أهمية الشخصية الوطنية القيادية في زمن الحرب

د. حسام الدين خلاصي

وضّحت الحرب الأخيرة على المنطقة عموماً وعلى سورية خصوصاً الواقع السياسي والفكري الواقعي للشخصيات الوطنية التي برزت على الساحة العربية والمحلية، فجسّد الوقت الطويل لهذه الحرب المجنونة أهمية وجود الشخصية الوطنية على المستوى الجماعي وعلى المستوى الفردي لقيادة أيّ عمل وطني في طياته تبرز أهمية أن يكون هناك قائد لأيّ عمل وطني وبسرعة، ولم تتضح نماذج جيدة وواضحة لا في صفوف المعارضات الوطنية ولا في صفوف الموالاة الذين لم يتبنّوا فكراً معارضاً في زمن الحرب في إطار منظم .

ضاع المواطن بين ضفتي الذهنية القديمة التي تمثلت في الدولة الأبوية والتي كانت تقدّم نماذج شخصيات وطنية قيادية جاهزة، وبين الانفتاح الحاصل بفعل الأزمة والإعلام المتسارعين، واللذين وضحا أنه يمكن أن يوجد قادة فكر رغم كلّ التناقضات التي حملها الظاهرون في أثناء الحرب على المستوى الوطني والسياسي ولو اختلفنا معهم في المبدأ والسلوك، لكن هذا المفهوم برز إلى السطح فجأة وهنا كان على المواطن أن يبحث عن مقوّمات وصفات تجعله إما ينخرط وراء قيادة لشخصية وطنية مفترضة وطارئة ولم يجد في صفوف مجتمعه تلك الشخصية البارزة أو أن يكون هو تلك الشخصية القيادية في مجتمع قلّت فيه القيادات المجتمعية، وهذا الإجراء الإسعافي لإنقاذ المجتمع رافقه التخبّط بين قادة المعارضة الوطنية وقيادات الموالاة المتراكمة… ونسي الجميع الشخصية الوطنية لأيّ قائد سياسي وركض الجميع خلف القيادة الحزبية والتمترس خلف الأفكار المسبقة لأنّ المواطن ليس لديه بديل، وعقله الحاضر لم يتحرك بالسرعة الكافية لإنتاج منظومة فكرية جديدة تتلاءم وطبيعة الحرب التي تشنّ على المنطقة وضاع بين الـ»أنا» وإرضائها وبين الـ»نحن» التي تحتاج للتضحية بالـ»أنا»، ساهم في ذلك استمرار طغيان المنظومة الفكرية السائدة قبل الحرب بالمفهوم المعرفي وطريقة إدارة المجتمع.

وبكلّ واقعية لم تبرز أبداً أية شخصية في المجتمع لتكون قيادة نشطة وطمر الإعلام المحلي الوطني ببروده وعدم اهتمامه بالمسألة الكثير من المبادرات من قبل الشخصيات التي حاولت ان تكون قيادية، وركز الإعلام الوطني على المؤسسات الحكومية الناجحة بما فيها ذاته ومؤسسته، ونسي أهمية إنتاج والمساعدة في إنتاج الشخصية الوطنية القيادية في زمن الحرب.

لقد تخبّط المواطن في إنتاج الشخصية الوطنية نتيجة ضعف المعرفة بتجارب الشعوب والانغلاق الفكري على الذات الوطنية واعتبار النموذج القديم هو الوحيد الصالح لمجابهة الهجوم على الوطن، ورغم ذلك فإنّ نهوض بعض الشخصيات من تحت ذلك الركام مهّد لبعث التساؤل وإثارة الفضول حول القدرات الكامنة لدى أفراد الشعب لمساعدة الوطن على التصدّي للحرب الظالمة التي تشنّ عليه، ولكن هذه الشخصيات سرعان ما ذابت مع تسارع الأحداث وغياب الخطة الفكرية والعملية وغياب التوقعات لما ستؤول إليه الأمور، فعدنا إلى الخطاب الجامد الذي لا ينتج إلا التشنّج والتعصّب، وتحوّلت الـ»نحن» إلى «أنا» من جديد أنا بصيغة نحن أو لا أحد من قبل المعارضة أو الموالاة وعاد المواطن إلى البحث من جديد عن النموذج القدوة في الشخصية الوطنية، وعاد ليسأل هل أصلح أنا لأكون شخصية وطنية وأقود مجتمعي وبقيت المسألة معلقة والتساؤلات مشروعة:

1 ـ لماذا لم ننتج حتى الآن شخصية وطنية قيادية في صفوف المجتمع؟

2 ـ لماذا نحارب الشخصيات الوطنية صاحبة المشروع الوطني إنْ وجدت ونناقش أفكارها بتجرد؟

3 ـ لماذا بتنا أقرب إلى التشتّت بين الانتماء إلى الحزبية الوطنية أو الوطنية الصرفة المختلطة؟

4 ـ لماذا لم يتمّ التكامل بين أطراف العمل السياسي في الوطن من أجل النهوض بالمسألة الوطنية سوية؟

5 ـ لماذا نجحنا في إدارة الدفة الاجتماعية في التكافل وتقديم العون وبإشراف الدولة وفشلنا في التكامل السياسي وبإشراف الدولة ذاتها؟

6 ـ ما هي مقوّمات الشخصية الوطنية القيادية لمجتمع في زمن الحرب؟

7 ـ لماذا لم تقدّم مشاريع سياسية جماعية وطنية من قبل كلّ التيارات السياسية الناتجة تفرض ذاتها بعد سنين طويلة من الحرب؟

وبعد هذه التساؤلات وبكلّ الواقعية نجد أنه من الضروري أن تتحدّد سمات الشخصية الوطنية القيادية في زمن الحرب لتتحوّل إلى قائد في مجتمعه، وأجدها حسب معرفتي بالواقع أن تكون كما يلي:

1 ـ أن تتميّز الشخصية الوطنية القيادية بالابتعاد عن أيّ شكل من أشكال التطرف السياسي والديني والطائفي والمناطقي تحت أيّ شعار ومهما كانت النوايا سليمة إلخ… بصورة معلنة مكتوبة نصاً وبسلوك سياسي عملاني مشاهَد ومتابَع ومتراكِم من قبل المواطنين.

2 ـ أن تتميّز الشخصية الوطنية القيادية بقبولها للدستور والقانون المعمول به في الوطن، ولا تقوم بخرقه تحت ايّ ظرف، وتطالب بتطويره لما فيه خدمة الوطن والمواطن لترتقي به إلى الأفضل دوماً.

3 ـ أن تتميّز الشخصية الوطنية القيادية بمال نظيف ومورد رزق نظيف ومعلن قبل وبعد انخراطها في العمل القيادي والسياسي.

4 ـ أن تتميّز الشخصية الوطنية القيادية بأنها تطرح مشروعاً وطنياً مكتوباً وواضحا ًيعتمد في طياته على الانحياز إلى الوطن قبل ايّ انحياز إلى حزب أو تيار سياسي أو فكري.

5 ـ أن تتميّز الشخصية الوطنية القيادية بعدم تعشطّها إلى السلطة لمجرد السلطة، بل تساهم في صناعة وتوجيه السلطة والنظام الذي يخدم الوطن، وتقوم بإعلان مواقفها الصريحة ضدّ اية خروقات للدستور والقانون، وتحث أتباعها على الاعتراض السلمي وفق ما نص عليه الدستور والقانون بكلّ شفافية.

6 ـ أن تتميّز الشخصية الوطنية القيادية بانحيازها إلى المواطن لأنه غاية الوطن.

7 ـ أن تتميّز الشخصية الوطنية القيادية بمرونتها وتقبّلها للآخر الذي يقدّم المساعدة والمشورة ويؤمّن بالعمل الجماعي.

8 ـ أن تتميّز الشخصية الوطنية القيادية بالانفتاح على كافة التيارات الوطنية التي تكون في مقام الشراكة بغضّ النظر عن حجمها وتمثيلها السياسي، لأنّ المطلوب للتشاركية هو الكفاءات العلمية والواقعية وليست الأحجام السياسية التي لا تعتبر مؤشرات واقعية نوعية في زمني الحرب والسلم.

كثيرة هي الصفات التي يجب أن تتوفر في الشخصية القيادية الوطنية، والقارئ يستطيع أن يضيف وينقص منها ما يشاء، ولكن هذا دليل على التفاعل مع صلب الموضوع ألا وهو غياب هذه الشخصية الضرورية جداً في زمن الحرب.

ختاما ً إنّ مثل هذه الشخصيات توفرها أسهل في سياق المجتمع المدني الوطني المموّل وطنياً والمنحاز إلى الوطنية فقط، ولن تجدها في صفوف التطرف الحزبي والديني والمذهبي وغيره مهما سلمت النوايا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى