الغرب وعرب روتانا يقودان تركيا إلى أمّ المتاهات

محمد أحمد الروسان

أعتقد أنّه إذا كان السياسيون يختلقون الماضي بشكل غريزي، ويوظفونه ويولّفونه بعمق ليخدم رؤاهم ويتساوق معها درجة التماهي، فإنّ رجال المخابرات والاستخبارات النخب منهم يفعلون ذلك بشكل احترافي ومهني وأكثر عمقاً، والسؤال هنا من يلعب دور ميدوسا في الأسطورة الإغريقية ميدوسا إحدى فتيات شريرات ثلاث، شعرها عبارة عن أفاعي وعندما تنظر إلى الشخص تحوّله حجارة رجل السياسية أم رجل المخابرات؟ أم كلاهما؟

الوضع الجيوسياسي في الشرق الأوسط رمال متحركة ورياح متغيّرة، أعمدة المعسكر السنيّ في المنطقة تحاول لملمة نفسها، أو بالأحرى التكوكب من جديد في الموقف من المسألة السورية والمسألة الإيرانية الاتفاق النووي يدخل حيّز التنفيذ وأثره المالي عظيم على إيران، وهذا ما يقلق بعض العرب وما يجري في اليمن ولبنان أيضاً السعودية، تركيا، مصر ولاعب الشطرنج المحترف عندما لا يجد لاعباً يوازيه يلعب مع نفسه ويكون الرابح دائماً، وكذا الولايات المتحدة الأميركية التي لا ترى محارباً يوازيها، فقرّرت أن تحارب نفسها كي تربح دائماً، وكي يستمرّ عمل الجيش والاستخبارات والمصانع الحربية والدولار، ومجتمعات الميسر والقمار والدعارة العابرة للقارات والحدود والأزمنة، والأخيرة أقدم مهنة ومشروع في التاريخ البشري.

قلب وتقليب مفردات التاريخ ولغات وحقائق الجغرافيا من جديد، من قبل العاصمة الأميركية واشنطن دي سي، وحلفائها وأدواتها إزاء الفدرالية الروسية وعبر سورية وأوكرانيا والعراق، بمثابة صراع مباشر وحرب سياسية ساخنة ودبلوماسية متفجّرة في طور التحوّل والتمحور والتبلور وبكلّ اللغات ستقود، إلى انفجار أمني وعسكري واقتصادي، حيث نواة هذا الانفجار سورية، كون الحرب الحالية المزعومة على عروق ومفاصل الإرهاب في الداخل السوري عبر التحالف الأميركي خارج قرارات الشرعية الدولية ومعه أكثر من ستين دولة، هي من ستشعل النواة الأولى لانطلاق هذا الانفجار الأمني والعسكري الشامل المتوقع بين موسكو والغرب، حيث الفعل العسكري الروسي المشروع واضح في الداخل السوري، وقد يحدث التصادم عند صيرورة اللحظة التاريخية المرجوّة لكلا الطرفين أو لكلّ الأطراف، وتحذيرات سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي الأخيرة حول نوايا أميركا إزاء توسيع الضربات العسكرية لتشمل مواقع للجيش السوري، والتي صارت شبه فعل حتّى اللحظة تجيء ضمن هذه السياقات.

الحرب على عروق ومفاصل الإرهاب في سورية بشكل خاص، هي لإسقاط سورية كمدخل لإسقاط روسيا وتقويض توسع مناطق النفوذ الروسية بالمشرق العربي، مع الاعتراف بأنّ الداخل الروسي يستشعر ومنذ الحدث السوري وبشكل كبير الآن، بأنّ ملامح الفوضى الأميركية ونسخ استراتيجيات توحّشها تحرك بعض من في الداخل الروسي للمطالبة بالانفصال عن الجمهورية الاتحادية الروسية.

أميركا عندما خلقت «الداعشية» العسكرية عبر توجيه أسباب إنتاج ظروف بيئتها في المنطقة خلقت «الداعشية» السياسية، والأخيرة ضرورة لاستمرارية الأولى في فعلها وتفاعلاتها ومفاعيلها. والإرهاب الخيار الاستراتيجي لنواة الدولة الأميركية، والإدارة الأميركية كحكومة بلوتوقراطية في الداخل الأميركي حكومة الأثرياء، هي صدى المجمّع الصناعي الحربي الأميركي، وهي التي تمارس فن الإقناع بالإرهاب بالمعنى الرأسي وبالمعنى العرضي، إنْ لجهة الداخل الأميركي، وانْ لجهة الخارج الأميركي.

تركيا هي الجارة لأهمّ دولتين تجري فيهما وعليهما حروب تآمرية بامتياز سورية والعراق ، بفعل أطراف غربية ثالثة بزعامة الأميركي وتوجيه، عبر التشريك معها أيّ تركيا تقاطعاً وتساوقاً وتعاوناً مع الأدوات من البعض العربي عرب روتانا ، بدعم مجاميع إرهابية محلية واستجلاب أخرى إقليمية ودولية، ظنّاً واعتقاداً من أنقرة ومؤسسات حكمها أنّ هناك تشاركاً في الأهداف، وثمة معطيات ومنعرجات تستدعي ذلك بفعل ما سُمّي بـ«الربيع العربي».

فمن موقع الفاعل لتركيا تأثير وفعل وتفاعل واضح ومفاعيل في جلّ مجريات الحدث السوري ومنذ بدئه، والآن تدخل بعمق في العراق بعد الآفاق في الداخل السوري بفعل الوجود الروسي العسكري المساند للجيش العربي السوري، ومن موقع المفعول به تأثّرت بعمق وبتفاعل وما زال ذلك في تفاقم من حيث ارتداد الإرهاب المدخل إلى الداخل السوري إلى دواخلها، فصارت مغناطيساً جاذباً للإرهاب، أو هكذا يُراد لها أميركيّاً ليصار إلى تفكيكها، فارتدادات الأزمة السورية صارت رأسية وعرضيةن ليس فقط في الجغرافيا التركية وخاصة على الحدود، بل وفي المؤسسات التركية وخاصةً العسكرية والأمنية منها.

فبعد حفلة إصلاحات سياسية وقانونية متعلقة بالحقوق السياسية والثقافية للكرد في تركيا، ومشاريع تنموية في مناطق الأغلبية الكردية في جنوب شرق تركيا قام بها الحزب الحاكم لحلّ المشكل الكردي، يخوض حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم الآن حرباً عنيفة مع PKK تمّ توريطه بها عبر سيناريو أميركي وغربي مدروس ومشتق من التورّط التركي في الحدث السوري، وعقابيله على المدى الطويل وبالمعنى الاستراتيجي. ومن شأن ذلك أن ينسف ما قام به الحزب الحاكم من جهود وعلى مدار سنوات، بجانب أنّ «داعش» وارتدادات الأزمة السورية والمشكل الكردي عوامل مؤثرة في استقرار تركيا، ويجيء هذا بسياقات سوء العلاقات المرحلي الآني ولا أقول الإستراتيجي على طول خطوط العلاقات التركية ـ الروسية، والذي زاد من نسبة الاحتقانات الشعبية الصامته في الداخل التركي حتّى اللحظة، وكذلك احتقانات رسمية داخل مؤسسة الجيش التركي ومجتمع المخابرات والاستخبارات التركي.

الرئيس التركي قال بوضوح إنّه تمّ قتل أكثر من ثلاثة آلاف مسلح كردي حتّى الآن، حسناً سيدي وبالصميم، لكن حرب الدولة التركية مع PKK يا فخامة الرئيس انتقلت من الأطراف الحدودية إلى الداخل التركي المحتقن أصلاً بفعل التورّط بالحدث السوري، وهنا تكمن خطورة المجازفة التي تجري الآن، الحروب في السابقة كانت تجري في الجبال الحدودية والمناطق المحيطة بالمدن، والآن تجري في المناطق الآهلة بالسكّان على شكل حرب عصابات أو حرب شوارع، تماثل وتساوق ذلك مع تطوّرات نوعية في الميدان السوري حيث المشهدية العسكرية ولغة الميدان فعلت فعلها بالمشهدية السياسية مع الوجود العسكري الروسي الفاعل، وخاصةً بعد إسقاط «السوخوي» الروسية، وسيصرف ذلك على طاولة السياسة، كلّ هذا وذاك قاد إلى إرهاصات ومخاضات غير مكتملة حتى اللحظة في إنشاء كيان كردي في الشمال السوري، وهذا أدّى إلى تعقيدات في الحسابات التركية الكرديّة.

التصعيد السياسي التركي يترافق مع التصعيد العسكري ضدّ المشكل الكردي عبرPKK من خلال مطالبة الكرد بهيئة حكم ذاتي في مناطقهم ضمن الدولة التركية، هذا يجعل الرئيس التركي يحيلهم إلى القضاء التركي بتهمة خرق الدستور الذي ينص على وحدة الأراضي التركية المشكل الكردي هو إقليمي أكثر منه محلي، لكن بسبب المسألة السورية وجد المحلي مساراً له مع الإقليمي فتشاركا في طغيان متبادل في التأثير ، ومع تزويد PKK بالسلاح الفاعل عبر الفصائل الكردية السورية المسلّحة ومصادره متعدّدة ومعروفة للجيش التركي والاستخبارات التركية، تزامن كلّ ذلك مع تراجعات لعصابة «داعش» في العراق وسورية بسبب التشاركية العسكرية الروسية السورية وفعلها، وبالتالي من شأن ذلك أن يقود إلى تمدّده في الداخل التركي، وما التفجيرات الأخيرة في اسطنبول وديار بكر إلاّ دليل صحة على ما نرمي إليه.

وما زالت تسعى توليفة الحكم السياسي في أنقرة، رغم التغيير الحاصل في المشهدية العسكرية في الداخل السوري والعراقي، للحصول على دور اللاعب على مستوى المنطقة والعالم، ضمن مشروعهم السياسي الخاص بهم، حيث يدخل في هذا المشروع أجزاء من الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث يمضي الزعماء الأتراك في خطتهم، ويؤكد المراقبون السياسيون أنّ الغرب يروّج ويدعم هذا المشروع ويحاول أن يوجه تركيا بشكل أكبر وأعمق في تنفيذه.

حسناً كيف نفهم ذلك؟ الدول الغربية فقدت القدرة على أن تكون لاعباً على الساحة السياسية العالمية، لذا تحاول أن تستغلّ دولاً أخرى لتصل إلى تحقيق أهدافها. أحد هؤلاء اللاعبين، تركيا وفي سياق رغبة الغرب في إحياء الإمبراطورية العثمانية لجعل تركيا تنفذ مشاريعهم، ويدرك الغربيون جيداً أنّ تركيا ستستخدم كلّ الطرق الممكنة لتصل إلى غاياتها وتحقق مطامعها، لذا يقومون بتقديم الدعم وخلق حالة من الارتياب لهذه الدولة لكي يظهروا أنّ تركيا قادرة على الحصول على القوة وفرض الهيمنة.

لكن مسار الأحداث الآن، يظهر أنّ الغرب وضع لتركيا سيناريو لا يجب أن تتحوّل وفقه إلى قوة في المنطقة، وفي الوقت نفسه يجب إضعافها وجعلها تواجه أزمات على عدة محاور، حيث يتمّ تصعيد تحركات حزب PKKالمدعوم من الغرب كما أنّ تشديد تحركات الانفصاليين سيزيد من تفاقم الأزمات الداخلية التركية، ويتمّ دفع تركيا إلى مزيد من الاشتباك العسكري مع دول المنطقة لاستنزاف قدراتها وإنفاق مواردها المالية على الأمور العسكرية، لكي لا توظفها في التنمية والتطوّر، ويمكن مشاهدة هذا الأمر بشكل واضح من خلال التحركات العسكرية التركية في العراق، والتورّط التركي على مدار خمس سنوات في سورية وما زال، مع أنّ أنقرة تدّعي بأن تحركاتها العسكرية تهدف إلى الدفاع عن مصالحها القومية، لكن في المحصلة الغرب يسعى لجرّ تركيا للدخول في هذه النزاعات لإنهاك قوتها العسكرية من جهة ولتزويدها بالأسلحة الغربية تحت مسمّى زيادة القدرات العسكرية التركية.

نظراً لهذه الظروف يمكن القول إنّ الغرب أقحم تركيا في لعبة ظاهرها يحاكي المصالح التركية، وباطنها يهدف إلى تدميرها بالكامل، كما أنّ أنقرة فقدت جراء مسار الأحداث الكثير من مصالحها على الساحة الداخلية، وعلى مستوى المنطقة وفي المستقبل القريب ستخسر الكثير من مصالحها في العالم أجمع إنْ بقيت على ذات السياسة والنهج.

لم يعد هناك مجال واحد في الدول العربية الهامة لم تصل إليه «المصالح الأميركية»: بدءاً من المجتمع المدني «المسالم» المليء بالمنظمات غير الحكومية المموّلة أميركياً، مروراً بأجهزة الاستخبارات والجيش التابعة لتلك الدول، ووصولاً إلى صفحات الفيسبوك للمواطنين العاديين، وفي خضمّ هذه الانتفاضات المشتعلة في المنطقة، يتحوّل كلّ شعب عربي لا يغلق بابه أمام مخاطر التدخل الأجنبي إلى جندي يقاتل إلى جانب أعدائه في حرب غير تقليدية تشنّ عليه.

الولايات المتحدة الأميركية تواجه الآن عواقب ألاعيبها الماكرة ضمن ظروف يصعب السيطرة عليها، إلاّ بتحالف شبيه بتحالف بوش الابن وشنّ حرب جديدة على أبنائها من الدواعش يأجوج ومأجوج العصر والبرابرة الجدد، فهي خلقت فيروس «داعش» ونسخته المتقدّمة خوراسان الآن، لإنشاء دولة كوردوستان إسرائيل الجديدة وتقسيم العراق وسورية والآن تركيا، عبر فخ إسقاط «السوخوي» الروسية وعبر المشكل الكردي، فمشروع تفكيك تركيا قد بدأ ما لم تراجع أنقرة جلّ مواقفها وسياساتها التدخلية بالأزمة السورية والعراقية، ومحاولاتها المستمرة بالتعاون مع أميركا وعرب روتانا للإطاحة بالأسد وحكومته ونظامه وبالنسق السياسي السوري كلّه، كانت السبب بغضّ الطرف عن الإسلاميين ونشوء «الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ داعش».

محام، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

www.roussanlegal.0pi.com

mohd ahamd2003 yahoo.com

Skype: mohammed.alroussan

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى