أين مصلحة الأردن مما يجري في الإقليم؟

محمد شريف الجيوسي

يذكّر تسارع الأحداث في المنطقة العربية ومحيطها، بما حدث في أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات من انهيارات متسارعة في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي، وهي الأحداث التي أسفرت في حينه عن ولادة نظام عالم جديد أحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وما أسفر عنه ذلك الانهيار من حروب وتشطير دول وحروب وصيرورة العالم أقلّ عدلاً وأمناً واستقراراً.

لكن العالم الآن يشهد انهيارات مختلفة، حيث يعيش الغرب أزمات اقتصادية وسياسية متفاقمة، من صنع يديه فقد أراد الغرب إقامة «شرق أوسط جديد» على مقاساته، قوامه دويلات طائفية ومذهبية وعرقية يسودها التناحر والفتن والاحتراب والعداوات والفوضى التي أسماها خلاقة، فإذا الإرهاب والهجرات تنقلب عليه وتعبر بواباته من دون إذن من أوسع بواباته.

وكان الغرب قد فتح جبهات عديدة في الدول الإسلامية السوفياتية سابقاً، وفي أفغانستان وأوكرانيا وحاول التضييق على الصين اقتصادياً.

وأراد استخدام النفط سلاحاً ضدّ روسيا وإيران وفنزويلا والجزائر، فإذا به يصبح سلاحاً ضدّ من عملوا على استخدامه من أميركان وعربان، بأكثر مما تضرّر الذين استخدم ضدّهم هذا السلاح، ذلك أنّ التابعين من مستخدميه لا يتوفرون على مصادر اقتصادية أساسية أخرى غير النفط، فيما المستهدف اقتصادهم على قدرة للتكيّف ولديهم صناعاتهم ومصادر أخرى.

وحاصر الغرب إيران بذريعة سعيها للحصول على سلاح ذرّي رغم أنّ من حق إيران وغيرها امتلاك هذا السلاح طالما أنّ هناك دولاً صديقة وعدوة تمتلكه فإذا بالحصار يرتدّ على المحاصِرين لها، فبعد نحو 13 سنة، استطاعت إيران خلالها من تكوين بنية سياسية واقتصادية وعلاقات دولية صديقة، جعلت الغرب رغم كلّ التبجّحات يقدم على مصالحتها والتسابق على ودّها ووأد مصالح التابعين له في الإقليم وإنْ كان الغرب لا يؤتمن جانبه ويحتمل تبييت غدر ما .

أرادوا تطويع اليمن بذريعةٍ مذهبيةٍ، واستعادة «الشرعية»، فإذا باليمن ينقل الحرب في جوانب منها إلى خارجه، وأصبح ممكناً أن يستعيد ما تبقى له من أراض يمنية خارجه، لم يتمكّن علي عبد الله صالح من استردادها، رغم أنه استعاد مساحات واسعة كانت ضمن السعودية.

وشنّوا على سورية حرباً دولية إرهابية ضروساً، عسكرية واقتصادية وإعلامية على مدى 5 سنوات… وما تزال تشنّ، لكن هذه الحرب رغم كلّ ما أحدثته من دمار للبنى التحتية والاقصادية، وما أسفرت عنه من شهداء وضحايا، أخذت ترتدّ على المخططين والمنفّذين لها، يوماً فيوم، وأسهمت في خلق عالم جديد، متعدّد القطبية ونشوء تحالفات واسعة جديدة، مناهضة للإمبريالية العالمية والعواصم الاستعمارية القديم منها والجديد، وما تختلق وتدعم من حروب وفتن ورجعيات.

ولم يكن العراق، خارج حسابات التآمر عليه، فدفعوا «داعش» لاحتلال مساحات واسعة منه، حتى كادت الدولة العراقية أن تسقط مجدّداً، لكنهم فشلوا الآن على نحوٍ لافت، ولم تنجح إلى حدّ بعيد محاولاتهم، ولم تجد تركيا أردوغان موطئ قدم لها في العراق. كما سعوا إلى خراب الجزائر لكنهم فشلوا.

لكن السودان كان خارج المعادلة الإيجابية، حيث قسّموه وأخضعوا ما تبقى منه لإرادتهم بأنْ أسهم في الحرب القذرة على ليبيا، وما آل إليه حالها بفضل أدواتهم الراهنة من عصابات إرهابية، لكن هذه العصابات لم تتمكّن من حسم الأمور لمصلحتها، رغم ما أحدثته من خراب فيها والآن أيّ السودان يتدخل في اليمن في حرب لا مصلحة له فيها، بل ستجرّ عليه مشكلات لاحقاً.

ولم يكن الكيان الصهيوني يوماً على غير ما جبل عليه من عداء للمنطقة العربية، ومن ضمنها الأردن، ولم يكن بعد معاهدة «وادي عربة» بأحسن مما كان عليه من عداء قبلها، بل إنه استغلّ المعاهدة أبشع استغلال، وأطلق مسؤولون فيه، المواقف والتصريحات الصريحة المعادية له، وما زالت نافذون فيه، بمن فيها نتنياهو، يعتبرون شرق النهر جزءاً من كيانهم العدواني، ويشكل رفض تل أبيب إقامة دويلة فلسطينية على الضفة وغزة والقدس الشرقية، تهديداً مصيرياً لأمن الأردن الاستراتيجي، ويحدث هذا وسط حماية غربية مطلقة وأميركية بخاصة.

السؤال، أين تقع مصلحة الأردن من كلّ ما جرى ويجري في المنطقة، فالأردن جزء من هذا الإقليم وأمنه من أمنه، ومصالحه الاقتصادية من مصالحه، واستقراره الديمغرافي من استقراره، وتكوينه الاجتماعي وإيماناته من تكويناته وإيماناته، وأمانيه وآماله الوطنية من آمانيه وآماله في التحرير والعودة.

والغرب أوروبياً وأميركياً، لا مواثيق له إلا بقدر ما تتفق مع مصالحه المتغيرة باستمرار، وهو طالما ولغ بالدم على مدى تاريخه بما في ذلك شعوبه وطوائفه ودوله، ولم يكن بالطبع أرحم تجاه الشرق من علاقاته ببعض، وما نرى من توافق راهن بين أطرافه، فلأنه يعتاش ويتفق على مصّ دماء شعوب أمتنا وغيرها واستغلالها، وعندما تصحو أمتنا من أغلالها، ويتوقف استغلالنا سنرى صراعاتهم أشدّ من حربيهما العالميتين الأولى والثانية.

ومع بدء افتقارهم، نرى كيف تخلوا ويتخلون عن الدول الضعيفة منهم، كما نرى توجهات لديهم للانشقاق، من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال… وعلى الطريق غيرهم.

إنّ ما يقدّمه الغرب للأردن وفي المقدّمة واشنطن من منح وقروض وتسهيلات، ويمنّون بها علينا ليل نهار، ويسمحون لأنفسهم بموجبها بالتدخل في الكثير من أمورنا، وبفرض وصفات صندوق النقد والبنك الدوليين التي تسهم في مزيد من الخراب الاقتصادي أكثر مما تُصلح بكثير، وبالصمت عن خروقات الكيان الصهيوني لمعاهدة «وادي عربة» رغم ما تنطوي عليه من إجحاف وبالعمل على العودة للمفاوضات العبثية الفلسطبينية ـ «الإسرائيلية» بعد أكثر من 20 سنة من المفاوضات العبثية التي لم تنتج غير مزيد من الاستيطان الصهيوني والأسرى حتى للأطفال والنساء والمرضى، وبناء جدار الفصل العنصري، والإفقار واجتثات المزروعات والقتل والتنكيل.

لم يصبح الأردن بنتيجة هذه السياسات والخدمات الجليلة التي قدّمها ـ سواء على صعيد الحرب على العراق سنة 2003، أو على صعيد العلاقات مع سورية منذ الحرب الدولية عليها وقبلها، ولا على صعيد الدخول في الأحلاف الدولية الإقليمية، وقبول اللاجئين من كلّ حدب طالما أنّ قبولهم يخدم مصالح الغرب ويشكل ضغطاً سياسياً على الدول المعنية، وقد يُستخدم بعضهم من قبل الغرب ضدّ أوطانهم، ويغطي الحاجة لعمالة عادية وفنية وأكاديمية في الغرب ـ لم يصبح الأردن أكثر ثراءً، أو أقل مديونية، ولا المواطن الأردني أحسن معيشة وأقلّ بطالة، بل اتسعت دائرة الفقر وأضحت الطبقة الوسطى في طريق التلاشي.

إنّ ما يمنّ به على الأردن أدنى بكثير مما يقدّم للغرب من خدمات، تضرّ بمصالحه وبمصالح أشقاء حقيقيين خارج دائرة النفوذ الغربي الأميركي الصهيوني، ولا تخدم في نهاية التحليل مصالح أصدقاء الغرب من العرب، بل تجلب عليهم مشكلات وأعاصير هم في غنى عنها ويمكن تجنّبها.

m.sh.jayousi hotmail.co.uk

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى