«جدلية الدين والتنوير» لهيغل في ترجمة عربيّة

صدرت ضمن منشورات «كلمة» الترجمة العربية لكتاب «جدلية الدين والتنوير» للفيلسوف الألماني هيغل، نقله إلى العربية الدكتور أبويعرب محمد الحبيب المرزوقي من تونس.

الكتاب في قسمين، الأول يدرس التدرج المعرفي الإنساني الذي يتكون منه الوعي الديني لدى الإنسان في علاقته بممارسات الإنسان العملية والنظرية. ويدرس الثاني أدلة وجود الإله ومراحل الترقي الإنساني وتجاوزه المتناهي والفاني إلى اللامتناهي والباقي. وتعتبر محاولة هيغل لمناقشة العلاقة بين الدين والتنوير أهم أسس سعيه لتأسيس فلسفة الدين، فالفهم السيئ لكلا المفهومين، الدين والتنوير، جعلهما يبدوان كأنهما متناقضان. فلو كانت غايات التنوير تحرير الإنسان من التبعية لأي سلطان مسلط على ضميره وفكره فإنه يعد بهذا المعنى من جوهر الدين، رغم أنه يبدو متناقضاً معه. ذلك أن سعي بعض التنويريين إلى بناء تلك الثورة الخلقية على التناقض بين العقل المقصور على التحليل والحساب والنافي لأسرار الوجود التي يشير إليها الدين جعله كأنه ناف للدين نفياً جوهرياً. كما أن سعي بعض رجال الدين إلى تأسيس الدين على التسليم لسلطة روحية مهيمنة على الوعي والضمير وتدعي العلم بأسرار لا ينفذ إليها العقل الإنساني جعل مهمة تأسيس فلسفة الدين شبه مستحيلة. لذا يحاول هيغل تجاوز هذا التناقض السطحي لينفذ إلى الأعماق من خلال مناقشة مفهوم العقل مميّزاً فيه بين الحصاة Verstand والنهى Vernunft ومناقشة مفهوم الدين ليثبت أن علّة الصدام المزعوم بينه وبين العقل هذان الموقفان المتطرفان في فهم الدين والعقل في آن واحد. واقتضت عملية تأسيس فلسفة الدين تقديم علاجين متوازيين: الأول فلسفي مفهومي خالص يناقش فيه هيغل نظرية المعرفة ومفهوم العقل ومراحل تدرجه التي تبين الحاجة إلى الفلسفة النقدية وإلى تجاوزها بتحديد دورها في التنوير الواعي بشروط حرية الضمير والوعي الذي لا يستثني المتعاليات الروحية والعقلية. والثاني تاريخي أنثربولوجي يناقش فيه هيغل مراحل تكون الوعي الديني وتدرجه نحو الوصل المتين بين التجربتين الروحية والمعرفية في سعي الإنسان إلى تنزيل القيم في التاريخ الفعلي متدرجاً من الأديان الطبيعية إلى الأديان المنزلة.

بذلك فإن فلسفة التاريخ الهيغلية هي في الحقيقة محاولة لبيان سعي الإنسانية إلى تحقيق غايتين تبدوان متعارضتين: أولاهما السمو إلى ما يتعالى على المباشر والمتناهي من وجوده الدنيوي في مستوى الممارسة المعرفية النظرية والعملية، وفي مستوى العلاقات السياسية والاقتصادية تعيناً للقيم والأخلاق. والثانية تنزيل المتعاليات لتحل في المباشر والمتناهي من وجوده الدنيوي كي يصبح هذا الوجود نفسه محكوماً بالقانون والأخلاق سياسة تنظيم الحياة الدنيوية وبحرية الإنسان وتعاليه على كل تناه ومباشرة لكونه كائناً مفكراً يمثل الكلي المتعين أو المفهوم الحي.

ولد هيغل في 27 آب 1770 وتوفي في 14 تشرين الثاني 1831. هو آخر الفلاسفة بالمعنى الموسوعي المعنى الذي بدأ بعلاقة نقدية بين أفلاطون وأرسطو، وختم بعلاقة نقدية بين كانط وهيغل، وتنقسم حياة هيغل الفكرية إلى مرحلتين أساسيتين هما ما قبل كتابه «فينومينولوجيا الروح» سنة 1807 غاية لتكوينية تميزه الفكري، وما بين الفينومينولوجيا، وهذا الكتاب، أي «الدروس في فلسفة الدين» غاية لإبداعاته الفكرية الثورية إذ أسس لفرع جديد في الفكر الفلسفي هو فلسفة الدين.

ولد مترجم الكتاب الدكتور أبو يعرب محمد الحبيب المرزوقي في بنزرت عام 1947. وهو أستاذ الفلسفة اليونانية والعربية في الجامعة التونسية. حاضر في الجامعة العالمية الإسلامية في ماليزيا وأدار معهد الترجمة في الأكاديمية التونسية بيت الحكمة. بدأ بتدريس الفلسفة اليونانية عامة والأرسطية خاصة وألف فيها كتاب «منزلة الرياضيات في علم أرسطو» ثم ختم حياته بالتخصص في الفلسفة الألمانية التي كتب عنها بعض المقالات وترجم منها عدة مصنفات لعل أهمها كتاب «الأفكار» لهوسرل الذي نال عنه جائزة الشيخ زايد للكتاب. كما ترجم عن الفرنسية لبيار دوهام «مصادر الفلسفة العربية» وعن الإنكليزية كتاب «كواين بسيط المنطق».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى