عاصفة تونس.. ثورة الجياع
نظام مارديني
ليس هنالك اليوم في تونس من يقدِّر حجم الكارثة المُحدقة بالبلاد وما ينتظر تونس من مخاطر في المستقبل القريب، وسط هذه الضبابية التي تحيط بالمشهد الاحتجاجي بكل مجالاته المختنقة بالأزمات الحافلة، سواءٌ على المستوى الأمني المرتبك والذي لم يهدأ منذ سقوط بن علي، أو تلك المرتبطة بالفساد والبطالة والضائقة المعيشية.
ومع إدراكنا الأكيد والمتوقع أن الاحتجاجات سوف تستمر بهذا المنزلق الخطر إلى ما لا نهاية بوجود حكومة الحبيب الصيد الضعيفة والمرتبكة والمرتبطة بالمصالح الأميركية والإقليمية، سواءٌ كتشكيلة حكومية، وقد دخلها من الباب الواسع سفير تونس في الكيان الصهيوني فترة المخلوع بن علي. ومع هذا الانفلات الأمني والعسكري الخطر، تقترب تونس أكثر فأكثر من حافة الضياع والسقوط المحتم الذي لا يستطيع أحد أن يتبيّنه الآن لا في الحكومة ولا في الأحزاب الفاسدة المتنفّذة على القرار السياسي والمشغولة بنهب ما تبقى من ثروات البلاد، ولا على المستوى الشعبي والمدني والديني بعد أن أصبح الجميع يبحثون عن قارب النجاة الذي ينقذهم من محنة آخذة بالتعقيد والتشابك والمستقبل المجهول الذي ينتظر التوانسة.
لم تكن هذه الاحتجاجات الشعبية المطالبة بمكافحة الفساد المستشري في أغلب مؤسسات الدولة وبإصلاحات سياسية واقتصادية، وليدة الصدفة بل كانت نتيجة حراك يفور إثر تراكمات من الإهمال والإقصاء والانشغال عن مشاكل التوانسة الذين يعيشون ضائقة معيشية عالية زادت خطورتها بنسبة البطالة في صفوف الشباب والتي بلغت أكثر من 15 .
لقد بات جلياً أن الصيد الذي وقع بين مطرقة مطالب المحتجين المتزايدة، وسندان فساد مستشرٍ في دوائر الدولة، قد أذعن للمحور الأخير الأكثر سقوطاً في المشهد التونسي من دون الإدراك بأن الفوران الشعبي في زمن متقلب، قد يطلق العنان لغضب عارم لن يستثني أحداً من المتحكمين.
فهل ستخرج الاحتجاجات في تونس من إطار أزمة البطالة والجوع والفساد لتتحوّل إلى حركة احتجاج سياسي مطالبة بالتغيير بعد سيلان الدم في الشوارع؟
وهل تشكل بداية النهاية لأزمة الحكم وتعفُّن نظام المحاصصة، أم هناك حزمة إصلاحات جديدة يجب أن تُضاف إلى القرارات التي تعهّد وزير المالية بتطبيقها في المناطق التي تُعَدّ أقل حظاً في التنمية في الشمال الغربي والوسط الغربي والجنوب؟
لا شك في أن هواجس الفقر وانعدام فرص العمل ستبقى تظلّل أي منجَز على الصعيد السياسي والاقتصادي، والاحتجاجات ستتواصل في كل مكان، رغم أنه يغلب عليها، الطابع العاطفي والتحرك بوحي من ردود أفعال، سواءٌ على خلفية أعمال قمع ترتكبها الحكومة، أو سياسات اقتصادية فاشلة ألحقت الضرر بقطاعات واسعة من المجتمع التونسي.