«جنيف 3»: إرضاء القوى الإقليمية

عامر نعيم الياس

لا يبدو الدور التركي في سورية في طريقه إلى الانضباط بعد التدخل العسكري الجوّي الروسي في سورية، ورسم خطوط تماس لا يمكن لأنقرة أن تتجاوزها مرّة أخرى بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية فوق الحدود السورية ـ التركية.

«الميغ» السورية تخرج لترافق «السوخوي» الروسية على الحدود الملتهبة، والجيش السوري والقوات الرديفة استعادوا سلمى وربيعة وبات العسكر السوري على الحدود مع العدو الأكبر للبلاد والمساهم الأبرز في تدميرها ونهبها وسرقتها. لكن على الرغم من كل هذه التغييرات الدراماتيكية وخروج ريف اللاذقية من المعادلة الميدانية، والتقدم الكردي الموازي لتقدم لجيش لسوري ميدانياً في منطقة الفرات، تعود أنقرة العدالة والتنمية لخلط الأوراق على المستوى السياسي في سورية، فما تخسره أنقرة في الميدان يحاول الآخرون منحها إياه في السياسة ويتمثل هذا الأمر بنقطتين أساسيتين تتحمل موسكو وواشنطن المسؤولية لكاملة عنهما:

ـ الأولى: الدعوات التي وجهها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لما يسمّى «المعارضة السورية» لحضور مؤتمر «جنيف 3»، تلك الدعوات التي اعتبرت فقط ما يسمى «الائتلاف السوري المعارض» هيئة سياسية لها تمثيلها، فيما باقي مكوّنات «الحالة المعارضة السورية» لا وجود لها وهي عبارة عن شخصيات منفردة تساهم في الاعتراض من منطلق المهنة وضرورات الربيع العربي، مع أن هذا الأمر ينطبق على الجميع من دون استثناء، وأكثر ما ينطبق على الائتلاف والوفد الذي يشكل نواته والمسمى «وفد الرياض».

ـ الثانية: استبعاد الأكراد على الرغم من أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أكّد خلال مؤتمره السنوي على محورية دورهم واستراتيجية المناطق التي يسيطرون عليها. هذا الاستبعاد الذي راعى الخطوط الحمراء لتركيا وحدها دون غيرها من المجتمع الدولي.

كل ما سبق مهّد له في بعض وسائل الإعلام العربية بحملة تتحدث عن انقلابٍ في الموقف الدولي وتحديداً الأميركي من الرياض وسياساتها، وحتى من أنقرة وسياساتها، فالأميركيون في الرميلان، وفق التسريبات الإعلامية، يقيمون هناك قاعدةً عسكرية لدعم الأكراد، الذين يبدون أميَل إلى مجاراة الأميركيين والتطابق معهم، على الرغم من حفاظهم على علاقة طيبة مع موسكو، أما هذه الأخيرة فقد فرضت جدول أعمالها على مؤتمر «جنيف 3»، وهو ما وافق عليه وزير الخارجية الأميركي جون كيري وهدّد «وفد الرياض» به مباشرةً ومن دون أي مواربة، فيما خرج المبعوث الأمم دي ميستورا ليلوّح بصلاحياته في تحديد قائمة المدعوين وفق القرار 2254، غامزاً من قناة الاعتراضات الإقليمية على المؤتمر، وهو ما دفع بعض الصحافيين العرب للترويج لمقولة أن «جنيف 3» «بمن حضر».

وجّه دي ميستورا الدعوات وعاد «وفد الرياض» لتكرار نغمة الشروط المسبقة، خاضعاً لصراعات داخله بين الجناح لسعودي والجناح التركي القطري لا أهمية لها في ضوء شروط تطالب بوقف تقدم الجيش السوري على الأرض وإطلاق السجناء وفق رغبة مشتركة للرياض وأنقرة والدوحة. أما وفد لوزان وتحديداً هيثم مناع فهو الآخر خرج ليتحدث عن وصاية روسية أميركية على القرار السوري، وعلى رفضه قبول الدعوة التي وجهها المبعوث الأممي إن لم يدعُ الأكراد، هذا الفريق الذي استبعد مقابل دعوة رندة قسيس «رئيسة حركة المجتمع التعددي» بصفتها الشخصية! فهل التفاوض ممكن في ظل ما سبق، مع من سيتفاوض وفد الدولة لسورية الذي يبدو وحده القادر على الاستجابة للمبادرات الدولية والراغب في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من البلاد؟

لن يحضر أحد حتى نقول ونروّج لمقولة المؤتمر بمن حضر، فعقدة الأكراد تنسف المؤتمر شئنا أم أبينا، والسيادة التي يتشدق بها وفد لوزان، أو حتى وفد الرياض لا أساس لها، فتقدم الجيش السوري خلط الأوراق وأربك الجميع والتفاوض الآن ليس في مصلحة من يريد كرسي الحكم فقط وتقاسم السلطة، فيما مصير البلاد وأهلها والتطلع إلى سلامٍ فيها لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد. وتبقى أنقرة العدالة والتنمية إشكالية لا يريد أحد وضع حدٍّ لها، فما خسرته عسكرياً ورغماً عنها، يتم تقديمه إليها سياسياً.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى