أحمد دوابشة… سيخبرونه بالمحرقة وتحرقنا الأسئلة
بعدما قرّرت عائلة دوابشة إخبار ابنها أحمد، الناجي الوحيد من أفراد الأسرة التي قامت قطعان المستوطنين الصهاينة بحرقهم وهم نيام في منزلهم الكائن في بلدة دوما جنوب شرق نابلس أواخر تموز الماضي، في مشهد هزّ ضمير الإنسانية جمعاء، وعبّر بكل وضوح عن العقلية الإجرامية البشعة التي لطالما كانت وما زالت منبعاً للتطرّف وأساساً للنهج الذي سار عليه أبشع احتلال في العالم، هذا الاحتلال القائم على القتل والإبادة والتشريد والنفي والاستيطان وهدم البيوت وتزوير التاريخ والتهويد. فقد بدأت العائلة، وبالاستعانة باختصاصيّ نفسيّ واجتماعي الذي اعتبر بدوره أن الوقت قد حان ليعرف أحمد الحقيقة عن مصير والده سعد ووالدته رهام وشقيقه الصغير علي، بسرد فصول الجريمة على مراحل ليتسنّى له استيعاب ما حلّ بأسرته التي كان دائماً يسأل عنها باستمرار، ويفتقدها أثناء مكوثه في المستشفى .
نعم، سيعرف أحمد ما حلّ بأسرته. ولنا أن نتخيّل حجم الدهشة في عينيه البريئتين وهول المأساة التي ستحرقه ثانية، ووقع الكلمات على وعيه وإدراكه الغضّ، ومحاولته المضنية والمؤلمة للإمساك بأطراف معانيها. لنا أن نتخيّله وحيداً وسط هذا الركام الأسود من المشاعر.
لنا أن نتخيّل كلماته عن الهدايا والألعاب التي أُرسلت اليه، وكيف خبّأها وحافظ عليها من أجل أن يشاركه شقيقه الشهيد علي اللعب بها، وحقيبة المدرسة التي انتظر أن تملأها له أمه بالدفاتر والأقلام والألوان، فهي لن تتسع بعد الآن إلا لدفتر واحد عنوانه العدالة، وقلم واحد لن يكون بمقدوره أن يرسم به قوس قزح .
لنا أن نتخيّل ولنا أن نشيح بوجوهنا من أمام عينيه. وله أن يسأل: «لماذا أحرقونا؟ ومن هم؟ وكيف؟ وأين ضمير العالم؟ وإلى متى سيبقى هذا الاحتلال جاثماً على صدورنا؟ ومَن هو التالي؟ وماذا أنتم فاعلون؟»!
نعم، له أن يسأل، وعلينا ألّا نهرب من أسئلته الحارقة، بل أن نحملها ونلقيها في وجه هذا العالم. في وجه دعاة حقوق الإنسان وحرّية الشعوب، أن كفى .
لك الله يا أحمد، ولك شعبك أباً وأمّاً وأخوة. فأنت الشاهد والمشهد.
يا اسم العيون ويا رخاميّ الصدى
يا أحمد المولود من حجر وزعتر
ستقول: لا
ستقول:لا
ستقول:لا
شفيقة منصور