المقاومة أسقطت التكنولوجيا بإرادة القتال

وليد زيتوني

ربما من المبكر، إطلاق الأحكام على مجريات الحرب الدائرة في غزة. انطلاقاً من الوقائع الظاهرة، فعادة ما تخفي العمليات الدائرة كثيراً من الأسرار في استخدام التكتيكات المتبعة التي تجاوب على المعطيات الميدانية بشكل مباشر، نتيجة للتجربة أو استناداً إلى تخطيط مسبق، بهدف تحقيق مفاجآت قد تغيّر مجرى المعركة أو الحرب بشكل كامل. وهذا ما يمكن تسميته بالدروس المستفادة من الحروب السابقة في سبيل استثماره إيجاباً في التحضير للحروب اللاحقة، أو سلباً لتجنب الوقوع فيه.

ومهما كانت الأسباب المباشرة التي أدت إلى هذه الحرب، وما هي الأسباب الممكن أن تكون على مستوى أشمل جغرافياً وسياسياً وتطاول المنطقة وترتبط بما يحصل في سورية والعراق؟ لناحية تزامنها عسكرياً وإعلامياً، إضافة إلى أهداف «إسرائيلية» مباشرة بإعادة الفصل بين الضفة والقطاع على المستويات الأمنية والسياسية كافة وحتى النفسية. وربما بالصراع الخفي الدائر بين محاور الخط الأميركي الواحد، بين السعودية وفرنسا من جهة وبين قطر وتركيا من جهة أخرى.

غير أن المقاوم الغزاوي وبغض النظر عن انتمائه التنظيمي، سواء من حماس أو الجهاد أو فتح أو الفصائل الأخرى من شعبية وقيادة عامة أو فصائل المقاومة الوطنية أو وحدات الفداء القومي، ومهما كان حجم هذه التنظيمات ونسبة مشاركتها في القتال، فالمقاوم الغزاوي أثبت وعبر التجارب السابقة، أنه يحمل عقيدة قتالية وإيماناً كبيراً بالانتصار وإرادة فولاذية في التحمّل تحت مختلف ظروف القتال.

مثلت هذه الإرادة عاملاً رئيساً في تحقيق التوازن على الأرض. فالمقاوم في غزة وقبله في لبنان، لا يمتلك من التكنولوجيا إلا جزءاً يسيراً مما يمتلكه العدو من عدّة ومعدات الحرب الحديثة، من نظم القيادة والسيطرة إلى آخر ما أنتجته المعامل الأميركية من الطائرات وأنواع الفتك الأخرى. ومع ذلك كان الفارق التكنولوجي يقع في هوة إرادة القتال، ويتحول إلى خردة غير قابلة حتى للتدوير.

فبعد مجزرة دبابات «الميركافا» في وادي الحجير، التي مثلت صدمة قوية لهذا العدو وحلفائه عام 2006 باعتبارها أهم منجزات الصناعة «الإسرائيلية» على مستوى المدرعات كأقوى سلاح بري، جاءت اليوم، المقاومة في غزة، لترسم مساراً جديداً لتدمير هذا التفوق التكنولوجي، عبر كشفها هزالة ما يسمى «القبة الحديدية» وعدم جدواها في صراع الإرادات.

بالتأكيد، البروباغاندا التي ترافق إنتاج منظومات الأسلحة عند العدو، هي جزء من الحرب النفسية التي يشنها هذا المعتدي على أبناء شعبنا. والرد بتعرية أهمية وفعالية هذه المنظومة، ليست إسقاط الدعاية نفسها فقط، إنما تحويلها بالاتجاه الآخر، واستخدامها منصة لانطلاق هجوم معاكس يضرب معنويات جيشه وشعبه وكل من يسانده على أرض الواقع.

قد تكون الخيبة التي أصابت العدو من أسلحته المتطورة، والتي قام بتجربتها بشكل مباشر حتى الآن الميركافا والقبة الحديدية على مستوى عملياته العسكرية، هي أقل من الخيبات التي سيكتشفها مستقبلاً على المستوى الاستراتيجي العام، لا سيما على الصعيد الاقتصادي، فيما يعني التسويق لصناعاته المستندة إلى خبراته القتالية في مواجهة صناعة الإرادة، وبناء الإنسان المقاوم.

وسيواجه هذا العدو مسألة أخرى، وهي فقدان فعالية سلاح الطيران كذراع رادعة في أية مواجهات مستقبلية، فالعصر الآن هو عصر الصواريخ المصنعة محلياً بقليل من التكنولوجيا، وقليل من الإمكانات. هذه الصواريخ أثبتت قدرتها في حرب غزة الأخيرة كما في حرب تموز، على أنها السلاح القادر على تغيير مجرى المعركة ونقلها إلى العمق الذي يسيطر عليه العدو. وهي ميزة كان يعتمد سابقاً عليها ويعتبرها الأساس في استراتيجيته العسكرية.

ختاماً، وعلى رغم اقتناعي بعدم قدرة هذا العدو على خوض غمار حرب برية لا في غزة ولا في جنوب لبنان، غير أن حقيقة ضعفه ووهنه ستتكشف بشكل أوسع إذا ما أجبر على القيام بها، وسنكتشف بالتالي مزيداً من سقوط التكنولوجيا أمام شموخ وعزة وكرامة رجال المقاومة.

عميد ركن متقاعد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى