الانتخابات الرئاسية… طيف الأسد

هتاف دهام

ليس هناك من شك في أن دخول سورية في أزمتها الحالية منذ 15 آذار 2011 أدّى إلى انشغال قيادتها وتفرّغها للتصدي للمؤامرة الكونية التي شُنّت عليها ولا تزال… وهذا الأمر ترك إلى حد كبير فراغاً استراتيجياً مؤثراً، حيث كان لسورية ثقلها الإقليمي الوازن، لكن نجاح دمشق في صد هذه المؤامرة وبقاء رئيسها في موقعه المؤثر على مستوى المنطقة وتكامل الأدوار بين القوى المجسّدة لحلف المقاومة، سمح باستمرار حضورها الاستراتيجي عبر حليفها الأول حزب الله، وإن كانت الدولة اللبنانية ضربت عرض الحائط كل الاتفاقات الموقعة بين الدولتين والتي كان من الممكن أن تساهم في تجاوز الكثير من الأزمات بين البلدين.

إنّ وحدة الجبهة اللبنانية السورية في مواجهة العدو «الإسرائيلي» بقيت قائمة وأصبحت أكثر عمقاً وتبادلية، ونجاح الجيش السوري بالحفاظ على أسلحته الاستراتيجية بقسمها الأكبر وحضوره المؤثر في الجبهة الجنوبية بالشراكة مع حلفائه وقطع الطريق على المسلحين في ثنائية شبعا – بيت جن من إحداث خرق كبير بالتعاون مع «الإسرائيلي»، أكد استمرار الحضور السوري في لبنان، ومن الأدلة الفاعلة على هذا الحضور الانتخابات الرئاسية السورية التي جرت في 28 أيار 2014 والتي أظهرت زيف وكذب كل ما قيل عن أن النزوح السوري في لبنان هو ورقة في يد أعداء الرئيس الأسد وليس لمصلحته.

لقد أعادت موازين القوى في الميدان منذ الدخول الروسي إلى سورية في 30 أيلول الماضي، لتنقلب بشكل دراماتيكي معززة قوة الرئيس الأسد على رأس سورية ومذكرة أعداءه بعودة طيفه إلى التأثير في أزمات الجوار وأكبر دليل على ذلك أن حليفين للأسد رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية قد طُرحا كمرشحين لرئاسة الجمهورية في لبنان خلال أقل من شهر، وتمّت تسميتهما من خصمين للأسد فرئيس تيار المستقبل سعد الحريري بإيعاز سعودي طرح بشكل جدي انتخاب النائب فرنجية رئيساً للجمهورية، ورئيس حزب القوات سمير جعجع، المعروف بعداوته لسورية، أعلن في مؤتمر صحافي من قلعته في معراب تبنّيه ترشيح الجنرال عون، وهذا دليل حقيقي على السياق الذي تسير به تطورات المنطقة.

وإذا كان الرئيس الأسد قد بعث برسالة للجنرال عون في أيلول الماضي دعاه فيها إلى الصمود قليلاً، عازياً السبب إلى أنّ التطورات في المنطقة تسير لمصلحة محور المقاومة، ويُقال إنّ الوزير فرنجية التقى الرئيس الأسد قبل ذهابه إلى باريس وبعد عودته، فإنه من خلال منحى التطورات السياسية والميدانية في المنطقة، والاتجاه الذي تسير به، لن يمرّ وقت طويل قبل أن يتكشف للجميع من حلفاء وخصوم أنّ الرئيس الأسد هو الفاهم العميق لأسرار المنطقة وكلمات السر فيها وتطوراتها، ولن يتأخّر كثيراً عن استعادة موقعه المؤثر في المنطقة وأزماتها.

لكن رغم الموقع الجيوسياسي لسورية والذي يخوّلها عبر التاريخ أن تكون عنصراً محورياً في صنع الأحداث والخيارات الكبرى في المشرق، وهي لا تزال كذلك وستبقى، لأن هذا هو حكم الجغرافيا السياسية، غير أن الرئيس السوري ومن ضمن توزيع المهام والأعباء داخل حلف المقاومة قد ترك لحليفه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الاهتمام بالجزء اللبناني من مهام هذا الحلف بالتنسيق والتشاور اليومي والدائم بينهما، كما تقول مصادر مطلعة لـ»البناء».

يستعيد كثيرون من خصوم «سورية الأسد» الحقبات الرئاسية السابقة، ويسترجعون مسار هذا الاستحقاق بإعلان الرئيس الراحل حافظ الأسد عام 1995 قرار التمديد للرئيس الراحل الياس الهراوي لثلاث سنوات في حديث مع جريدة «الأهرام» المصرية، ووصول الرئيس العماد اميل لحود الذي كان خيار الرئيس حافظ الأسد بإجماع شعبي وسياسي لا مثيل له، ومن ثم التمديد له بإصرار من الرئيس بشار الأسد، برغم صدور القرار 1559 لمنعه من ذلك، كونه الرئيس المقاوم وصاحب المواقف المبدئية الثابتة في خط المقاومة. أما انتخاب الرئيس السابق ميشال سليمان صاحب إعلان بعبدا والنأي بالنفس ، فأتى من ضمن توافق إقليمي مصري ـــ قطري ـــ سوري، ولم يحظ بأيّ فرصة للتمديد كونه تخلّى قبل نهاية ولايته عن توافقيته وانحاز إلى جانب خصوم سورية.

يعترف هؤلاء بفشل رهاناتهم الإقليمية والغربية في عزل الأسد ومنعه من الاضطلاع مجدداً بدور صانع الرؤساء في لبنان، فما يجري حالياً من تصدّر حليفيه الاستراتيجيين جنرال الرابية وبيك بنشعي الترشيحات الرئاسية يدحض زيف سياساتهم وإنْ كان الرئيس السوري ونظيره الإيراني حسن روحاني أبلغا كلّ من يعنيهم الأمر بأنّ يذهبوا إلى الضاحية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى