية ضدّ منظمات محسوبة على تيار المحافظين هيئة إدارة شؤون المحاربين القدامى وإهمالها العميق لرعاية المرضى مما ادّى إلى وفاة عدد منهم وهم في حالة الانتظار فضلاً عن تقلّبات سوق الأسهم والخسائر التي لحقت بالمساهمين دون ان تطال كبار أصحاب رؤوس الاموال.
إدارة حالة الغضب الشعبي الواسعة قد تفضي الى تقليص آفاق ولاية الرئيس أوباما متفوّقة بذلك على القرارات الرئاسية المرتقبة، او السياسة الخارجية، او الزهوّ ببعض الإنجازات في عملية تشريع القوانين.