روحاني ورسائل متعدّدة الاتجاهات…

شهدت العاصمة الفرنسية حدثاً مفصلياً وتاريخياً بخصوصيته وتوقيته تمثل بزيارة للرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني اليها في خطوة كانت مقرّرة سابقاً، لكن الظروف الأمنية والتفجيرات الإرهابية والهجمات التي حصدت أرواح مدنيّين فرنسيّين عزّلاً فاق عددهم المئة في ليلة فرنسا المشؤومة حالت دون إتمام الزيارة في موعدها السابق، فتمّ تأجيلها إلى موعد أفضل للطرفين.

على ايّ حال وبغضّ النظر عن كونه ضرورة أمنية بدا تأجيل الزيارة فرصة أعطتها زخماً أكبر بين استعدادات ومواقف، فروحاني الذي استنفر بزيارته الأجهزة الأمنية الفرنسية، حيث ضربت طوقاً أمنياً في أبرز بلدان أوروبا كذلك، مستنهضاً الأمن الإيطالي والأمن الفرنسي ومرخياً أجواء من الهالة على الزيارة التي لم تقتصر على فرنسا بأبعادها السياسية بل تعدّتها الى تعميق وتقريب سياسي بين الحضارات والأديان، وهنا فإن زيارة روحاني إلى الحبر الاعظم في الفاتيكان لها دلالات كبرى عند الشارع الغربي المسيحي الذي وقع هو الآخر ضحية فبركات تحدّثت عن «عنصرية النظام الإيراني ومذهبيته وعدم قدرته على تلقّي وتقبّل الآخر»، وهي كلها بلا شك افتراءات «اسرائيلية» أميركية عملت عليها لعقود، نسفها روحاني بالتزام بلاده أولاً مفاوضات ايران مع الغرب على برنامجها النووي وانفتاحها على الحلول، وثانياً ببدء جولات الانفتاح الإيرانية على العالم بزيارة للفاتيكان، وفي هذا رسالة سلام ومدّ يد وتعاون بين الأديان كفيلة لدحض أكاذيب واشنطن بالتعاون مع السعودية تمادت في تغذيتها، كاسراً فكرة تطرف نظام ولاية الفقيه الذي روّج عنه الكثير دولياً.

وبالعودة إلى زيارة فرنسا فهي طبعاً زيارة سياسية بامتياز، استفادت منها إيران لجهة حصولها بعد التثبّت من التزامها بمقرّرات الاتفاق النووي مع الغرب، وبالتالي النجاح والاطمئنان لسلامة الاتفاق الذي حاولت فرنسا بذاتها قبل توقيعه ان تحول دونه، والذي حاولت «اسرائيل» ومعها السعودية وتركيا بعد توقيعه الى إفشال مضامينه.

يطلّ روحاني على العالم من «عاصمة الحريات»، وهو يحمل في جعبته صفقات وعروضاً اقتصادية ضخمة يبدأ فيها تعاونه مع الدول الكبرى، فيعقد صفقات هامة مع فرنسا برز منها صفقة تضمّ 114 طائرة «إيرباص» تبلغ قيمة الواحدة منها بين 250 و350 مليون دولار، ويقول خبراء انّ السعودية على اهمّيتها لم تطلب من الشركة أكثر من عشرين أو ثلاثين طائرة على أبعد تقدير… بالتالي فإنّ هذه الصفقة لوحدها هي بمليارات الدولارات وهي نتاج صفقة سياسية بامتياز ستجعل فرنسا بضخامة الاعتماد والثقة الايرانيين رهينة طعم الانفتاح على إيران ورهينة العمل على تثبيته…

ترسل ايران رسالة سياسية كبرى للشارع الأوروبي اولاً كشريك سياسي كبير في الشرق الاوسط من جهة، ورسالة للشارع الخليجي من جهة ثانية، أبرزها خروج ايران من العزلة التي تمادت دول الخليج في تكريسها مع الأميركي وما عليهم سوى الوقوف عند الشهد الإيراني في اوروبا والتفكير مالياً بحجم هذه القيادة والنفوذ الممتدّين صعوداًز

وهنا فإنّ قبول إيران شريكاً رئيسياً بالمفاوضات على اليمن وسورية او لبنان لم يعد قابلا للكيدية، ولم يعد يحظى بقدرة على الرفض، فالنفوذ السعودي الخليجي عند الأوروبيين والغرب بات أدنى مما كان عليه بدخول إيران بهذه الحماسة كمؤثر اقتصادي سياسي بآثارها البالغة المستجدة.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى