الجسد والروح والإنسان بين صلاة وصوم

الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسّون

مفتي الجمهورية العربية السورية

نعيش شهر رمضان المبارك شهر الخير، فيما يتحدث الكلّ عن الكفر والتكفير، والعبادات في كلّ رسالات السماء ليست حاجة إلهية، إنما هي حاجة إنسانية، فالصلاة هي طهر للعقل والقلب النور، الصلاة هي أن آخذ شحنة الإيمان والنور حين أقف في حضرة الله، فما من شريعة إلا فيها أقم الصلاة، كما ورد لسيدنا إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة، وعندما نقول إنّ الأركان في الدين هي تكليف، أقول لا، وأقول لمن قال إنها تكليف عودوا إلى أصل الحقيقة لتجدوا أنها تشريف، فالجسد الذي يحتاج إلى طعام وشراب وغذاء، تقابله روح تحتاج إلى غذاء روحي ونوراني، فالله حين خلق الإنسان من طين، كان غذاؤه من الأرض، وحين نفخ فيه الروح كان غذاؤها من نور، لأنّ الروح من نور الله عز وجل، لذلك قال الله للنبي والأنبياء أقيموا الصلاة من أجل ذكري، أيّ أقم الصلاة لتذكرني وأذكرك، فالصلاة جلسة مع الله عز وجل تفيض فيها الروح بأنوار العطاء الإلهي، وكذلك الصوم، فما من أمة إلا فيها صيام، بل ما من مخلوق خلقة الله إلا وله صيام، فهناك صيام الجسد ليمسك عن شيء يعتاد عليه، فالحيوان الذي ليس عنده تكليف، يجعله الله ينام أياماً وأسابيع في العام من دون طعام، حتي يتطهّر أو ينظف جسده من الطعام الترابي.

أما الإنسان فقد جعل له الله صوماً وصياماً، الصوم امتناع الجوارح عن إيذاء الغير، فهناك صوم العين وصوم اللسان وصوم الأذن والفرج واليد والرجل عن كلّ مؤذ للحياة، وهناك صوم عن الطعام، فكلّ من عنده صوم عنده صيام، وليس كلّ من عنده صيام عنده صوم، فكما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش»، وعندما قالت أمنا مريم: «إني نذرت للرحمن صوماً» فجاء بعدها «فكلي واشربي وقري عيناً»، فجاء هنا – أي الصوم – أي سأمتنع عن الكلام والجدال والحوار مع الآخرين، لأنني أحمل رسالة ستثبت شخصيتها في ما بعد، لذلك نحتفل في العالم الإسلامي كثيراً بالصيام ونسينا الصوم الذي هو روح الصيام، فمن صام من دون صوم فصيامه صيام الأجساد الذي لا روح فيه، فأرجو من الله عز وجل أن نتنبّه إلى أنّ شهر رمضان في كلّ أيامه أسرار، ففي أوله نزلت صحف إبراهيم وفي ثلثه نزل الإنجيل والتوراة وفي آخره نزل القرآن، كما في حديث رسول الله مسند لأحمد بن حنبل، أنّ كلّ كتب الله نزلت في رمضان، فكلّ غذاء العقل والروح الذي يعلمنا صوم اللسان والفكر عن الذنوب أنزل في رمضان، فمالنا تركنا الصوم ولحقنا الصيام.

لننظر إلى قنواتنا الفضائية في العالم العربي والإسلامي التي تمتلئ بها الساحات، كلها صيام بلا صوم، فحين يخرج عدد من العلماء في أيام الصوم ويكفّرون بعضهم، ويؤذون بعضهم، ويتحدثون بالسوء عن بعض، لو شعروا بكرامة وعزة الصوم، لانتصروا أولاً على أنفسهم، فالصوم يجعلك تنتصر أولاً على حواسك، بينما بالصيام تنتصر فقط على بطنك، ومن هنا حين صام الصحابة من قلبهم انتصروا في بدر، وفتحوا مكة، وجاءت معركة عين جالوت في رمضان لأنه كان صوم حقيقي من كلّ الجوارح، ويوم حرب تشرين في رمضان اتحدت مصر وسورية والعرب في موقف واحد وكسرنا الجيش الذي لا يُقهر، فكان الصوم حقيقياً، وجاء معه الصيام.

هكذا أيضاً حال الزكاة، فالمال الذي جعله الله أمانة عندنا وليس تملكاً حقيقياً، لأنّ الملك كله لله، حين أخرجه للمسكين والفقير والمحتاج فإنما يجب أن أخرجه ليس تفضلاً مني، وإنما قال الله تعالى: «ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً»، أي أعطي وأطعم من مالي وأنا أحب الله والفقير، لأنّ الفقير كان طريقي إلى الله، فهذا الفقير وأنا أعطيه الصدقة لو استطعت أن أقبّل يده لفعلت ذلك، لأنه يأخذ مني آثاماً ويمحو عني آثاماً هي البخل والبغضاء والضغينة، بالزكاة عندما صار هذا الفقير محبوباً لديّ صرت محبوباً لدى الله.

كذلك ركن الحج، لو استطعنا أن نفهم سرّه في وحدة الأمة لاختلف حجنا عن حج الأحجار، فالكعبة التي نذهب لنطوف بها هي مقدسة، لا شك في ذلك، ولكن قطرة دم مؤمن أفضل عند الله من ألف كعبة، فلأولئك الذين يقفون في الحرمين الشريفين وينظرون إلى العالم الإسلامي قتلاً وتكفيراً، أقول إنكم جلستم في الحرم يا عباد الحرمين، وتركتم الجهاد الحقيقي، فالجهاد الحقيقي ليس قتل البشر إنما حياة الناس، فأين أنتم من أفريقيا والصومال ومنيمار، وأين أنتم في سورية وفلسطين، لسفك الدماء تجمعون الأموال وترسلون السلاح، أي كعبة بقيت لكم وأي مدينة بقيت لكم في الحج، وأنتم قد سفكتم دماءكم وانتهكتم أعراضكم ودمّرتم بلادكم، وتذهبون للحج يقول رسول الله «من حج لم يرفث ولم يفسق» والرفث والفسق هي ذنوب اللسان، فلا حج لصاحب الرفث والفسق.

إننا بحاجة دائماً للعودة إلى الأركان الإسلامية والشرائع التي كانت في جوهرها، تتضمّن كلمتين لا ثالث لهما، قداسة الديّان الإله الواحد وكرامة الإنسان المخلوق المعظم عند الله الذي سجدت عنه الملائكة، هذا هو جوهر الرسائل السماوية، اهدنا السراط المستقيم سراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، أمين والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى