أسرار خطيرة لقدرات إيرانية وراء احتجاز البحارة الأميركيين

تحوّلت الأولويات والاهتمامات السياسية سريعاً الى السباق الرئاسي وجولته المقبلة في ولاية ايوا، للحزب الجمهوري، في غضون أسبوعين من الزمن.

في المقابل، تراجعت معالجة حادث البحارة الأميركيين في المياه الإقليمية الإيرانية. سيستعرض قسم التحليل حيثيات وخلفيات «دخول الزوارق الحربية الأميركية المياه الإقليمية» لإيران، وتسليط الضوء على الجوانب التقنية المغيّبة التي تخصّ تنامي القدرات التقنية الإيرانية وإمكانية اختراقها لشبكة الاتصالات العسكرية الأميركية، خاصة في ظلّ تعدّد وتخبّط التصريحات الرسمية الأميركية لما حدث وكيف حدث، و«تجرّع» الإهانة بمشهد اعتقال البحارة راكعين.

«داعش» وتفعيل دول الاعتدال

حذر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية صنّاع القرار من تراجع تحالفاتها مع «الدول الاسلامية المعتدلة» في سياق الحرب على «داعش»، والتي ينبغي النظر اليها بمجموعها «كشركاء حيويين في المعركة ضدّ الإرهاب والتطرف»، انْ أرادت تفادي استهدافها في بلادها، بل «تغامر بسيطرة الحركة المتطرفة على دولة او مجموعة دول ذات أغلبية من المسلمين». ومضى في تحذيره من مغبة إقدام «الولايات المتحدة والدول الأوروبية على اتخاذ تدابير للتعامل مع المسلمين المقيمين فيها انطلاقاً من التعصّب الأعمى او التغريب مما سيعقد الأوضاع… كما أنّ استحداث حواجز أرضيتها المعتقد والديانة من شأنها تنفير المسلمين في كلّ من الغرب والدول الاسلامية برمّتها».

اشترك معهد الدراسات الحربية ومعهد المشروع الأميركي في دراسة للتوقف عند آفاق العمل والخطوات المحتملة التي قد تقدم عليها الولايات المتحدة «لإلحاق الهزيمة بالتهديد الآتي من تنظيم داعش في العراق وسورية». وشدّدت الدراسة على انّ كلا من تنظيم القاعدة وداعش «أبعد من ثمة مجموعات إرهابية، بل هما حركات تمرّد توظفان الإرهاب أسلوباً… بهدف الإطاحة بكافة الدول القائمة في العالم الاسلامي، ومن ثم لاحقاً شنّ هجوم على الغرب من موقع القوة». وحذر بالقول انّ مساعي التفرقة بين العناصر العاملة لكلا التنظيمين عن التنظيم الأمّ «ضرب من المستحيل». وشدّد على انّ كافة الخلايا والمجموعات المؤيدة «للقاعدة وداعش تطمح لنقل ساحة المعركة الى الغرب» كما في إنشاء دولة الخلافة العالمية.

استعرض القسم الثاني من الدراسة المشتركة المذكورة آفاق «الاهداف الاستراتيجية الأميركية في العراق وسورية»، مقارنة مع أهداف القوى الدولية الاخرى «إيران وروسيا وتركيا والسعودية». واوضح انّ «التقارب المصطنع لكافة تلك القوى حول مناهضة داعش يخفي خلافات أساسية في ما بينها والتي من شأنها تقويض شروط الأمن القومي الأميركي». واردفت الدراسة انّ دوافع دعم تركيا «للإخوان المسلمين ومجموعات اسلامية اخرى، بعضها يدين بالولاء للقاعدة، ينبع من نوايا الحزب الحاكم لإرساء نفسه كقوة اقليمية مستقلة تدين بالاسلام». اما السعودية، تمضي الدراسة بالقول، فإنّ «اهدافها تتشكل وفق نظرتها لما يتهدّدها من إيران علاوة على ازمة خلافة العرش المتصاعدة». وحثت الدراسة الولايات المتحدة المضي قدُماً بجهودها «لحلّ الأزمة السورية غير عابئة بتسليم مصيرها لشركائها».

مصر

استعرض معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ما اسماه بـ«انهيار قيادة تنظيم الاخوان المسلمين في مصر»، وتداعيات هروب ما تبقى من قياداته للمنفى، والصراع الداخلي الذي يتحكّم في وجهة قيادته الداخلية. واوضح انّ «الرجل الحديدي» محمود عزت نجح في الفرار الى تركيا، وإعلان نفسه نائب المرشد العام، وفي استراتيجية الحفاظ على شخصه كلفه «انهيار الانضباط الداخلي للتنظيم وتفجّر خلاف داخلي حادّ برز الى العلن منذ ربيع عام 2015… ورفض الكثير من أعضاء «الإخوان» مسرحية السلطة التي لعبها». ذكّر المعهد بأنّ عزت «كان مسجوناً مع سيد قطب»، وتبنّى أفكاره المتشدّدة والمتطرّفة «والدعوة القطبية لإنشاء تنظيم طليعي» سرّي منفصل عن التنظيم الأمّ. وأضاف انّ خلافات جديدة برزت في صفوف «الاخوان» بعد الإطاحة بالرئيس مرسي بين «مكتبي الاخوان في لندن واسطنبول»، اذ انّ الاخير «منح سلطة الإشراف على نشاطات الاخوان في المنفى، وما رافق ذلك المسعى من «ضغوط قواعد الاخوان على مكتب لندن… وما لبثت ان تجدّدت التوترات لتنفجر مرة اخرى وتصل الى العلن»، في اعقاب الدعوة للاحتجاج من أجل «اسقاط الجيش» في ذكرى 25 يناير/كانون الثاني. واعتبر المعهد «الانقسام داخل الاخوان هو انشقاق بين أجيال» متعاقبة تتصارع على «اهداف الجماعة واستراتيجيتها: الشباب يطالب بالسعي لتسلم السلطة الآن، و«القطبيون» يرونه مطلباً يتحقق على المستوى البعيد». وخلص بالقول الى انه بالرغم من توسط الشيخ يوسف القرضاوي بين الفصيلين، الا انّ «الرجل الحديدي اضحى أثراً بعيد عين».

السلطة الفلسطينية

تناول معهد كارنيغي البحث في «الأزمة العميقة التي تعاني منها السياسة الفلسطينية»، ومستقبل السلطة عقب تجذر الخلافات الداخلية على خلفية فقدانها الشرعية، كما يُنظر لها، والعزوف الجمعي عن «تجسيد هدف إقامة الدولة واستبداله بتكتيكات جديدة لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي». ولفت المعهد النظر الى ما آلت اليه جهود المجتمع الدولي من «بلورة مؤسسات مهمّتها التحدث بالنيابة عن الفلسطينيين وقيادتهم، قد فقدت مبرّراتها الأخلاقية وتعتبر ملحقة بـ«اسرائيل»، ولم تعد قادرة على تبوؤ منصب القيادة». وحذر المعهد من «الجيل الجديد من الفلسطينيين الذي يتبنّى اشكالاً جديدة من المقاومة والمقاطعة، وغير آبه بذكرى صعوبات الانتفاضة الاخيرة، وله بالفعل تأثيرات سياسية عميقة. واصبحت المظاهرات عند نقاط التفتيش والمسيرات نحو مستوطنات «اسرائيلية» منتقاة أكثر شيوعاً». واستدرك بالقول انّ غالبية الفلسطينيين لم تعد تؤمن بأنّ خيار حلّ الدولتين قابل للتطبيق، فالمزيد منهم يؤيدون حلّ الدولة الواحدة، التي لا تبدو أقلّ واقعية من حلّ الدولتين». وخلص بالقول مناشداً «شركاء اسرائيل الدوليين على إقناعها بتوفير حلّ بديل يعترف بالحقوق الفلسطينية، في ظلّ غياب جهود التوصل لتسوية شاملة».

المغرب

أشاد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بجهود العاهل المغربي الإصلاحية «على مختلف الصعد وأثبت التزامه بإحداث التغييرات البناءة». ومن بين الإخفاقات التي اعترضت المسار الإصلاحي «فشل معالجة المطالب الأوسع نطاقاً والخاصة بالكرامة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، وهي أشدّ صعوبة وقد تستغرق جهود عدة أجيال لتحقيقها، حتى في ظلّ توفر اراداة سياسية عليا». ونبّه المركز «العرش الملكي من ضرورة الإقلاع عن مساعي تشويه سمعة المسار الإصلاحي، سواء بتقويض الحكومة المنتتخبة او الإفراط في توسيع سلطات الملك التنفيذية، او مضايقة خصومه بشدّة». ولفت النظر الى انّ المسار الإصلاحي القائم منذ عام 2011 «لم يسفر عن تعديل موازين القوى في المغرب، وشكل إقراراً بامكانية الحدّ من سلطة الملك».

إيران

نبّه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية من انزلاق النخب السياسية الى الغرق في تفاصيل الاتفاق النووي، اذ انّ «السياسات الحزبية الأميركية، عادة ما تتجاهل الخوض في ميزاته على المدى القصير وتحدّياته على المدى الأبعد، وتلجأ الى التركيز على الشق الأضيق في التحدّيات الاستراتيجية للإقليم، وتبدي اهتماماً محدوداً بالمصالح الاستراتيجية الاوسع لكلّ من شركائنا الاستراتيجيين العرب واسرائيل». وحذر من انّ الجدال الأميركي الواسع «يتفادى الخوض والحديث في القوى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية داخل إيران والفرصة المتاحة لتشجيع الانفتاح».

شكلت حادثة اعتقال البحارة الأميركيين مدخلاً هاماً للمجلس الأميركي للسياسة الخارجية وتناولها من زاوية تنامي القدرات الالكترونية لإيران وحظوظ تناميها في المستقبل. واوضح انّ الخبراء الأميركيين المعنيّين «لاحظوا انخفاضاً ملحوظاً في محاولات القرصنة الإيرانية بالترافق الوثيق مع جهود إيران للتوصل الى اتفاق نووي مع الغرب». واضاف انه بعد تخطي عتبة الاتفاق النووي «فإنّ الجمهورية الاسلامية تكثف قدراتها الهجومية في الفضاء الالكتروني لدوافع سياسية واستراتيجية، ومن شأن استعادتها لأموالها وأرصدتها المجمّدة ان تعزز مسارها لتصبح قوة الكترونية معتبرة في المستقبل غير البعيد». واضاف محذراً من تبلور القدرات الإيرانية في الفضاء الالكتروني وتهديدها للولايات المتحدة، مطالباً «الساسة الأميركيين بالإعداد للمواجهة بالمثل».

تركيا

تجدّد الصدامات المسلحة بين تركيا والقوى الكردية كان محطة اهتمام معهد ابحاث السياسة الخارجية، محمّلاً مسؤولية تفاقمها الى «حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يسير على هدي تحقيق هدفه وطموحه الثابت الذي فجر الشعور القومي التركي سابقاً: ايّ الفوز بولاء الأكراد دون المساس برؤية دولة مركزية قوية وهوية وطنية متماسكة، وإصراره الثابت على استخدام القوة ضدّ أولئك الأكراد الذين لا يقبلون بوصفة الدولة للانخراط وفق شروطها السياسية». واضاف انّ حزب العدالة يستغلّ «سلاح الدين ليعطي الانطباع بأنه حريص على استيعاب المطالب الثقافية للأكراد، والذي افتقدته الدولة الكمالية كمال اتاتورك في بداية عهدها». ومضى بالقول انّ «حزب العدالة والتنمية يرفض بشدّة مواجهة الإرث التركي العنيف وفرضه الاندماج بالقوة، ويعزف عن إدراك المقاومة التي ستولد من رحم سياساته وتهديد السلام والاستقرار في تركيا». وحث الدولة التركية على «الاستجابة للمطالب الديمقراطية المشروعة لبلورة هوية وطنية جامعة ومنح حكم ذاتي اوسع» للمناطق المطالبة به.

أحجية البحارة: خطأ ام فشل مغامرة

ارتبكت الرواية الرسمية الأميركية مراراً لإبلاغ و«تبرير» حادث اعتقال البحارة الأميركيين في المياه الاقليمية لإيران، 12 كانون الثاني الحالي، ولم ترس على سردية قابلة للتصديق للحظة. جدير بالذكر انّ طواقم سلاح البحرية الأميركية تسيّر دوريات منتظمة بين الكويت والبحرين، خط سير الزورقين، ولديها معرفة وثيقة بحركة الملاحة وقوانينها الناظمة فضلاً عن تطبيق نظام صارم بتجنّب الاقتراب من المياه الاقليمية لإيران.

الثابت الوحيد جاء في رواية «القيادة المركزية» للقوات الأميركية التي تشرف على القوات الأميركية في عموم الشرق الأوسط، 18 الشهر الحالي، بالقول: «كافة الأسلحة والذخيرة ومعدات الاتصال على متن الزورقين لم تتعرّض للأذى، باستثناء شريحتين الكترونيتين يبدو أنهما انتزعتا من جهاز هاتف يعمل بالأقمار الاصطناعية».

الزوارق العسكرية هجومية سريعة الحركة من طراز CB90 سويدية المنشأ، تسير برعة 40 عقدة، باستطاعتها حمل فصيلة من القوات البحرية قوامها 18 فرداً بكامل أسلحتهم، اضافة الى عتادها من أسلحة رشاشة وذخيرتها، تستخدم في أعمال حراسة المرافئ، إنزال القوات او استعادتها، القيام بعمليات مضادّة لحرب العصابات في مياه الأنهر، وتوفير الإسناد لعمليات القصف والغارات الجوية، ودعم عمليات الإنزال البرمائية، وكذلك إسناد عمليات طائرات الدرونز. وعادة ما تستخدم في دعم عمليات القوات الخاصة، بيد انّ الحالة الماثلة لا تنطبق عليها تلك الميزة.

استعادة السردية الرسمية بكافة تفاصيلها، على أهميتها البالغة للمراقبين والمحللين والسياسيين على السواء، لن تعيننا على سبر أغوار الحادثة/المغامرة، سوى في شحن الذاكرة بغطرسة المؤسسة الحاكمة، ونزوعها لكيل الاتهامات وجهوزيتها للتحرك العسكري قبل ان تنجلي الحقائق استراتيجية ثابتة في عقيدتها العسكرية.

انهمرت سيول الاتهامات على الطرف الآخر وما قام به يعدّ «عملا عدائياً من إيران». بشرت شبكة سي أن أن للتلفزة مشاهديها بعملية «مدروسة من قبل إيران لإهانة الولايات المتحدة والرئيس أوباما خلال خطابه السنوي عن حال الأمة».

نائب الرئيس الأميركي جو بايدن صرّح لشبكة سي بي اس للتلفزة انّ «احد الزورقين أصابه عطل ميكانيكي، انحرف مساره نحو المياه الإيرانية». أبرز اقطاب حزب الحرب، السيناتور جون ماكين، استعاد مقولته السابقة بضرورة قصف إيران قائلاً انّ «الزورقين لا يفقدان موقعهما من المناعة السيادية عند تعرّضهما لضائقة اضطرارية».

غاب عن المشهد نص الاتفاقية الدولية للبحار والمادة 25 منها بعنوان حقوق الحماية للدول الساحلية التي تفيد بأنّ «الدولة الساحلية قد تتخذ خطوات ضرورية في مياهها الاقليمية لمنع المرور غير البريء»، ايّ دون الإخطار او الحصول على اذن مسبق.

وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر «أنقذ» تهوّر وتضارب التصريحات بإعلانه انّ البحارة «ارتكبوا خطأً ملاحياً مما قادهم إلى الدخول في المياه الاقليمية الإيرانية». صحيفة «لوس انجيلس تايمز» التقطت العذر الجديد وسارعت إلى تفسيره بأن «احد البحارة قد يكون أدخل بيانات وإحداثيات خاطئة في جهاز المراقبة عبر الأقمار الاصطناعية».

منذئذ لم يدل ايّ من البحارة المطلق سراحهم بأيّ معلومات تفيد بارتكاب خطأ عملياتي أودى بهم بالقرب من قاعدة بحرية لفيلق حرس الثورة الإيراني، او إصدار نداء استغاثة، او ما شابه، بأجهزة الراديو المتطورة.

يؤكد الخبراء والأخصائيون بسلاح البحرية الأميركية قواعد ثابتة متبعة قبل الإبحار تبدأ بتفقد صلاحية الزوارق وما على متنها من معدات وأسلحة، وتزويدها بكمية إضافية من الوقود تحسّباً لأيّ طارئ، فضلاً عن تجهيز الزورق بمحرّكين ايضاً تحسّباً للطوارئ. إبحار زورقين بمهمة «اعتيادية» يشير الى الإعداد المسبق لنجاح المهمة في حال تعطل أحدهما.

في الشق الافتراضي، من الجائز ان يتعرّض جهاز اتصال احد القوارب بالأقمار الاصطناعية الى عطل، ولو نادراً. اما تعطل نظامين مختلفين على متن زورقين يبحران معاً في ذات الفترة الزمنية «ضرب من المستحيل».

يرجح الخبراء والتقنيون بأجهزة الاتصالات انّ «فقدان الاتصال بالأجهزة المتطوّرة على متن القاربين يقود الى استنتاج أحادي تعرّضهما لقرصنة الكترونية». ويضيف أحدهم انّ ما نستطيع التوصل اليه من استنتاجات يدفعنا الى الإقرار بأنّ القدرات الهائلة المتطوّرة لدى القوات العسكرية الأميركية أثبتت وجود ثغرات استطاعت إيران استغلالها افضل استغلال.

دروس من قرصنة إيرانية

تعود الاشتباكات «الالكترونية» بين إيران والقوات العسكرية الأميركية الى عام 2009 في حادث سيطرة إيران الكترونياً على احدث ما أنتجته الترسانة الأميركية من طائرات الدرونز، من طراز RQ-170 سنتينل، بعد مغادرتها قاعدة انطلاقها في قندهار بافغانستان حلقت في الأجواء الإيرانية وهبطت في إحدى المواقع الإيرانية بأضرار خفيفة، 4 كانون الاول 2011.

آنذاك روّجت الشركة المصنّعة، لوكهيد مارتن، لأحدث منتجاتها بأنها عصية على الاختراق وشبيهة بطائرات الشبح. يشار الى انّ طائرة الدرونز تلك استخدمتها القوات الأميركية في رصد ورسم مخطط بياني لموقع تحصّن اسامه بن لادن وأوكلت اليها مهمة رصد دقيق لبرنامج ومنشآت إيران النووية.

توغلت طائرة الدرونز لمسافة بلغت نحو 140 ميلا داخل الأراضي والأجواء الإيرانية قبل التحكّم بهبوطها هناك. الغطرسة الأميركية المعهودة استبعدت فرضية امتلاك إيران أجهزة الكترونية متطورة ونجاحها بإسقاط الطائرة، وأرجعت سقوطها إلى عطل فني ما. أحد المسؤولين العسكريين الأميركيين بالغ في الاستهتار من إيران بقوله انّ فرضية نجاح إيران تشبه «إسقاط سيارة فيراري على تكنولوجية عربة تجرها الثيران»، كما ورد في نشرة «ديفينس نيوز» المختصة بالشؤون العسكرية.

سرعان ما فنّدت نشرة «ديلي تك» الالكترونية، 15 كانون الاول 2011، بلاهة الادّعاء الرسمي وأوردت تفاصيل السيطرة الالكترونية للقوات الإيرانية على أحدث إنتاجات الصناعات الأميركية. وذكّرت المسؤولين الأميركيين، من سياسيين وعسكريين على السواء، بتصريحات إيران في شهر أيلول من ذات العام، بأنها استطاعت تطوير قدراتها «للتحكم والسيطرة» على أسلحة أميركية مسيّرة او معدات تجسّسية.

وأردفت «ديلي تك» انّ الاخصائيين الإيرانيين أنشأوا «كميناً الكترونياً» للطائرة عبر التشويش على موجات الاتصالات التي تستخدمها الدرونز، مما فرض عليها التحليق الآلي وفق خط سير البرمجة المعدّة، مما أفقد الطائرة قدرتها على التحكم والاستجابة لإشارات المركز. وعليه، هبطت الطائرة وفق الخطة المعدّة لكن «بدل الهبوط في أفغانستان نزلت في الأراضي الإيرانية»، وتسبّب فارق الارتفاعات الجغرافية بين الموقعين، بنسبة بضعة أمتار، بتعرّض مقدّمتها لأضرار خفيفة عند الهبوط «حجبتها القيادة الإيرانية بتغطيتها عند عرضها أمام كاميرات التلفزيون».

وعملاً بمقولة «الهزيمة مرة»، طالبت نشرة «آفييشنست»، المختصة بشؤون الطيران المرموقة، المسؤولين الأميركيين ضرورة «إعادة النظر بتقنية الدرونز المستخدمة، وما يرافقها من معدّات تشويش واتصالات بالأقمار الاصطناعية»، التي كلفت الخزينة الأميركية عدة مليارات من الدولارات، فضلاً عن «مراجعة جدية وتقييم حقيقي لقدرات إيران الالكترونية».

وأضافت النشرة حديثاً انّ الاستهتار الأميركي بالعسكرية الإيرانية هو ما ادى لحادث السيطرة على الزوارق الحربية الأميركية مؤخراً في مياه الخليج العربي. ونقلت عن مصادر عسكرية مسؤولة انّ «نظرية تقنية عربة الثيران خضعت لإعادة نظر جذرية» منذئذ. ما يقلق المؤسسة العسكرية، بعد التيقّن من اختراق إيران لثغرات الكترونية في الأجهزة الأميركية، هو قدرتها على اختراق نظم الصواريخ الموجهة التي تعتمد ايضاً على نظم اتصالات بالأقمار الاصطناعية.

تجدر الإشارة الى ما أورده عدد من المواقع الالكترونية «الأميركية» عن توفر معدات تشويش على الاتصالات بالأقمار الاصطناعية بالسوق العام بكلفة ضئيلة لا تتعدّى 50 – 100 دولار.

البحرية الأميركية تعيد النظر

يعدّ نظام الإبحار بالاستناد إلى الأجرام السماوية من أقدم النظريات التي استندت اليها الحضارات العالمية السابقة، لبسط سيطرتها وتوسعاتها خارج حدودها الاقليمية. دخول التقنية الحديثة عصر الاتصالات بالأقمار الاصطناعية دفع بالنظام التقليدي الى الخلف، خاصة بعد تعرّض مركبة ابوللو-12 الفضائية لعاصفة رعدية، خلال رحلتها للهبوط على سطح القمر في 14 تشرين الثاني 1969، أحدثت أضراراً بمعداتها.

أقلعت العقيدة العسكرية الأميركية المعتمدة في الاكاديمية البحرية عن نظرية الإبحار بالأجرام السماوية عام 1998 عقب التطورات التقنية وتقدّم الاتصالات بالأقمار الاصطناعية، وانتقل مركز الثقل في العقيدة العسكرية من الاهتداء بالأجرام السماوية الى التقنية البشرية، وتوقفت البرامج التقليدية عن إعداد البحارة والطيارين عام 2006.

جهاز تحديد اتجاه السفن التقليدي، الآلة السدسية، يعتمد على اليقظة الذهنية والتحلي بمهارات علم الرياضيات والفلك، وما يرافقه من تعقيدات ومعادلات مركبة تصل الى 20 منزلة لتحديد موقع كلّ نجمة، زمانياً وبعداً مسافياً وزوايا هندسية. وتنفس الجيل المتدرّب الصعداء عند إعلان سلاح البحرية إلغاء العمل بالآلة السدسية لصالح الأقمار الاصطناعية والحسابات الآلية. سلاح الجو الأميركي يسيّر 31 قمراً اصطناعياً للأعمال العسكرية المختلفة للأسلحة الأخرى.

وسرعان ما أعاد سلاح البحرية العمل بالآلة السدسية مرة أخرى، تدريجياً مع نهاية عام 2011، في أعقاب اختراقات متعدّدة تعرّضت لها الأقمار الاصطناعية والسيطرة على توجيهاتها آلياً، فضلاً عما قد تلحقة عواصف رعدية تصيب السفن من تعطل أجهزة الاتصال الحديثة. حسابات الآلة السدسية تفتقد إلى الدقة المطلوبة في العصور الحديثة، وأفضل ما تستطيع توفيره من حساب للمسافات تبلغ نحو 1.5 ميلاً عن النقطة الصحيحة.

تدريب الطواقم العسكرية على أجهزة الإبحار التقليدية، الآلة السدسية، لا تزال قائمة في عدد من الدول منها روسيا، كأسلوب بديل في حالات الطوارئ، بل لم يتمّ التوقف عن دخولها الخدمة. القوات العسكرية الأميركية تستعدّ لتخريج الدفعة الأولى من الطواقم المدرّبة على الآلة السدسية مطلع العام الحالي.

بالعودة إلى الثغرات الالكترونية في التقنية الأميركية، تأخذ المؤسسة العسكرية الأمر على قدر كبير من الجدية والاهتمام، ليس في البعد الإيراني بحادث الزورقين فحسب، بل لسقوط او تساقط عدد من طائرات الدرونز العام الماضي في المنطقة، لا سيما من طراز ريبر. «تحييد» سلاح طائرات الدرونز يستدعي إدخال تعديلات حقيقية على العقيدة العسكرية الأميركية، التي تضخمت بإفراط اعتمادها على الثقة بالنفس، تتضمّن التعويض سريعاً عبر تورّط مزيد من القوات العسكرية، قوات خاصة او تقليدية، كما أشار اليها وزير الدفاع آشتون كارتر، لإنجاز المهام السياسية المطلوبة خاصة في سورية والعراق، وقريباً في ليبيا.

يتزايد القلق من «تصرفات» إيران حيال البحارة والمعدات الأميركية التي أضحت بحوزة إيران، والتي ستسخرها عاجلاً، كما يعتقد، في تطوير قدراتها الالكترونية والتشويش على الاتصالات بالأقمار الاصطناعية ومن المرجح ايضاً ان تجد تلك المعدّات والأسرار طريقها الى حلفاء إيران من حزب الله وسورية، الى روسيا والصين وربما كوريا الشمالية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى