تونس: أبعاد «انتفاضة المهمّشين»
حميدي العبدالله
تشهد تونس اضطرابات شعبية حادّة في المناطق الجنوبية التي كانت شرارة إسقاط نظام زين العادين بن علي قد انطلقت منها. وحملت هذه الاضطرابات، وفقاً لتسوية بعض وسائل الإعلام، عنوان «انتفاضة المهمّشين» باعتبار أنّ دافع هذه الاضطرابات فقدان فرص العمل. ومعروف أنّ الأحداث التي قادت إلى إسقاط بن علي أيضاً كان أبرز منطلقاتها الاحتجاج على الفقر والبطالة في هذه المناطق.
لا شك أنّ الفقر عامل حاسم في خلق بيئة ملائمة للاضطرابات، ويعود سبب ذلك إلى حقيقة أنّ الحكومات التونسية المتعاقبة ركزت التنمية على المناطق الشمالية، وأهملت المناطق الجنوبية، ولهذا تحوّلت هذه المناطق إلى بيئة حاضنة لكلّ أشكال الاضطراب.
وإذا كانت الأحداث التي انتهت بإسقاط بن علي تقف وراءها جهات إقليمية ودولية كانت تسعى لتجديد شباب النظام التونسي على قاعدة الارتباط بالغرب والولاء لسياسته في المنطقة، فإنّ دوافع «انتفاضة المهمّشين» غير واضحة هذه المرة، فالنظام القائم الآن في تونس مرضيّ عنه من كلّ الأطراف والمحاور الدولية الفاعلة، فالحكومة والبرلمان التونسيان تتمثل فيهما القوى السياسية الفاعلة، المستقلة أو المرتبطة بالمحاور الإقليمية والدولية، وإذا ما تمّ استثناء المنصف المرزوقي فإنّ جميع القوى التي تجسّد السياسات الخارجية في تونس تستطيع الادّعاء بأنّ لها حصة في الحكم، بهذا المعنى، من الصعب الاستنتاج بأنّ جهات دولية وإقليمية وراء «انتفاضة المهمّشين»…
نعم هذه الانتفاضة هي تعبير عن حال الغضب والإحباط من السياسات التي لا تزال تتجاهل واقع الفقر والحرمان الذي تعاني منه المناطق الواقعة في جنوب البلاد. كان سكان هذه المنطقة يعتقدون بأنّ التغيير الذي حصل في تونس وإسهامهم الفاعل في إحداثه، سوف يدفع السلطات الجديدة إلى إيلاء هذه المناطق أهمية استثنائية والتركيز على التنمية فيها من أجل مكافحة البطالة والفقر.
ولكن تبيّن أنّ التغيير لم يؤدّ إلى أيّ تغيّر في سياسة الحكومات الجديدة، سواء الحكومات التي قادها حزب النهضة، أو الحكومات الائتلافية بقيادة حزب «نداء تونس» الذي يعاني الآن من مشكلة داخلية تمثلت بالانشقاقات في صفوف هذا الحزب على خلفية قناعة جزء من كوادره وقيادته بعودة السياسات القديمة إلى تونس بعد كلّ هذه التغيّرات. بمعنى آخر أنّ «انتفاضة المهمّشين» دوافعها اقتصادية واجتماعية ومعيشية وليست دوافع سياسية، كما كان عليه الحال في السنوات الست الماضية، لكن ذلك لا يحول دون الإقرار بأنّ ثمة جماعات قد تندسّ داخل هذا التحرك وتسعى إلى توظيفه لمصلحتها، على غرار ما فعل المرزوقي، وقد تستفيد منه أيضاً الجماعات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم «داعش».