مَن تراه ينقذ سورية؟
صادق النابلسي
يمضي الرئيس الأسد بعد انتخابه لولاية جديدة نحو توطيد دعائم الدولة الوطنية ومحاربة الإرهاب الذي انتقلت عدواه إلى مختلف دول المنطقة. يؤمن الأسد بأنّ المطلوب هو سدّ الثغر، من دون التنازل شعرة واحدة عن المبادئ الدينية والوطنية والقومية التي تفوّقت على المؤامرات الغربية والخيانات العربية والانتهازية الداخلية وفتاوى التكفير والكراهية السوداء. أصبح الشعب السوري أعمق إدراكاً لحياته وهويته وثقافته وحاضره ومستقبله مع الرئيس الأسد. من دونه سيكون العنف والتوحش الصورة الوحيدة المنقولة عن سورية. سيكون المجتمع السوري مجتمعات، والأرض السورية أراضي لإمارات ظلامية قروسطية، والتقسيم أمراً واقعاً لا محالة. سيذهب الرئيس الأسد بعد أيام كي يؤدي القسم تحت قبة مجلس الشعب وفي جعبته الكثير الكثير من التحديات والتطلعات. تحدّيات الخروج من الأزمة وتطلعات بناء الدولة على أسس جديدة. يحتاج ذلك إلى أن توضع غبّ الطلب مشاريع الإصلاح بحيث يكون الوطن ملاذاً للتعايش والتفاعل الإيجابي، يوفر لأبنائه الملجأ والحماية والآمان وما يحتاجون إليه من دعم اجتماعي يفتح قنوات الإبداع والتنافس في سبيل الارتقاء والتقدم. مَن تراه ينقذ سورية من موجة الوحشية غير الأسد؟ مَن تراه يعيد الألق والأمل والحب والوحدة والتضامن إلى الشعب السوري غير الأسد؟
أما «المعارضة» اللصوصية التي تبعث على السخرية والرثاء، فهي جماعة ذات خلفيات وطموحات شخصية وطائفية وعرقية متباينة. النموذج الذي تحاول أن تقدمه معادٍ للحرية، للإلفة، للتاريخ، للقيم، للمنطق. لذا لن تكون له حياة. يأتي ما يُسمّى «المعارضون» في «الائتلاف السوري» ليظهروا بشاعة المعروض من بضاعتهم السياسية. سورية التي كانت تنعم بفسحة من الاستقرار السياسي وتشكل واحة للتنوير الديني والثقافي والفكري في العالم العربي، فضلاً عن صمودها الأسطوري في وجه الغول «الإسرائيلي»، يريد أن يحوّلها ميشيل كيلو وأمثاله إلى ساحة للصهاينة ومرتعاً للمصالح الأميركية. من مسوّغات الذهول بل الجنون أن يكون هؤلاء «يحبّون وطنهم» وهم يطلقون العنان لمختلف أشكال التبعية لـ«إسرائيل» والغرب ويفرطون في التوسل إلى كلّ دولة تساعد في إدامة العنف وإزهاق الأرواح كي يصلوا إلى مآربهم! يا لها من «معارضة» بائسة باتت من فرط نزقها وقلة حيائها رمزاً للبشاعة. أحدهم اسمه ميشيل كيلو يشبه الرئيس ميشال سليمان عندنا. صدّق الأول مَن كذّب عليه أنّه سيصبح رئيساً لسورية بعد سقوط الأسد، وصدّق الثاني أنّ الغرب كلّه سيقف وراءه ليمدّد له ولو كلّف الأمر إسقاط محور المقاومة!
من الثقافة واليسار ومواجهة الإمبريالية والاستبداد إلى متعهّد «معايير» لدى التحالف الدولي ضدّ سورية. هكذا هو كيلو، استخدم كامل عبقريته السياسية والفكرية لتأويل وتبرير مسار الجماعات الإرهابية المسلحة التي أبلت بلاءً جيداً في دعم «الديمقراطية» في بلده! ولكي يصبح شريكاً موثوقاً في عملية «التغيير الديمقراطي» التي تعاني اختلالاً رؤيوياً وأخلاقياً ووظيفياً كان لا بدّ من التماس مساعدة غيبيّة ونفطية من ملوك وشيوخ «أم القرى». الرجل «الأممي»، رئيس «اتحاد الديمقراطيين السوريين»، يعيد قراءة أفكار هوبز السياسية على ضوء المتطلبات السعودية في مسعى لمنح الثقة للجماعة المعارضة التي ينتمي إليها وينتابها حالياً قلق من التحوّلات في موازين القوى الإقليمية والدولية، ومن الانهيارات في صفوف مسلّحيها ونخبة أفرادها الذين تزعّموا فاشيّات ريفيّة وإمارات همجية!
كيلو الذي قيل إنّه صرف وقتاً طويلا ًيفكر في بلده، لم يجد غير أنظمة ملكية قروسطية سخيفة، وتحالف إمبريالي متعجرف لمساعدته في إسقاط النظام الحالي، لكن ليس بالمجان، بل على أن يُستبدل كما يعلم هو علم اليقين بأنظمة، وفي تدمير دولة يُستعاض عنها بدويلات، وفي تقسيم شعب واستيلاد شعوب سهلة الانقياد والخضوع. يقدم كيلو الوهم الذي صنعته الإدارة الأميركية له ولأمثاله من المعارضين حول قدرة المواطنين السوريين وكفاءاتهم بالتحكم في رهاناتهم وخيارتهم السياسية. لا يرى في الانتخابات الرئاسية ديمقراطية، ولا في المشاركة الشعبية مثالاً حديثاً تتأسس عليه شرعية الحكم الجديد، لأنّ التطلب الديمقراطي بحسب الوصفة الأميركية يجب أن يتلاءم مع أشخاص يُعلنون استعدادهم لإيكال السيادة إلى الخارج، ويُظهرون الشجاعة لتسوية تصفية القضية الفلسطينية، وفك التحالف مع إيران وحزب الله، وبناء «رابط سياسي» تقع «إسرائيل» في وسطه. كيلو ورفاقه يراكمون قدراً كبيراً من التذمر على حصائل الأزمة. ثلاث سنوات والنتيجة خيبات متواصلة وتحلل مريع في أوساط «الائتلاف السوري» وتحالف الوحوش الدولي بزعامة الولايات المتحدة الأميركية الذي أعطى لنفسه الحق الحصري بمنح شهادات للدول في «الديمقراطية» و«الشرعية». سيقول هؤلاء جميعاً إنها فكرة رهيبة أن يبقى الأسد على رأس السلطة بعد هذه الحروب الخفية والمعلنة كلّها، وأنّ الانتخابات ليست سوى «مسرحية ذميمة متهافتة»، وأنّها «منزوعة الشرعية»، وأنها «إهانة مبرّحة للشعب السوري»، وغير ذلك من أقوال لا وجه لها سوى اليأس والإفلاس من مواجهة الديمقراطية بالديمقراطية. يقف كيلو ورفاقه اليوم بين حقيقتين شديدتي الاختلاف: «نريد الديمراطية ونرفض نتائج الانتخابات»! كيف يمكن لشخص بقامة كيلو «الثقافية» أن ينخرط في مسار النفاق الأميركي وهو العارف أنّ «الدمقرطة» كما يقول أحد المسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية «هي عملية يسيّرها أعضاء المجتمع، المواطنون… وإذا حاولت أميركا أو غيرها فرض زخارف الديمقراطية على بلد، فإنّ النتيجة لن تكون ديمقراطية ولن تدوم. والطريقة الوحيدة لكي تتجذر الديمقراطية هي أن تكون محلية الصنع». فما باله يفضل قوة مهيمنة غازية على إرادة شعبية حرة، فقط لأنها تجري عكس ما تشتهيه رغبته. وهو الذي دفع به مشهد الحشود الصاعدة إلى مقرّ السفارة السورية في اليرزة إلى حالة من الهذيان عندما صرّح بأنّ حزب الله عمد إلى تهديد السوريين اللاجئين في لبنان بأنّه سيقصف مناطقهم إذا لم يصوّتوا للدكتور بشار الأسد. مع كيلو وخلاّنه وآخرهما الجربا والبحرة في «الائتلاف»، يكتشف المرء أنّ السياسة لم ترتق إلى هذا المستوى من الأكاذيب والضحالة والغش والخداع إلاّ عندما بدأ زمن جديد من النزق والهذيان باسم «الثورة السورية» بقيادة «معارضين» على شاكلته!
الرئيس الأسد باق ملء الشمس، أمّا أنتم فتكفيكم بعض الفطائر الشهية في فنادق اسطنبول!