ريف اللاذقية خارج الصراع… والأحلام التركية في خبر كان
عبير الأيوبي
منذ إطلاق العملية العسكرية الروسية في سورية في 30 أيلول الماضي، ومراقبو الملف السوري يتتبعون آفاق التدخل الروسي ومدى نجاحه في تغيير الواقع الميداني بسورية لمصلحة الدولة السورية.
وسائل إعلام عربية ودولية كانت بثت تقارير أكدت فيها أن الإنجازات الميدانية القليلة للجيش السوري لا تعكس حجم الدعم الروسي الكبير، لكن الأسابيع القليلة الماضية بيّنت خطأ هذه التقديرات، بعد النجاحات الكبيرة للجيش في ريف اللاذقية الشمالي وريف حلب الشرقي وريف حمص الجنوبي الشرقي وريف درعا الشمالي، كما كشفت الأسابيع الماضية أنّ الخطة الروسية كانت بعيدة المدى، ولا تبحث عن انتصارات سريعة وضعيفة هنا وهناك، وإنما هدفها تغيير المعادلة العسكرية بشكل كبير.
إنجاز استراتيجي لافت حققه الجيش السوري بسيطرته الكاملة على بلدة «ربيعة»، التي تشكل خزاناً حيوياً للجماعات المسلحة، لما تحوي من مخازن أسلحة، إضافة إلى إشرافها على طرق وخطوط الإمداد الآتية من الحدود التركية، والتي تعدّ أيضاً أكبر معاقل المجموعات الإرهابية، بعد بلدة «سلمى» في جبل الأكراد والتي سيطر عليها الجيش قبل أيام، في المعركة التي أطلقها لتأمين كامل الريف الشمالي للاذقية، وصولاً نحو الحدود التركية.
عمليات ليلية منسّقة ودقيقة مترافقة مع غطاء جوي روسي، على مدار الساعات الـ24 الماضية سبقت هذا الإنجاز.
وأوضح مصدر عسكري سوري: «أنّ وحدات المشاة تقدمت من قرية الروضة باتجاه ربيعة وتمّ دخول ربيعة من دون وجود خسائر بشرية، وذلك على خلفية التأسيس الميداني الذي تمّ من خلال تطويق القرى المحيطة بربيعة، الأمر الذي منح الجيش السوري إمكانية التحكم الناري والزجّ بقوات المشاة في المسارات الميدانية المطلوبة للاقتحام، من دون أن تكون عرضة لخطر الكمائن».
العملية العسكرية نحو «ربيعة» بدأها الجيش السوري بالسيطرة على كلّ من «دروشان» و»الروضة» و»طوروز» و»بيت عيوش» و»الشاكرية» و»كركير» «بيت عوان» و»الريان» وجميعها قرى وتلال تشرف مباشرة على البلدة، حيث تقدّمت القوات البرية عبر ثلاثة محاور، الشرقي والجنوبي والغربي، وتمكن من السيطرة على الحيّ الغربي، وسط تغطية نارية من الطيران الحربي الروسي والسوري، الذي شنّ عشرات الغارات على مواقع الإرهابيين في المنطقة، الأمر الذي أدّى إلى مقتل العديد منهم وتدمير خطوطهم الدفاعية.
نجح الجيش في تثبيت نقاطه داخل الحي الغربي، وتابع تقدّمه باتجاه باقي مناطق البلدة، وسط حالة من الخوف والهلع أصابت الإرهابيين، نتيجة المباغتة التي حصل عليها الجيش، حيث سمعت عبر أجهزة اللاسلكي نداءات استغاثة، وحالات هرب نحو الحدود التركية القريبة، وفق مصادر عسكرية.
وتقدّمت بعد ذلك وحدات النخبة في الجيش، وأحكمت سيطرتها على كامل البلدة، فيما عملت وحدات الهندسة على تمشيطها من العبوات الناسفة والألغام، التي خلفتها المجموعات الإرهابية.
وأفادت مصادر خاصة أنّ عدداً من المقاتلين الشيشانيين فرّ نحو الشريط الحدودي مع تركيا، عند شعورهم بالخطر نتيجة السيطرة على بلدة ربيعة، ما يحتم أنّ تركيا ستكون أمام مشكلة انتشار الميليشيات المسلحة داخل أراضيها، خاصة من الميليشيات التابعة للحزب القومي التركي كميليشيا «السلطان عبد الحميد» وميليشيا «السلطان مراد» وميليشيا «المعتصم بالله»، هذه الميليشيات التي تحظى بدعم القوميين الأتراك وحزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة، تدار أصلاً من قبل قياديين سابقين في الحزب القومي التركي.
ليست خفية الأهداف التركية في الشمال السوري بُعيد التصريحات التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشهر الماضي، ولأول مرة، بأنّ بلاده سترسل مساعدات عسكرية للمقاتلين التركمان، وشدّد مع رئيس وزرائه أحمد داود أوغلو في أكثر من تصريح على أنّ بلاده لن تترك التركمان لوحدهم في مواجهة الغارات الروسية وهجوم الجيش السوري.
وسادت حينها تكهّنات حول تطورات سير هذه المعارك، مع ورود أنباء غير مؤكدة عن نية أنقرة إمداد المقاتلين التركمان بأسلحة متطوّرة وربما صواريخ مضادّة للطائرات لتعديل موازين القوى المدعومة بغطاء جوي كثيف وغير مسبوق من الغارات الروسية، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤدّي إلى مزيد من التدهور في العلاقات الروسية التركية في حال حصوله.
فصيل مسلح في الساحل السوري كان أعلن امتلاكه لمنظومة دفاع جوي أرض – جو جديدة تمّ تصنيعها محلياً، لتتمتع بكامل الصفات التقنية المطلوبة لإسقاط الطائرات العسكرية، على حدّ تعبيره، مشيراً إلى أنّ المنظومة قادرة على إطلاق عدة صواريخ بسرعات كبيرة للمناورة مع الطائرات الحربية والمروحية.
ومما لا شك فيه أنّ عملية السيطرة على «ربيعة»، جاءت لتمهّد الطريق أمام الجيش السوري لفتح معركة ريف إدلب، انطلاقاً من بلدة «جسر الشغور»، المتاخمة جغرافياً لريف اللاذقية، وبالتالي الجيش السوري أمام معركة حاسمة، في مدينة إدلب التي تسيطر عليها «جبهة النصرة» والتي باتت الآن بين المطرقة الغربية المؤمنة من الجيش السوري في كامل ريف اللاذقية، ومن سندان الشمال الشرقي، في ريف حلب الجنوبي والذي يحقق الجيش فيها إنجازات نوعية.
كذلك فالواقع العسكري في ريف حلب الشرقي لا يختلف عن الواقع في ريف اللاذقية الشمالي، في هذه الآونة، حيث يستغلّ الجيش السوري الضربات الروسية التي أدّت إلى خلخلة القوة العسكرية لتنظيم «داعش»، ولذلك يقترب شيئاً فشيئاً من مدينة الباب الاستراتيجية ومعقل تنظيم «داعش» في حلب.
في ريف حلب الجنوبي، نجح الجيش في استعادة السيطرة على بقعة واسعة من كامل هذا الريف تقريباً بعد ربطها بمناطق حيوية في ريف حلب الشرقي تحضن مطار كويرس ومحيطه الذي فك الحصار عنه منذ فترة ليست ببعيدة، من خلال عملية خرق نوعية ناجحة ولافتة في طريقة تنفيذها، وهو الآن بصدد استكمال السيطرة على آخر أكبر معقلين للمسلحين في الريف الجنوبي المذكور وهما مدينتا خان طومان والزربة، إذ يؤسس بذلك بعد إنهاء هذه السيطرة الى خلق قاعدة تجمّع عسكرية ميدانية واسعة تفصل حلب المدينة وأريافها الغربي والشرقي والجنوبي عن محافظتي إدلب وحماة أريافاً ومدناً بالكامل، وتشكل بقعة التجمع هذه قاعدة قوية للانطلاق في أيّ اتجاه تفرضه معطيات المعركة أو أهداف المناورات الكبرى لاحقاً.
ولا شك في أنّ العمليات العسكرية ستصرف على طاولة السياسة، فداعمو الميليشيات المسلحة في مناطق الشمال السوري وخاصة كلّ من تركيا وقطر والسعودية، يعرفون تماماً ماذا يعني سقوط معاقل المسلحين في ريف اللاذقية، والتي كانت كلّ التقارير التحليلة عن طبيعة المعارك فيها ترجح استمرارية المعركة أكثر من شهر، إلا أنّ سرعة تقدّم القوات البرية بالاستفادة من الوسائط النارية المناسبة كافة، والغطاء الجوي، جعلت العملية تنجز سريعاً، وهذا يشير إلى تطوّر كبير في ابتكار التكتيكات العسكرية من قبل الجيش السوري بما يتناسب وطبيعة كلّ معركة، فالإنجاز الاستراتيجي في ريف اللاذقية الشمالي سيؤمّن بوابة الحماية للجيش السوري لضبط الحدود مع تركيا.
تكثيف الجهود السورية الروسية للسيطرة على المناطق في جبل التركمان أفشل حتمياً مخطط أنقرة لإقامة منطقة عازلة على الشريط الحدودي مع سورية، وأنهى الحلم التركي من جهة، والتنظيمات المسلحة من جهة أخرى، الذي دام على مدى خمس سنوات، بأن تكون جغرافيا الريف الشمالي لمدينة اللاذقية، المنطقة المنشودة لتركيا.