صحافة عبريّة
أعلن المستشار القضائي للحكومة «الإسرائيلية»، يهودا فاينشطاين، يوم الثلاثاء الماضي عن إغلاق التحقيق ضد رئيس أركان الجيش «الإسرائيلي» الأسبق، غابي أشكنازي، في القضية المعروفة بِاسم «قضية هارباز» أو «وثيقة هارباز».
وأدّى إغلاق التحقيق إلى فتح هذا الملف من جديد في صحف «نهاية الأسبوع» العبرية الصادرة أمس الجمعة. وأجمع المحللون على أن هذه القضية، التي استمرت خمس سنوات ونصف السنة، منعت أشكنازي من دخول الحلبة السياسية، وحتى أن هناك من يدّعي أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الجيش في حينه، إيهود باراك، افتعلا هذه القضية، وأن باراك اتهم أشكنازي بتنفيذ «انقلاب عسكري غير مسلّح»، فقط من أجل منع وصول أشكنازي إلى منصب رئاسة الحكومة.
بدأت «قضية هارباز»، على اسم ضابط سابق في الجيش «الإسرائيلي» يدعى بوعاز هارباز، وبعد تسرّحه أصبح تاجر سلاح، بالكشف عن وثيقة في «القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي»، عام 2010. وكانت العلاقة بين باراك وأشكنازي متوترة في هذه الفترة. الرواية الرسمية تحدثت عن أن باراك رفض تمديد ولاية أشكنازي في رئاسة الأركان لسنة إضافية. الرواية الثانية، غير الرسمية والأصحّ، أنّ أشكنازي عارض خطة باراك ونتنياهو بضرب إيران.
نتنياهو وباراك قرراً تعيين قائد الجبهة الجنوبية، يوءاف غالانت، رئيساً لأركان الجيش وخلفاً لأشكنازي. «وثيقة هارباز» تحدثت عن مساوئ غالانت وشوهت صورته أمام الجمهور، بعد النشر في القناة الثانية. رغم ذلك، بقيت نسخة عن هذه الوثيقة محفوظة لدى أشكنازي وضباط آخرين مدى أربعة شهور على الأقل، ولم يتحدث هؤلاء الضباط حولها في العلن، ولا مع باراك أو نتنياهو.
على هذه الخلفية اتهم باراك أشكنازي بأنه أراد، كقائد للجيش، القيام بانقلاب غير مسلح ضد القيادة السياسية، بمنع تعيين غالانت خلفاً له.
وكتب محلل الشؤون الحزبية في «القناة الثانية» عاميت سيغال، في صحيفة «ماكور ريشون» العبرية، أن باراك أنهى حياته السياسية كنتيجة مباشرة للمواجهة مع أشكنازي. وأشكنازي نفسه نجح بتبذير الاعتماد الهائل الذي تمنح إياه الرتب العسكرية بسبب صِدام مع باراك لا أهمية سياسية له.
ويشار إلى أن فتح المحللين ملف هذه القضية نابع من البحث عن مرشح لرئاسة الحكومة ينافس نتنياهو ويتغلب عليه، ولأن أشكنازي كان، وربما لا يزال، المرشح المفضل. كذلك فإنه بمجرد إعلان فاينشطاين عن إغلاق التحقيق، سارع رئيس «المعسكر الصهيوني»، يتسحاق هرتزوغ، ولابيد إلى تهنئة أشكنازي والسعي لضمه إلى أحد الحزبين.
لكن سيغال اعتبر أن ثمة شكاً كبيراً في أن يشارك أشكنازي في الانتخابات العامة المقبلة. فقد كشفت «قضية هارباز» إشكاليات كبيرة في أدائه وليست ملائمة لمن يريد الوصول إلى رئاسة الحكومة. لقد تخاصم مع مجموعة مؤثرة من الصحافيين، التي لن تتركه وشأنه، وأظهر هلعاً من الهجمة الإعلامية عليه.
وأضاف سيغال أنه من الجائز أن ينضم أشكنازي إلى لابيد كرقم اثنين أو أن ينافس على رئاسة حزب العمل، والفوز هنا مضمون. لن تمنع قضية هارباز، وبضع ملاحظات قالها المستشار القضائي، أشكنازي من أن يكون رئيساً للحكومة. «ما سيمنعه من الوصول إلى المنصب هو أداؤه، الذي شهدنا قسماً منه في السنوات الأخيرة».
ربما يكون تحليل سيغال خاطئاً أو حتى مضللاً، لأنه يكتب في صحيفة يمينية ومؤيدة لنتنياهو، الذي بدأ يخطط بعد فوزه في الانتخابات الماضية كيف سيحقق فوزاً في الانتخابات المقبلة. لكن استطلاعاً نشرته صحيفة «معاريف» العبرية، غير المتهمة بدعم نتنياهو، أظهر أن دخول أشكنازي إلى الحلبة السياسية، من خلال أحد أحزاب الوسط ـ يمين، أي «العمل» أو «المعسكر الصهيوني» أو «ييش عتيد»، لن يوصله إلى كرسي رئاسة الحكومة، وأن معسكر اليمين بقيادة نتنياهو سيبقى متفوّقاً.
وتبيّن من الاستطلاع أنه في جميع الأحوال سيبقى حزب «الليكود» الحزب الأكبر. وفي حال انضمّ أشكنازي إلى «ييش عتيد» فإن قوة هذا الحزب سترتفع من 11 نائباً في «الكنيست» إلى 19 نائباً، ويبدو أن هذه المقاعد سيأخذها من حزبَي «المعسكر الصهيوني» و«كولانو» برئاسة موشيه كحلون.
أما في حال خاض أشكنازي الانتخابات المقبلة من خلال حزب «كولانو»، مع كحلون والوزير السابق غدعون ساعر، فإن قوة «كولانو» لن تزداد سوى بنائب واحد، من 10 إلى 11.
وتوقّع الاستطلاع أن تتراجع قوة «المعسكر الصهيوني» في جميع الأحوال من 24 نائباً إلى 18 نائباً، لكن في حال خاض أشكنازي الانتخابات من خلاله فإن التراجع أكبر وستحصل هذه الكتلة على 17 نائباً.
ورأى رئيس تحرير «معاريف»، بن كسبيت، أن جريمة أشكنازي الوحيدة كانت أن شخصاً ما اعتقد أن بإمكانه أن يكون مرشحاً جيداً لرئاسة الحكومة، متهماً بذلك باراك ونتنياهو.
وبحسب كسبيت، فإن «وثيقة هارباز» ليست هي التي منعت تعيين غالانت رئيساً للأركان، «فقد جرى تعيين غالانت رئيساً للأركان ولم يمارس مهامه لأن نتنياهو وباراك تراجعا عن التعيين بعد نشر وثيقة هارباز. والوثيقة سرّعت التعيين، الذي صادقت عليه الحكومة. ومن أحبط تعيين غالانت هو غالانت نفسه. فحتى الآن لم يُعِد غالانت عشرات الدونمات التي استولى عليها من الدولة بشكل غير قانوني».
لكن المحلل السياسي في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية ناحوم برنياع، يروي قصة مختلفة بعض الشيء. وكتب أن مركز التحقيق ضد أشكنازي كان ادّعاء باراك بأن أشكنازي وزملاءه تآمروا من أجل تنفيذ انقلاب من دون سلاح، نتنياهو وباراك أرادا، بحسب تقارير أجنبية، شن هجوم عسكري ضد إيران. وأشكنازي وزملاؤه اتفقوا على إحباط خطتهما. غالانت كان مرشح باراك لمنصب رئيس الأركان. أشكنازي وزملاؤه جمعوا مواداً من أجل إحباط التعيين وعملوا من أجل أن يفرضوا على الحكومة تمديد ولاية أشكنازي.
وأشار برنياع إلى أنه في «إسرائيل» يصعب اتخاذ قرار بمهاجمة إيران من دون موافقة القيادتين العسكرية والأمنية، لأنه إذا تسببت العملية العسكرية بخلافات، أو تعقدت أو فشلت، فإن السؤال الأول الذي سيطرح هو ماذا قالت المستويات المهنية، ماذا قال رئيس الأركان ورئيس «الموساد» ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، وماذا قال رئيس «شاباك». هم المظلة التي تحمي القيادة السياسية من العاصفة التي ستحدث بعد ذلك.
وأردف برنياع أنه في النقاش حول إيران، رؤساء أذرع الأمن لم يكونوا مستعدّين لتزويد نتنياهو وباراك بهذه المظلة. وهذا هو تمرّدهم. ولم يكن هناك انقلاباً عسكرياً.