قالت له
قالت له: أيعقل أن يكون التمجيد المبالغ فيه للحبّ صحيحاً بأن في الحياة حبّ واحد فقط؟ أم أنّ الحياة انتقال من حبّ إلى حبّ؟ وهل كونك عرفتني وأنا أخرج من حبّ قديم صارحتك أنه يرافقني ولم يزل، جعلك تشكّ في حبّي لك وتضعه في تصنيف آخر؟
فقال لها: الحبّ وصف، نحن من يمنحه لحالة مشاعر إيجابية تترابط عبرها صلة رجل وامرأة تتراوح بستة اتجاهات صعوداً وهبوطاً ويميناً ويساراً وشرقاً وغرباً، يكون منها ما يطغى عليه التقدير أو الإعجاب أو الرغبة أو العرفان، فتتدرّج من الارتياح إلى الشوق والتعلّق، وتصير شغفاً. كما تقوم على التفهّم أو التفاهم أو التفاعل والتبادل والرضى، وكلّه حبّ. ويمكن للحبّ أن يعيش هنا مع حبّ آخر إذا امتنع الجسد عن أحدهما، لا بل يمكن لأكثر من حبّ التساكن لأن العقل يحصر الوصف بالحبّ للحالة التي يعيشها الجسد، ويبقي لسواها تسميات مخفّفة من نوع الاحترام والمحبة والصداقة والأخوّة. والنفس قادرة عندما تمارس العفّة عن الاشتهاء أو تضع له حدوداً، أن تعيد ترسيم المشاعر في مناطق الأمان. أما التوهّمات بالحبّ فهي أمر آخر مبنيّ على بعض مصلحة أو بعض رغبة أو كليهما. والمصلحة أحياناً رغبة بشريك فتتزيّن صورته كحبيب سرعان ما يكشف الاقتراب منه طباعاً وسلوكاً تكشف لنا زيف الوهم. لأن النفس لا تتصل بعمق إلا بما يوازيها ويحاكيها، وتطرد كلّ ما هو دخيل ولو زيّنه العقل بداعي المصلحة أو الرغبة، لتعلمنا الابتعاد عن تفاهة المظاهر وعبودية الرغبات المستعجلة والانهزام للانبهار الخارجي. أما ما عصي عليه ذلك، فيعيش حياته في فوضى عارمة أو في قحط وجفاف.
فقالت: ألهذا يخشى العاشقون وصف سواهم بالصداقة والأخوة؟
فقال لها: متى تجسّدت الثقة بالقيم في مكانها لا يخشون شيئاً.
فتبسمت وتمتمت: والله لو رأيت غيرتي وتمعّنت في غيرتك لما قلت هذا. ومضت تضحك وهو يرمقها من طرف عينه متبسماً.