الحكم على قباني… بين التسييس والاستئناف
يوسف الصايغ
عادت دار الإفتاء الى دائرة الضوء مجدداً على خلفية الحكم القضائي الصادر عن قاضي بيروت الشرعي الشيخ محمد عساف في قضية وقف علماء المسلمين، حيث تمّ إلزام مفتي الجمهورية السابق الشيخ محمد رشيد قباني بدفع مبلغ وقدره مليون ومئة وخمسة وتسعون ألفاً وثلاثمئة وخمسون دولاراً أميركياً، فأعاد قرار عساف إحياء الأزمة التي شهدتها الدار في الفترة التي سبقت ظهور المبادرة المصرية التي أفضت الى تسمية القاضي عبد اللطيف دريان خلفاً للمفتي قباني الذي توترت العلاقة بينه وبين تيار المستقبل الذي اتهمه قباني بالعمل من خلال الرئيس فؤاد السنيورة للهيمنة على دار الإفتاء ومصادرة قرارها.
صقال: عساف نقض فتواه السابقة
في هذا السياق يؤكد نائب رئيس المجلس الشرعي المستقيل ماهر صقال في تصريح لـ«البناء» أنّ تيار المستقبل لم يلتزم منذ البداية ببنود الاتفاق التي نصت عليها المبادرة المصرية التي تمّ بموجبها تزكية الشيخ عبد اللطيف دريان مفتياً للجمهورية وفي مقدّمها إسقاط كافة الدعاوى القضائية التي كانت قائمة قبل المبادرة، فتمّ إسقاط بعض الدعاوى بينما أبقي على بعضها الآخر، كما لم يعقد مؤتمر للمصالحة بين رؤساء الحكومة والسياسيين مع المفتي قباني وفق ما نصت الإتفاقية، والمجلس الشرعي الذي كان محسوباً على تيار المستقبل لم ينحلّ وبقي حتى أيار الفائت، حيث تمّّ إنتخاب مجلس شرعي جديد، وبالتالي لم يتمّ الإلتزام بأيّ من بنود المبادرة المصرية».
وإذ يؤكد صقال أنّ خلفيات الحكم الصادر بحق المفتي السابق سياسية بحتة، يشير الى أنّ قضاة الشرع وقّعوا على قرار عزل المفتي قبل أن يصل الى أيديهم ملف الشركة التي أعدّت التقرير الذي تمّ بموجبه رفع الدعوى على المفتي قباني، وبناء عليه يسأل صقال: كيف يمكن لشخص أن يحكم على قضية ما قبل أن تكون في حوزته كافة المعطيات المتعلقة بها»؟
والنقطة الأهمّ بحسب صقال أنّ القضاة الخمسة الذين رفعوا الدعوى على قباني ليسوا ذي صفة، وبالتالي لا توجد لهم أيّ استفادة من الوقف الذي يستفيد منه فقط طلاب العلم وفق الشرع، وبالتالي لا يمكنهم الادّعاء على متولي الوقف وهم غير مستفيدين منه، وكان يجدر بالقاضي لو كان منصفاً أن يردّ الدعوى بالشكل كون المدّعين غير مستفيدين من الوقف، خصوصاً أنّ القاضي عساف نفسه رفض سابقاً وصية نصوحي باشا المتعلقة باستفادة القضاة من الوقف، وهذا يعتبر مخالفة من عساف لفتواه السابقة الرافضة لضمّ العلماء الى طلاب العلم، وهذا ما يجعل من القاضي عساف طرفاً في القضية وليس حكماً».
وحول الردّ القانوني من المفتي قباني على الحكم الصادر بحقه يشير الى أنّ المحامي الإيعالي بصدد استئناف الحكم ضمن مهلة الستين يوماً، ولكن يسأل صقال من سيكون القاضي طالما أنّ معظم القضاة وقعوا على قرار عزل المفتي؟ ويضيف: «بالتالي فإنّ الخشية هي من عدم حياد القاضي الذي سينظر في طلب الاستئناف الذي سيتقدّم به محامي المفتي قباني، خصوصاً أنّ الجو في القضاء الشرعي لا يزال كما هو لجهة خضوعه للتوجهات السياسية، وهذا ما حصل مع قضاة الشرع الذين رضخوا لمطالب السياسيين من خلال الادّعاء على المفتي قباني».
عريمط: الحكم ليس انتقاماً من المفتي السابق
في المقابل ينفي القاضي الشرعي خلدون عريمط وجود أيّ خلفية سياسية وراء قرار قاضي بيروت الشرعي الشيخ محمد عساف بحق المفتي السابق، ويعتبر أنّ هذا الحكم صدر بعد دراسة معمّقة استمرّت لنحو سنة ونصف السنة بعد الدعوى التي تمّ رفعها من قبل مجموعة من العلماء، وهذا الحكم قضى بإعادة المبلغ الذي دفعه المفتي قباني بصفته متولي الوقف آنذاك لشركة «جي 5» التي تعود لنجله راغب قباني ولشركة أخرى تعود ملكيتها لرشيد التنير وراغب قباني. ويشير الى أنّ الحكم ليس عقوبة أو انتقاماً من المفتي السابق بل يطلب منه دفع ما تبقى من المبلغ الذي تمّ دفعه من مال الأوقاف، لافتاً الى أنّ المفتي قباني أعاد مبلغاً وقدره 550 ألف دولار أميركي بموجب شيك، وتبقى من المبلغ الإجمالي ما قيمته مليون ومئة وخمسة وتسعون ألف دولاراً أميركياً، وعليه لا يوجد أيّ موقف سياسي، فالقاضي حكم باستعادة ما تبقى من المبلغ، وهو ليس مالاً سياسياً بل مال تابع لوقف العلماء وتمّ الحكم باستعادة ما تمّ صرفه بصورة غير شرعية أو في غير مكانه».
من جهة ثانية اعتبر عريمط أنه لا يمكن للمبادرة المصرية أو أيّ تسوية أخرى أن تغضّ النظر عن مال الوقف، حتى المفتي الحالي والمجلس الشرعي لا يمكنهما التنازل عن مال أو أملاك الوقف، كما لا يمكن لأيّ قوة سياسية أن تقوم بذلك مع احترامنا وتقديرنا للمبادرة المصرية التي عملت على حلّ الإشكال الذي كان قائماً بين المفتي قباني والمجلس الشرعي الأعلى آنذاك، لكن هذا الأمر لا يعني إسقاط حق الوقف، والمبادرة نصّت على ألا يغرّم المفتي قباني والمحافظة عليه بعد تخليه عن موقعه وان يبقى مكانه محفوظاً، وهذا ما حصل، أما في ما يتعلق بمال الأوقاف فلا يمكن لأحد إسقاط هذا الحق والقاضي عساف ليس مرتبطاً بأيّ جهة سياسية، ومن تقدّم بالدعوى هم مجموعة من العلماء بينهم قاضيان من المقرّبين من المفتي السابق».
استئناف الحكم
في سياق متصل تشير معلومات أنه وبناء على الأخطاء التي ترتبط بالحيثية القانونية وأصول التبليغ، سيتمّ استئناف الحكم ونقضه أمام محكمة التمييز، وخصوصاً لجهة اعتماده على اعتبارات سياسية وكيدية لشخص المفتي السابق بإيعاز من الرئيس فؤاد السنيورة».
كما تلفت مصادر الى جملة من المغالطات والثغرات القانونية في الحكم الصادر بحق المفتي السابق، وتشير الى مفارقة غريبة فبعدما وصل الحكم الى المفتي قباني عبر «الواتساب»، ذهب موكله المحامي فايز الإيعالي الى المحكمة الشرعية السنية العليا لتسلّم الحكم الذي صدر عنها بحق قباني، فطالبه رئيس القلم بدفع الرسوم المستحقة بحسب القانون من أجل اعطائه الحكم، فبادره الإيعالي بصورة الحكم التي يتمّ تداولها عبر الهواتف»، وهو ما يصبح مخالفاً للقانون حيث لا تصدر صورة عن الحكم الاّ بعد تسديد رسومها».
قباني: الهدف من الدعوى هو الإساءة
وكان المفتي السابق للجمهورية محمد رشيد قباني، أصدر بياناً بعد صدور الحكم، اعتبر فيه انّه جاء مخالفاً للقواعد الأساسية في الإثبات ما يشكل مخالفات لقواعد الانتظام العام، معتبراً انّ الكلمة الفصل في هذه القضية تعود للهيئة العامة لمحكمة التمييز بمقتضى الفقرة 4 من المادة 95 من قانون أصول المحاكمات المدنية. وفي البيان نذكر أيضاً: «أما بالنسبة لما ورد من مغالطات دفاعاً عن السياسيين، فيقول المدّعون الذين اعترفوا بانتمائهم السياسي إنهم تسلّموا صورة عن تقرير لجنة الخبراء بواسطة أحد الرؤساء الغيورين على مصالح طائفتهم وإننا نتساءل:
أ- من هو هذا الرئيس؟
ب- إذا كان التقرير موضوعاً بناء على طلب من سماحة مفتي الجمهورية وحده، وإذا كان التقرير كما ورد في خلاصته مرفوعاً فقط الى مفتي الجمهورية، وإذا كان هذا التقرير لم يسلم حتى تاريخه إلى مفتي الجمهورية السابق فكيف وصل الى أحد الرؤساء الغيورين، علماً أنّ المدّعين كانوا على علم من التقرير نفسه أنه مخصّص فقط لسماحة مفتي الجمهورية وليس أيّ رئيس آخر». ويختم البيان بأنّ هذا التقرير لا يمكن ان يكون سبباً ووسيلة لإقامة دعوى في وجه مفتي الجمهورية السابق… وانّ كلّ ذلك يكشف أنّ الهدف من هذه الدعوى هو الإساءة إلى مفتي الجمهورية السابق وتشويه سمعته».