إيران… صمود وحضور بين الدبلوماسية والعسكرة!
فاديا مطر
لم يغِب مشهد التباين العملي والقولي سابقاً بين إيران وفرنسا، خصوصاً بعد الثورة الإسلامية التي صنعتها إيران في عام 1979، والتي كانت وما زالت إيران عبرها رقماً صعباً، اضطر الغرب مؤخراً للاعتراف به، وعليه فإن العلاقة الإيرانية ـ الفرنسية خضعت لتجاذبات مختلفة وعوامل متجدّدة ومستجدّة كانت تغيّر المنظور السياسي بين البلدين في المواقف العملانية والدبلوماسية.
زار الرئيس حسن روحاني أمس إيطاليا، لينتقل اليوم 27 كانون الثاني الحالي إلى فرنسا في أول زيارة تاريخية له بعد دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ ورفع العقوبات عن إيران في منتصف الشهر الحالي. فهي زيارة لتوسيع العلاقات الدولية الإيرانية مع باقي الدول سياسياً واقتصادياً في إطار معانٍ سياسية محددة تحدد السياسية الاقتصادية والفكرية والتكنولوجية للجمهورية الإيرانية كلاعب دولي وإقليمي يتجه للوقوف على قدميه في مستويات عدة. وهي زيارة سياسية تفرض نفسها بقوة كمحدد رئيس وحاكم لمسار تطور العلاقات الإيرانية ـ الأوروبية والفرنسية خاصة، مع التطورات والظروف التي يعيشها الإقليم العربي الذي تتشابك فيه اليد الإيرانية باليد الفرنسية. فهي حدث يفرض تحليلاً سيهيمن على مجرى العلاقات الثنائية بين طهران وباريس لاسيما بعد إعلان وزير النقل الإيراني «عباس إخوندي» في 24 الحالي عن أن إيران ستوقع عقداً لشراء 114 طائرة «إيرباص» خلال زيارة الرئيس روحاني إلى باريس. وهذا العقد صفقة تجارية مهمة منذ رفع العقوبات الدولية عن إيران في 16 كانون الثاني الحالي. وقد كانت الزيارة كانت مقررة في تشرين الثاني من العام الماضي لكن أحداث باريس الإرهابية كانت سبباً في إلغائها، لتكون هذه الزيارة ذات معانٍ كبيرة، خصوصاً لجهة توازنات معادلة القوى في معادلات مقبلة ستفرض نفسها على ملفات ساخنة شكلت فيها فرنسا لأكثر من خمس سنوات رأس حربة في الصراع، والتي حاولت التأثير فيها على وزن إيران سياسياً وعسكرياً في معادلة الدعم العسكري الإيراني لسورية التي تحارب الإرهاب على أرضها وعلى ملفات العراق المرتبط أيضاً وفرنسا لها دور أساس في مسار العدوان على سورية، والتي حاولت تجسيد مواقف وتسييدها في الملف الداخلي السورية كشروط للعملية السياسية في سورية، وهو ما شكل افتراقاً للرؤى والمواقف بين طهران وباريس.
ولم تنجح زيارة وزير الخارجية الفرنسية «لوران فابيوس» في 29 تموز الماضي ودعوته الرئيس الإيراني لزيارة فرنسا في سد أي ثغرة في الملفات التي تدور على الساحة الإقليمية العربية، ولم يكن لقاء الرئيس الفرنسي «هولاند» مع الرئيس الإيراني في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول 2014 قادراً على تبديل واقع العلاقة السياسية بين طهران وباريس، والتي عكسها التشدد الفرنسي في مفاوضات إيران النووية مع السداسية الدولية والتي انتهت في 14 تموز الماضي، فتبدل المواقف الفرنسية تدريجياً اتجاه السياسة الإيرانية التي كانت ولازالت تسعى إلى تعزيز السلام والاستقرار الإقليمي وتوسيع التعاون مع الدول الأوروبية على أساس المبادئ الثابتة في سياستها هي الحاكمة حتى اللحظة، فهي زيارة ربما تعيد نسج ما كانت إيران قد طرحته في زيارة مدير دائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية «جان فرانسوا جيرو» مع وفده المرافق منذ 27 أيار العام 2013 لشرح الأزمة السورية، وهي زيارة ستؤثر في الانفتاح الفرنسي على إيران من دولة بحجم فرنسا أوروبياً وذات تأثير واضح على مسار الحرب على سورية. والتعاون الفرنسي ـ الروسي بعد أحداث باريس الأخيرة والحضور الفرنسي العسكري في المتوسط، وما تحمله أوراق الملفات الإقليمية من دور لباريس يمكن أن تلعبه في مكافحة الإرهاب وتعزيز حل الأزمة السورية.
تعكس زيارة روحاني جانباً كبيراً من التحرك الفرنسي اتجاه طهران لمباحثات تطبيع العلاقات منذ زيارة «فابيوس» إلى إيران والتي كانت بعد 12 عاماً، وهي ذات صلة بحرارة ظروف الحل السياسي في سورية وبروز براغماتية فرنسية على سطح ملفات الحل السياسي الإقليمي ربما تلغي بدورها التلكؤ الفرنسي في الحضور سياسياً في مفاوضات الحل السياسي على مختلف الملفات العربية، خصوصاً بعد التصعيد السعودي الأخير ضد طهران وغير المفهوم الاتجاه، فالانعطافات في مسار العلاقات الثنائية بين طهران وباريس سيجعل هناك استقطاباً دولياً للتوجه نحو طهران ربما يكون محوره الحرب على الإرهاب والتحول في مواقف الكثير من السياسات الغربية التي كانت تحمل وجهاً عدائياً في ما سبق، وربما تحمل تحالفات إقليمية ودولية تكون مرجعية لتحولات جديدة في المواقف الفرنسية، خصوصاً الأوروبية عموماً، فهل من المبكر تحليق السياسات الفرنسية الجديدة في سماء طهران؟ أم أن الإقلاع عن المدرج قد بدأ..؟