دي ميستورا والشجاعة وإنقاذ اليهود… وصديقه اللبناني
روزانا رمّال
بعد موافقة الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، على طلب الممثل الخاص المشترك الأخضر الإبراهيمي إعفائه من مهماته اعتباراً من الحادي والثلاثين من أيار 2014، أعلنت الأمم المتحدة، عن اختيار السويدي، ستيفان دي ميستورا، مبعوثاً أمميّاً جديداً إلى سورية خلفاً للأخضر الإبراهيمي.
ينتظر دي ميستورا استكمال مفاوضات جنيف المتوقفة والتي كانت روسيا قد اشترطت في وقت سابق تعيين مبعوث اممي جديد لسورية لاستكمالها من اجل التوصل الى حل سياسي طال انتظاره… الجدير ذكره ان مهمة ستيفان دي ميستورا وإنْ كانت في الشكل مهمة سلفيه كوفي انان والابراهيمي نفسها بما يتعلق بالملف السوري وتعقيداته، إلا ان الصفة التمثيلية للمبعوث دي ميستورا مختلفة عنهما حيث لا يمثل دي ميستورا في مهمته سوى الامم المتحدة من دون المرور على صفة تمثيلية تختص بالجامعة العربية كما كان الابراهيمي حيث كانت الصيغة التي قُدم فيها ممثلاً مشتركاً للمنظمة الدولية والجامعة العربية .
ان فصل الحيّز العربي عن مهمات دي ميستورا هو فصل غير مباشر او إبعاد غير مباشر للموقف العربي الذي لا شك في انه يعني بطريقة او أخرى عزل قادة دول الخليج الذين تحكموا بموقف الجامعة العربية منذ الأيام الأولى للأزمة السورية وعزلوا سورية عن مقعدها حيث يسيطر ويطغى الموقف الخليجي عموماً على قرارات الجامعة العربية وهذا ليس جديداً على المنظمة… ما يؤكد ان هذا جاء تلبية لطلب روسيا التي كانت قد شددت على تعيين مبعوث اممي حصراً وليس اممياً وعربياً معاً، وقد نقل فيتالي تشوركين عن الاخضر الابراهيمي تعبير الأخير عن ان الصفة العربية في مهماته وتمثيله الجامعة العربية قيدت مهماته .
إبعاد الموقف الخليجي والوقوف عند المطلب الروسي- السوري المشترك، بطبيعة الحال، هو اشارة واضحة الى المرحلة التي اصبح الملف السوري والموقف السوري الحالي، هو اعتراف اساساً بثبات النظام وصموده واستمراريته كممثل شرعي للشعب السوري وأحقيته بسيادة لن يفرط او يسمح بالتدخل لخرقها من اي طرف كان، ويترجم هذا ان المفاوضات حول سورية لم ولن تنجح سوى بالرجوع لرغبات دمشق.
في شهر آب عام 2013 حضر دي ميستورا المبعوث الاممي السابق لكل من أفغانستان، لبنان والعراق مع عدد من الديبلوماسيين من السويد وخارجها وعدد من الوزراء في السويد، محاضرة تحت عنوان الشجاعة المدنية احياء لذكرى الديبلوماسي السويدي راول فالنبرغ وكان حينها لدي ميستورا كلام مهم عن الديبلوماسية والشجاعة وكيفية التطلع اليهما والعمل باطارهما، فقال: يجب التعلم من تجربة فالنبرغ لا سيما في مناطق مثل، رواندا، بنغازي وسورية، حيث يتطلب وضع تلك المناطق التمسك بالمبادئ بدلاً من المصالح، وهذا ما يحاول الدبلوماسيون إيصاله، أن المبادئ تبدّى عن المصالح، لكن في نهاية الأمر، السياسيون هم الذين يتخذون القرار .
اذا كانت الشجاعة بالنسبة لدي ميستورا التمثل بالديبلوماسي السويدي الراحل فالنبرغ الذي اشتهر بقصة أعطاء جوازات سفر سويدية لكثير من اليهود الهولنديين على مسؤوليته، الأمر الذي أدى وفق بعض المصادر لإنقاذ حياة 12 ألف يهودي من المحرقة النازية المفترضة او الذي دفع حياته ثمناً لإنقاذ آلاف اليهود من المحرقة النازية حسب تعبير دي ميستورا، عبر تهريبهم من بودابست بجوازات سفر سويدية، فإن هذا يتطلب التوقف أكثر عند مبادئ دي ميستورا ووجهتها والسؤال هل هي انسانية اممية ام سياسية؟
هل البعد الإنساني هنا يحضر لأن المستفيدين هم يهود أم لأنها مبادئ إنسانية صرفة؟
قد تكون حقبة دي ميستورا نقطة فاصلة في الملف السوري، خصوصاً ان مهماته كانت في اكثر الاماكن حساسية في الشرق الاوسط وهي افغانستان ولبنان والعراق، اضافة الى كون مهماته فيها اتاحت له فرصة نسج علاقات مع مسؤولين بارزين في المنطقة يبدو ان بينهم صديقاً لبنانياً فاعلاً يحرص دي ميستورا على التواصل معه…
دي ميستورا أبلغ صديقه اللبناني المعروف بعلاقاته القوية بسورية ومعرفته الممتازة بخصوصياتها، أنه لا يحتاج منه خبرته السورية وحسب بل وعلاقاته بالمرجعية في العراق، والصديق كان رتب لدي ميستورا أيام مسؤولياته في العراق زيارة للمرجعية والأماكن المقدسة يروي دي ميستورا أنه لا يزال يحس بتأثيراتها النفسية والروحية.
مع المرحلة التي تدخلها أزمات المنطقة وتشابكاتها، تبدو مهمة دي ميستورا إقليمية ركيزتها سورية، حيث هندسة التوازنات وأدوار وأحجام القوى اللاعبة على المسرح الإقليمي كالأوعية المستطرقة، تتناسب طرداً وعكساً بين ساحة وأخرى، بحيث لا يمكن ترتيب إحدى ساحاتها من دون الأخرى، فالذي ينال دوراً محورياً في العراق، يتحمل بعضاً من التنازلات في سورية أو لبنان وهكذا، حتى يطرح السؤال هل ترتيب العراق وسورية ولبنان وبالتالي توازن الدورين الإيراني والسعودي فيهما سيتم بالتوازي في حقيبة دي ميستورا؟
في زمن حرب غزة، هل سيكون لدي ميستورا الذي أدار ملف علاقة لبنان بـ إسرائيل وتعقيداته، دور في ترسيم هدنة عربية – إسرائيلية شاملة بديلاً من سلام مفقود وإطار للتفاوض؟ قد يحتاج للنجاح فيها إلى هويات سويدية على مسؤوليته لضمان نجاة فلسطينيي غزة من محرقة جديدة، بعيداً من تعاطفه مع يهود مثالهم الأعلى فالنبرغ؟
هل إن فتح نافذة لبنانية في مهمة دي ميستورا، تتخطى الصداقة وخبرتها، ليكون لبنان والرئاسة فيه وتوازناتها لاحقاً أحد ملفاته؟