جعجع النبيل العربي

وليد زيتوني

ربما كان البند الأبرز من البنود العشرة التي أطلقها جعجع في المهرجان القواتي لترشيح العماد ميشال عون إلى سدة رئاسة الجمهورية. البند المتعلّق باعتبار «إسرائيل دولة عدوة». والذي اعتبره بعض المراقبين تحوّلاً قواتياً في الصراع العربي ـ «الإسرائيلي».

بالطبع لو لم يكن هذا الإعلان في برنامج انتخابي، وبالتالي حاصل نقاش بين التيار والقوات يهدف إلى عدم القطع مع القوى المقاومة وتحديداً مع حزب الله، لكان في هذا الطرح وجهة نظر أخرى، أما وهو على ما هو، فلا يمكن تصنيفه إلا في خانة المناورة المعهودة. فمسألة الانتخاب ومهما كانت أهميتها وضرورتها، ومهما تداخلت فيها العوامل الخارجية مع العوامل الداخلية على مستوى المصالح لا ترقى لأن تكون مسألة استراتيجية، بدليل أنّ الدول الخارجية لا تسعى إلى اتفاق حصري بهذه المسألة، بل اعتبرتها تحصيلاً لما قد يتمّ الاتفاق عليه في مسائل أخرى.

فمسألة الرئاسة اللبنانية هي تكتيك أو ربما أقلّ، فقد تصل إلى حدود ورقة ليست أساسية في المفاوضات الدائرة بين الدول الكبرى والإقليمية، تستفيد منها كمحطة سياسية أو أمنية، أو رأس جسر في مرحلة مقبلة، قيد الحاجة.

في الواقع، إنّ فعل الندامة، ليس موجوداً في العمل السياسي، وإنّ ساعات التخلي كذبة كبرى تفيد مصلحة المتحوّل أو المتبدّل أو المتقلّب. فالتحوّل الجعجعي لم يأت نتيجة لمراجعة نقدية تناولت التاريخ والمواقف والأسباب والنتائج، بل جاءت في لحظة مرتجلة تفيد العقل الأمني المتعجّل للوصول إلى أهداف يعتبرها داهمة. برغم الأهداف الواضحة لهذا الاتفاق في ما يتعلق بالتكتيك الداخلي ضمن الطائفة الواحدة، وبالرغم من الأهداف الجلية في ما يتعلق بشقّ صف 8 آذار.

فهو يسعى إلى تسجيل نقاط رابحة بيضاء لتاريخ أقلّ ما يمكن القول فيه إنه تاريخ دموي في الحرب الأهلية من مجزرة إهدن إلى الصفرا إلى صربا إلى تفجير الكنائس والكاتدرائيات في زحلة وسيدة النجاة في ذوق مكايل، واغتيال رئيس وزراء لبنان رشيد كرامي وبالطبع شخصيات أخرى. وهذا ليس تجنياً إنما استناداً إلى أحكام قضائية صدرت في حينه. وهو تاريخ لا يمكنه مطلقاً نفي العلاقة مع «عدوّه الجديد، إسرائيل».

معرض هذا الكلام ليس فقط للإضاءة على الماضي، بقدر ما هو حسب المثل الشعبي أنّ جعجع «رايح على الحجّ والناس راجعة». والدليل على ذلك تضمينه البيان الانتخابي نقاطاً تنقض بالفعل هذا التوجه المعلن الجديد. منها على سبيل المثال تبنّيه لمبادرة العاهل السعودي السابق للسلام مع هذا العدو. كما ضمّن البيان حصرية الأمن والسلاح للجيش على الأراضي اللبنانية، وهي مسألة متفق عليها مبدئياً في حال القدرة وتسليح الجيش والمحافظة على عقيدة هذا الجيش. إنما إيرادها بهذا الشكل يستهدف بالدرجة الأولى الغمز وعدم الموافقة على سلاح المقاومة، وتحديداً سلاح حزب الله كمواجه حقيقي وفعلي لعدوّه الجديد.

وطبعاً طرحه لهذا البند، لم يهدف إلى استرضاء السعودية وقطر. فالسعودية قد سبقته إلى التطبيع مع «إسرائيل» إلى درجة أن نتنياهو يعتبرها صديقة بل حليفاً استراتيجياً، ولعلّ باسترجاعنا للتاريخ من حرب اليمن والمشاركة في الحرب على سورية دليلاً قطعياً على هذه العلاقة. وقطر هي أول دولة افتتحت ممثلية تجارية علنية مع الكيان الصهيوني منذ زمن بعيد.

إنّ طرح جعجع «فليحكم الإخوان»، لا زال يُصمّ الآذان. وبذلك يكون قد انضمّ إلى جوقة الجامعة العربية وعلى رأسها نبيل العربي التي تعلن ما تريده السعودية وقطر عبر البترودولار. ربما الآن يلعب جعجع على الجانب القطري أكثر من لعبه على الجانب السعودي. لكن توزيع الأدوار يأتي من «الإسرائيلي» عبر المعلم الأميركي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى