هل يعبر الجميع حائط الخوف لانتخاب العماد عون؟

العلامة الشيخ عفيف النابلسي

عاد حديث الرئاسة بقوة على ضوء ما جرى معراب والذي أصاب الواقع السياسي اللبناني بذهول عميق. انقلبت الساحة اللبنانية رأساً على عقب مع ترشيح القوات اللبنانية للعماد ميشال عون بشكل علني استعراضي ليحقق مجموعة من الأهداف في مرمى الخصوم. انقلاب يعيد تأكيد أمور أساسية:

أولها: أنّ الوفاق بين المكوّنات اللبنانية هو أمر صحّي ومطلوب على الدوام، وأيّ تعارض على مستوى المصالح الشخصية يجب أن لا يتحوّل إلى تعارض على مستوى المصالح الوطنية. فلقد وصلنا إلى مرحلة نتيجة الخلافات والصراعات المرّة نستهجن الوفاق ونندهش حين يتلاقى مكوّنان يجدان أنّ التفاهم والحوار أفضل من التقاتل والخصومة. وهذا ما يجب أن يعمل له كلّ اللبنانيين لا لأنّ اللحظة الحالية هي لحظة صعبة على الوطن والمنطقة، بل في كلّ آن يجب السعي إلى حلّ المشكلات والخلافات عبر الحوار، فقد نال اللبنانيون نصيبهم من الأخطاء والخطايا وارتكبوا بحق بعضهم البعض ما يكفي ليسقط الوطن في حروب متتالية وصراعات لم تخدم سوى أعداء لبنان. فلماذا علينا أن نخاف من التفاهم ولا نخاف ممن يريد أن يملأ حياة اللبنانيين بالفتنة والشقاق والكراهية؟

ثانيها: إنّ أيّ اتفاق بين المكوّنات اللبنانية يقوم على معاداة الكيان الصهيوني والتكفير الإرهابي مكسب كبير للبنان ولسيادته ووحدته.

ولطالما كانت خاطئة التقديرات القديمة بأن تكون «إسرائيل» هي حامية بعض القوى اللبنانية أو المسيحيين، ولكننا اليوم نشهد إجماعاً مسيحياً ولبنانياً على هوية العدو الأخطر للبنان والعرب ولشعوب المنطقة.

ثالثها: إنّ مسألة انتخاب رئيس للجمهورية تتطلّب أن يعمل اللبنانيون بعيداً عن التناقضات الإقليمية، وأن يبحثوا عن مصلحتهم ومصلحة بلدهم.

رابعها: إنّ ترشيح الدكتور جعجع للعماد عون يعني سياسياً تراجعاً كبيراً لقوى 14 آذار، إنْ لم نقل انهياراً لهذه القوى التي لم تُصِب كلّ خياراتها التي راهنت عليها داخلياً وإقليمياً.

وبالتالي: يمكن فهم المعادلة الحالية للدكتور جعجع لا على قاعدة الإحسان والاقتناع، وإنما على قاعدة التموضع والحدّ من الخسائر التي تسبّب بها حلفاؤه.

خامسها: إنّ الدكتور جعجع هو من جاء إلى خيار حزب الله الذي أثبتت الأيام صوابية خياراته ونجاح صبره ودقة نظره إلى الأمور الداخلية والإقليمية، وحتى لو لم تحسم العملية الانتخابية في الأسابيع المقبلة، فلن يكون الحزب واقعاً تحت ضغط الحدث الجديد في معراب، بل سيكمل الانتظار حتى يتوافق الجميع على العماد عون رئيساً لمصلحة كلّ اللبنانيين.

لقد كان الأمس مضيعة للوقت، والبقاء في الغد على هذه الحال مغامرة في المجهول لا ضرورة لها، فالمطلوب أن يأتلف الإجماع المسيحي حول مرشح واحد لينتقل بعدها إلى بقية المكوّنات بأن يعبر الجميع حائط الخوف إلى المسؤولية التي فيها المصير والمستقبل لكلّ اللبنانيين بعيداً عن الحساسيات الشخصية التي إنْ استمرت عند البعض مسيطرة على خياراته، فمعنى ذلك أنّ الانتخاب سيبقى معطلاً ومعه البلد بأجمعه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى