مفاوضات جنيف ستقضي على ما تبقى من الحلف الأميركي…

مصطفى حكمت العراقي ـ بغداد

لم يعد خافياً على أحد أنّ التوافق الروسي الأميركي حول الأزمة السورية قد تمّ، وأنّ أبرز بنوده هي حكومة وحدة وطنية في ظلّ رئاسة الريس بشار الأسد، تكمل مسيرة القضاء على الإرهاب تحت ظلّ الجيش العربي السوري وحلفاؤه، وكذلك الهيئة لتعديل الدستور وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية بعد 18 شهراً كحدّ أقصى من الاتفاق يكون للرئيس الأسد فيها الحق بالمشاركة كمرشح رئاسي.

هذا الاتفاق لم يولد بسهولة بل واجه مراحل عصيبة على مختلف الأطراف بسبب تعنّت الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، والرهان باستمرار على إسقاط الدولة السورية عسكرياً، ولكن الفشل كان حليفهم منذ البداية، فتلقوا الهزائم تلو الهزائم، غير أنهم رفضوا الاعتراف بذلك، الى أن وصلت الأمور الى استسلام سيّدهم الأميركي بهذا الواقع، فبدأ مسلسل التراجع والقبول بإسقاط القطب الواحد من أوكرانيا، ثم توقيع وتطبيق الاتفاق النووي، الى القبول برئيس مقاوم في لبنان بالرغم من الملابسات الكثيرة التي رافقت ترشيح الجنرال عون والنائب فرنجية لهذا المنصب، وصولاً الى التفاهم مع روسيا على صيغة قرار في مجلس الأمن لبدء مفاوضات العملية السياسية في سورية من دون أي شروط مسبقة.

لكن البوابة الرئيسة لخروج هذا الاتفاق إلى العلن هي إجراء محادثات بين وفدي الدولة السورية والمعارضة التي لم تستطع الاتفاق على وفد موحّد الى الآن، والاختلاف على أشدّه في ما بينهم بسبب اختلاف داعميهم ومموّليهم، فالرياض شكلت وفداً، وتركيا وقطر لهما وفد، وكلهم يرفضون مشاركة الأكراد في المحادثات، وهو ما رفضته موسكو بشكل قاطع حيث جدّد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف رفض موسكو لمحاولات بعض الدول اقتصار تركيبة وفد المعارضة السورية في المفاوضات على المشاركين في لقاء الرياض.

وشدّد على أنّ ادّعاءات بعض الذين يرفضون مشاركة الأكراد بذريعة أنهم «لا يحاربون الرئيس بشار الأسد»، لا يمكن أن تمثل أساساً لاستبعادهم من العملية التفاوضية. وقال إنّ عدم توجيه الدعوة إلى الأكراد سيمثل خطراً هائلاً.

أما ستيفان دي ميستورا فقد بدأ مكتبه بتوجيه الدعوات لحضور المؤتمر وفقاً للمعايير المحدّدة في قرار مجلس الأمن 2254. كما قال دي ميستورا إنّ جولة المحادثات الأولى في جنيف ستستمرّ أسبوعين أو ثلاثة، وقد تتطرق إلى مراجعة الدستور وسبل إجراء انتخابات مقبلة… وتابع أنّ المهم هو بدء المحادثات بحدّ أدنى من التفاهم المشترك بين الأطراف…

أجزاء المعارضة اختلفت ردودها، فمعارضة الرياض أعلنت أنها مستعدّة للنظر بإيجابية في الموافقة على المشاركة في العملية السياسية. علماً أنّ تقارير إخبارية كشفت أنّ جون كيري هدّد بوقف الدعم للمعارضة السورية إذا لم تحضر المحادثات المقرّر أن تبدأ اليوم الجمعة في مدينة جنيف السويسرية. كذلك استمرار المشاورات في الرياض يدلّ إلى أنّ المشاركة هي الخيار الوحيد أمام معارضة الرياض، لأنّ عدم الحضور يعني أنهم أصبحوا خارج اللعبة نهائياً.

من ناحيته أكد الرئيس المشترك لمجلس سورية الديمقراطي هيثم مناع أنه تمّ توجيه 12 دعوة إلى جنيف لأسماء تمّ طرحها من قبل المجلس، وأضاف أنه تبلغ بوجود ضغط روسي أميركي لإبقاء 12 اسماً من أصل 16 تمّ الاتفاق عليها. وأعلن مناع أنّ وفد المجلس لن يشارك في هذا الاجتماع الذي تمّت دعوته، واعتبر أنّ المحادثات من دون فريقه ستفشل، وأنّ على الدول الكبرى أن تقبل «بنا كما نحن وما زالت هناك فرصة للتفاهم»، مضيفاً: «لن نذهب من دون التمثيل الكردي».

رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم بدوره قال إنّ الحزب يتوقع دعوته للمشاركة في المفاوضات، لكنه لا يعرف «بأي شكل من الأشكال» بحسب قوله. وكانت أنقرة جدّدت «رفضها القاطع» لمشاركة الكرد السوريين من حزب الاتحاد الديمقراطي في المفاوضات. موقف أنقرة عبّر عنه رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو الذي قال أمام نواب حزبه: نرفض بشكلٍ قاطع حضور حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب حول طاولة المفاوضات، مذكراً بأنّ حكومته تعتبر هاتين الحركتين المقرّبتين من حزب العمال الكردستاني «إرهابيّتين».

أعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أنّ دي ميستورا أبلغه بأنه لن يوجه الدعوة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري لحضور المحادثات، وأضاف إنّ دي ميستورا أكد له أيضاً أنّ وفد الرياض سيقود المفاوضات، حتى وإنْ شارك في المحادثات معارضون آخرون.

مسار الأحداث يوحي بأنّ جولة المفاوضات هذه لن تخرج بنتائج كبيرة على الأرض، وإنْ تمّ تأجيلها فإنّ المستفيد الأكبر هو الدولة السورية وحلفاؤها في الميدان لأنّ التقدّم مستمرّ للجيش العربي السوري وحلفائه في كامل الجغرافية السورية، فبعد إغلاق الحدود التركية في ربيعة، والتوجه نحو قضم كامل الحدود التركية في الشمال السوري الذي أصبح متاحاً أكثر من أيّ وقت مضى، وكذلك السيطرة على مدينة الشيخ مسكين الاستراتيجية في الجنوب السوري، واستمرار تطهير باقي أحياء دمشق وريفها، كلّ هذا يؤكد أنّ الدولة السورية ماضية في إكمال مسيرة القضاء على الإرهاب، وأنّ مسار التفاوض تقدّم أو تأخر لن يمكن المعارضة المسلحة من الحصول على مكاسب سياسية لم تحصل عليها في الميدان، خصوصاً أنّ القيمة المضافة التي تمتلكها الدولة السورية في هذه المفاوضات هي المشاركة العسكرية الروسية، وكذلك الانتصار الكبير للحليف الإيراني في مجال رفع الحصار، إضافة الى خروج أنقرة من الملف السوري بعد التدخل الروسي.

كلّ هذه الأمور تؤكد أنّ محادثات جنيف هي حلقة جديدة في مسلسل هزائم الحلف الأميركي في المنطقة، وأنّ الميدان سيحسم السياسية فمن انتصر عسكرياً لن يسمح بهزيمته سياسياً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى