أردوغان والأكراد: الرئاسة من الجولة الأولى

عامر نعيم الياس

أقرّ البرلمان التركي أول من أمس مشروع قانون قدمته الحكومة الإسلامية المحافظة في تركيا يهدف إلى «ضمان حماية قانونية للمسؤولين المشاركين في المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني» الذي تعتبره تركيا والعديد من الدول الغربية منظمة إرهابية لا يجوز التعامل معها أو الاتصال بها. ووافق البرلمان بالغالبية على المشروع الحكومي الذي يشتمل على ستة بنود أحدها يتيح «لرئاسة الحكومة اتخاذ القرارات المتعلقة بإنهاء الإرهاب وتعزيز التكامل الاجتماعي واتخاذ ما يلزم لدمج أعضاء المنظمة الإرهابية ممن يسلّمون أسلحتهم في الحياة الاجتماعية، وذلك في إطار مسيرة السلام الداخلي».

من جهة أخرى، رحّب عبدالله أوجلان رئيس حزب العمال الكردستاني المعتقل في تركيا، بالقانون واصفاً إياه «بالحدث التاريخي»، فهل يندرج هذا الترحيب في سياق مد اليد لأردوغان في الانتخابات الرئاسية التركية التي ستجرى جولتها الأولى في العاشر من شهر آب المقبل؟

إن توقيت طرح مشروع القانون والتصويت بالغالبية عليه من قبل البرلمان الذي يسيطر عليه حزب العدالة والتنمية الإسلامي، وهذه المقاربة لملف يعد الأكثر حساسية في الحياة السياسية التركية، يعكس وجود استراتيجية انتخابية لرئيس الحكومة التركية أردوغان لإدارة العملية، أكثر منها توجهاً صادقاً لحل المسألة الكردية. فأردوغان وخلال السنوات الإحدى عشرة من حكمه استخدم الملف الكردي في سياق استراتيجية التمكين لحزبه أولاً، ومقارعة خصومه السياسيين وإظهار فشل سياساتهم في ما يخص القضية الكردية ثانياً. مناورات تكتيكية نجحت من دون أدنى شك في الحفاظ على شعرة معاوية بين عبد الله أوجلان ورجب طيب أردوغان، وهو ما جعل الملف الكردي مضبوطاً نوعاً ما، ويمكن أن يفسّر الرد السريع من جانب أوجلان على مبادرة أردوغان الخاصة بالأكراد والتي جرى الترويج لها سياسياً وإعلامياً على أنها «دافعة لعملية السلام مع الأكراد». هذا الالتقاء لا يقف عند هذا الحد، بل إن سياسات أردوغان الخاصة بدعم البارزاني وطموحاته الانفصالية وخلق الوهم بإمكان خلق دولة للأكراد قابلة للحياة في شمال العراق، ساهمت بشكل غير مباشر في بلورة موقف كردي يميل إلى إدارة اللعبة السياسية الانتهازية مع رئيس الوزراء التركي على أمل مراكمة بعض الإيجابيات بالنسبة إلى وضع أكراد تركيا.

يمثّل الأكراد حوالى 20 في المئة من المجتمع التركي، أو ما تعداده 15 مليون نسمة، وفي هذه الانتخابات التي تجرى للمرة الأولى عبر الاقتراع المباشر، رشّح حزب «الشعوب الديمقراطية» رئيسه صلاح الدين ديمرطاش، لخوض جولة العاشر من آب، كذلك رشّح حزبا «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية» أكمل الدين إحسان أوغلو الرئيس السابق لمنظمة المؤتمر الإسلامي لمواجهة الإسلامي الإخواني أردوغان في الانتخابات، مشهدٌ من شأنه إذا ما أخذنا في الاعتبار نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة ونسبة الأصوات التي حازتها المعارضة التركية، فضلاً عن التوّزع الجغرافي لهذه الأصوات، والذي دفع المراقبين إلى الحديث عن تعزيز الاصطفافات في الداخل التركي، كل هذه العوامل مجتمعة من شأنها رفع منسوب القلق لدى أردوغان من إمكان خوض جولة ثانية، وهو الذي يميل إلى الاستعراض ويراهن على الانتخابات الرئاسية في تعزيز قبضته على الحكم، وعليه فإن الحصول على جزء من أصوات الأكراد هو الهدف والأساس لمحاولة حسم الانتخابات من الجولة الأولى، وعدم الاضطرار إلى اللجوء إلى جولة ثانية سيكون الفائز فيها على الأرجح أردوغان.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى