في الاتحاد القوة

بلال شرارة

ليس غريباً أن تصدر دعوة عن حكومة رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني إلى قادة دول العالم للإقرار بأنّ معاهدة سايكس بيكو التي رسمت حدود كيانات الشرق الأوسط بعد الحرب الكونية الثانية قد فشلت.

هل أثبت ما يصفه البارزاني التعايش الإجباري في المنطقة بأنه صيغة فاشلة أم أنّ صيغة أزرق وأحمر التي رسمها سايكس بيكو كحدود للكيانات هي التي فشلت، ولم تستطع «إسرائيل» كسر مقاومة المشرقيين للاستعمار وحروب السيطرة على مواردهم البشرية والطبيعية؟

ربما ينتبه السيد مسعود البارزاني إلى أنّ قادة دول العالم الذين يناشدهم هم الذين قادوه هو أولاً إلى محاولة ترسيم حدود جديدة للشرق الأوسط وفق مشروع أو مخطط «الشرق الأوسط الجديد» الذي أقرّته قمة سي ايلاند في الولايات المتحدة للدول الصناعية الكبرى عام 2004.

واليوم فإنّ القادة أنفسهم لم تعد تلائمهم سايكس بيكو، وهم أخذوا بيد بلادهم للمشاركة في تحالفات راغبين في أفغانستان، ثم العراق، ثم التحالفات الجوية بقيادة الولايات المتحدة والتدخلات العسكرية وما هو آتٍ منها في ليبيا، لعلّ الجهود الدولية من العراق وسورية إليها وإلى الجوار الليبي وفي ما هو آتٍ أيضاً وضع غزة في قبضة الحلف الأطلسي وتحويلها إلى ميناء نفطي عائم.

المشكلة ليست دولة الأكراد وفي ما إذا كانت ستتسبّب في مشاكل لتركيا وإيران وسورية التي يوجد في كلّ منها أقليات كردية ليست قليلة الحجم، فالمشكلة هي أنّ مخطط «الشرق الأوسط الجديد» للسيطرة على مواردنا الطبيعية والبشرية يتضمّن تقسيم المقسّم ووضعنا أمام الاختبارين فيدراليات أو كونفدراليات.

في إطار المخطط الجديد فإنّ تركيا لا تريد أن ينتقل الأكراد عبر الفرات، والولايات المتحدة تريد أن ينتقلوا، إذ إنها تحتاج إلى قوات برية تقودها مجموعات خاصة أميركية قليلة العدد على مساحة العراق وسورية، ومن أجل ذلك بادر نائب الرئيس الأميركي إلى إعطاء ضمانات لتركيا للتنسيق معها بخصوص مهمات معسكر بعشيقه التركي قرب الموصل، وتفهّم المخاوف التركية من صورة حركة حزب العمال الكردستاني ومسمّياته ومن جملتها قوات حماية الشعب الكردي وبايدن والأتراك يعرفون أنّ الحرب التي تدور رحاها ضدّ دولة الخلافة في سورية والعراق ستنهك البشمركة و PKK، وبالتالي لا زال هناك متسع من الوقت لبحث مستقبل الأكراد وحاجة الولايات المتحدة إليهم في الضغط على الموارد والأمن في العراق وتركيا وإيران وسورية.

أنا أعرف وأعترف بأنّ مخطط إعادة ترسيم حدود الشرق الأوسط قد قطع شوطاً كبيراً، ولكن هل كان الحلّ البريطاني الذي اعتمد في الشرق الأوسط منذ حوالي قرن إلى اليوم عبر إنشاء حدود لكيانات سياسية وتفخيخها أولاً: بـ«إسرائيل» الصهيونية ثم بمشاريع أيدولوجية سياسية مثل: الإخوان المسلمين، الوهابية، الطورانية، القادنية، الدعوة، التحرير وكذلك تفخيخ المنطقة بمشاكل حدودية بينها وصولاً إلى اليوم عبر إشعال مشاكل داخل الكيانات نفسها بين الطوائف والمذاهب والأعراق وخلف حدود وخطوط تماس بينها وإيقاظ مشكلات نائمة، هل كان هذا الحلّ البريطاني هو الحلّ المجدي أم كان حلاً للمئة عام التي انقضت؟ الجواب هو الضمانات المطلوبة لاستخراج الثروات الطبيعية الكامنة في المنطقة، وبالتالي فإنّ انهيار الحكومات المركزية الضامنة سيفتح الباب أمام الانتداب والقواعد العسكرية الأجنبية المخافر العسكرية والقواعد الجوية لكي تضمن الأمن في اللحظة.

الحلّ بسيط وهو أنّ التعايش أولاً ممكن، ولبنان أنموذج، وما نحتاج إليه هو قانون انتخابات يحصّن الصيغة واتحاد أوسع من الدول الراهنة، وهو ما نسمّيه في عرفنا السياسي الوحدة واستعادة جغرافيا التاريخ والعلاقة بين دول برّ الشام وبين الشام والقاهرة وبلاد ما بين النهرين والخليج والمغرب العربي وإلا فإننا سنسقط بالمفرّق بيد ما هو أخطر من «داعش».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى