اضطراب السياسة الأميركية وأزمات المنطقة

حميدي العبدالله

لم تشهد السياسة الأميركية، لا سيما إزاء أحداث المنطقة، اضطراباً مثل الاضطراب الحالي. وعلى رغم أن محللين معارضين لإدارة أوباما، والرأي العام الأميركي يحملون هذه الإدارة المسؤولية عن هذا الاضطراب، إلا أنه في الواقع ليس أوباما وإدارته هما المسؤولان عن هذا الاضطراب، بل إنه حصيلة عوامل هي خارج إرادة أوباما، بل خارج قدرة الولايات المتحدة على ضبطه ووضع حد له، بمعزل عما إذا كانت الإدارة هي إدارة أوباما الديمقراطية أو أي إدارة أخرى جمهورية أو ديمقراطية.

العوامل التي تصنع اضطراب السياسة الأميركية في المنطقة وفي مواجهة أزمتها، تنحصر في شكل رئيسي بعاملين إثنين:

العامل الأول، تقهقر قدرات الولايات المتحدة العسكرية، وتراجع قدراتها الاقتصادية، وتضرر مكانتها السياسية، بعد حربين فاشلتين كبدت الخزينة الأميركية تريليونات الدولارات وأثرت في الاقتصاد الأميركي، وبالتالي لم تعد الولايات المتحدة، وليس إدارة أوباما وحدها، تملك القدرة الاقتصادية والعسكرية والهيبة السياسية التي تؤهلها للعب الدور الذي لعبته في عقود سابقة، ولا سيما بعد تفكك الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة.

العامل الثاني، ضغوط جماعات النفوذ المؤيدة للكيان الصهيوني على إدارة أوباما لاعتماد سياسات هي أكبر من قدرات الولايات المتحدة ولا تصب في مصالحها الحيوية، في حين أنها تخدم مصالح الكيان الصهيوني غير آبهة بارتدادات مثل هذه السياسات السلبية على المصالح الحيوية للولايات المتحدة في المنطقة.

هذه العوامل هي التي تساهم في صياغة الارتباك الحاصل في سياسة إدارة أوباما. إذ إن جماعات النفوذ الموالية للكيان الصهيوني تمارس تأثيرها، وتستخدم كل وسائل الضغط المتاحة، لا سيما الإعلامية، لدفع إدارة أوباما لشن حروب جديدة ضد الجهات التي تعتبرها «إسرائيل» عدواً لها، مثل إيران وسورية والمقاومة في لبنان وفلسطين، وبديهي أن الاستجابة لمثل هذه الضغوط والتورط في حروب جديدة سيكون مآلها الفشل على غرار الحرب العراقية والحرب الأفغانية، وستكبد الولايات المتحدة المزيد من الخسائر، وستؤثر سلباً على أداء اقتصادها وعلى قدراتها العسكرية، وعلى مكانتها السياسية، ولذلك فإن أطرافاً في النخبة الأميركية تمارس تأثيراً وضغطاً معاكساً لضغوط وتأثير جماعات النفوذ الموالية للكيان الصهيوني، وتحث إدارة أوباما على عدم التورط في حروب ومغامرات عسكرية جديدة، ويؤدي التوازن في ضغوط جماعات النفوذ مع ضغوط أطراف في النخبة إلى شل قدرة الإدارة الأميركية وإرباك سياستها، وتكريس عجزها عن اعتماد سياسات واضحة في مواجهة الأزمات التي تعصف بالمنطقة، بما في ذلك مواجهة الإرهاب، الذي تنظر إليه جماعات النفوذ الموالية للكيان الصهيوني على أنه خطر تكتيكي مقارنةً بمنظومة المقاومة والممانعة التي تمثل الخطر الاستراتيجي الذي يجب مواجهته، في حين تنظر إليه النخبة على أنه خطر أكثر كلفة، ويستدعي التعاون حتى مع أطراف في منظومة المقاومة والممانعة لمحاربته.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى