كراج

بلال شرارة

أنا لا أعرف مثلاً ما إذا كان الشعر شديد البأس أو شديد البؤس، فأنا لا أعتبر نفسي مقياساً للأمر، حيث أني لا أحترف المصلحة الشعر ، فأنا آكل عيشي من عملي ومن سهري في الإدارة البرلمانية التي أذهب إليها من السادسة صباحاً إلى ما شاء الله.

لا أعرف مثلاً إذا كان الشاعر مَدّاحاً أم هَجّاءً، رمزياً أم واضحاً، شاعر تورية لفلفة أم شاعراً مباشراً، ضاحكاً أم باكياً، مرتّلاً أم منشداً، مُثقَّفاً أم مُثقِّفاً، طويلاً أم قصيراً، بديناً أم ضعيفاً.

ما هي معايير الشعر والشعراء هل هناك شعراء وزن الريشة وشعراء من الوزن الثقيل؟ ما هي أدوات النصب والرفع والضمّ و… الضرب الشعرية.

هل هناك عِدّة شعرية؟ أقلام دقيقة، عريضة، طويلة، قصيرة سوداء، زرقاء، ملوّنة؟ والأوراق هل هي A4 أم دفاتر كارو صغيرة أم دفاتر حساب، عربي، فرنسي؟

ثم أين يقيم الشعراء؟ أين يأتيهم الإلهام؟ هل عندهم موديل يكتبون بناء عليه شعر المرأة والحبّ؟ هل لديهم وطن؟ هل هم جهويون؟ فئويون؟ هل هم أكبر من هيك ؟ هل هم أصحاب مزاج؟ هل يقودهم كرّاز؟ هل يُعجبهم العجب والصيام في رجب ، هل ينامون القيلولة عرب نحن ونعشق نوم القيلولة ؟ هل يسهرون إلى الصباح وهم يستلهمون حركة المشاعر في الليل الدامس، أم هل يتعاركون على ضوء نثار فضة القمر؟ هل تشرق عليهم الشمس أم يشرقون على الشمس؟ كيف هي علاقاتهم بزوجاتهم؟ هل يصطادون الفتيات بالكلام المعسول على قاعدة الشعر أعذبُه أكذبُه ؟

أنا لا أعرف ماذا يأتي في بالي لأكتب وأكتب وأكتب. ذلك لا يعني أنني مجنون تماماً، إذ ربما أكون ممسوساً، ولكن مشكلتي أنني أملك الكثير من الأسئلة دون أجوبة مثلاً: هل الشعراء والكتّاب لديهم إحساس بفلسطين؟ أم أنهم أغلقوا مسامات مشاعرهم في ذلك الاتجاه وهزموا تماماً؟ أصابهم الإحباط؟ منذ أن مضى محمود درويش وسميح القاسم وأغلقا خلفهما باب أنّ الفكرة أكبر من دولة، وأن الحبّ طير أبيض لا يقرب الشعراء! عفواً الميدان والجنود، وصارت علاقتهم – الشعراء – بفلسطين أحياناً عندما نحرجهم بإقامة يوم الأرض أو يوم الأسير الفلسطيني.

أنا مثلاً لا أعرف شاعراً عربياً أحسّ باليمن أو سورية أو العراق أو ليبيا لو ما زال صدام حسين أو معمر القذافي والشعراء أحياء لكانوا كتبوا وكتبوا وأنشدوا القصائد التي تمتدح النظام السياسي، وقال لهم أحد أركان الأنظمة: زهٍ وناولهم كيس دراهم وخلع عليهم أحد ما عباءته! أقول ذلك لأنني أعرفهم وأملك أرشيف تاريخهم الشعري! و – أنا – أعرف مَن كان يتلقّى الدعوات إلى مهرجانات المربد والفاتح والغامق من سبتمبر وجرش؟ وهم أنفسهم اليوم الذين يتلقّون الدعوات إلى الجنادرية وإلى الشارقة والصحن الحسيني في كربلاء… وهم أنفسهم الذين يربحون جوائز الشعر العربي، خصوصاً المالية والله لا حسد ولا ضيقة عين فمن ذا الذي يستطيع أن ينافس واحداً لا شغلة ولا عملة عنده إلا كتابة الشعر واستعارة الاستعارات وتحويل بساتين اللوز التي تطير فوق مشغرة إلى برتقال؟ كما أني لست مهتماً بقمصان أحد أو بصبّ زهر النارنج على جرحي إذا التهب .

يا سيدات ويا سادة يا كرام، عفواً فأنتم لستم كراماً ولا من يحزنون. بناءً على ما شاهدته في معرض الكتاب الأخير من توقيع عشرات دواوين الشاعرات والشعراء والتي تجاوزت كلّ حدّ ممكن – بناء على ذلك – أعود إلى اقتراح سبق أن قدّمته وهو: افتتاح كراج للشعر حدادة وبويا للقصائد، اشبمانات، تغيير زيت، راديتير للقصائد، تركيب فيتاس، ترمبات بنزين للدواوين، تغيير موتورات وزجاج فيمه .

الكراج يجب أن يخضع له الشعر المحكي كما الفصيح، شعر التفعيلة والشعر الحرّ!

أفٍّ… لقد تعبنا تماماً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى