فنّ الكاريكاتير… بين حرّية التعبير واحترام المعتقد
علا فحص
من المعروف أنّ للصورة القدرة الفاعلة على نقل الأفكار بشكل أوضح، وفي بعض الأحيان أفضل من الكلمات.
وتُنسَب فعالية هذة القدرة، لفهم البعض للخطوط والأشكال المرسومة وتحليلها بشكلٍ أسرع من فهم الحرف المكتوب أو المطبوع أو المصوّر. فهناك حوادث كثيرة في التاريخ تساعدنا في فهم قدرة الكاريكاتير في التأثير، إن لم نقل تغيير الأحداث السياسية، كما أن لا أحد يستطيع أن ينفي تأثير هذا الفنّ على الرأي العام.
ومن المعروف أنّ الديانات والأعراف المجتمعية والمدنية كافة، تحفظ حقوق الفرد في الفكر والعقيدة وحرّية التعبير وحرّية المعتقد، إذ إنّ هذة الحرّيات منصوص عليها في شرعة حقوق الإنسان ومحفوظة في عددٍ من البنود القانونية في القانون الدولي للإعلام.
تحفظ هذة الحقوق والحرّيات ضمن القوانين، من الناحية النظرية، هيئة الأمم المتحدة والجمعيات الحقوقية العالمية والمحلية التي أُنشأت لمراقبة الخروقات التي تنسب لهذة الحقوق، وتقضي بوضع ضوابط لعدم تكرار هذه الخروق.
ويُعتبر فنّ الرسم الكاريكاتيري واحداً من أهم أشكال حرّية التعبير، وله القدرة الواسعة في تشكيل الرأي العام حول قضايا عدّة منها السياسية ومنها الاجتماعية المحض، ومنها ما يأخذ الطابع التوعوي.
ولقد أصبح العالم يعيش اليوم تجاذبات عدّة نتيجة لقدرة الإعلام بشكل عام والرسم الكاريكاتيري على وجه الخصوص في التأثير على الرأي العام وتشكيل وعيه الجماهيري وتجميعه، حتى لو كان الموضوع مثار الجدل له سلبيات على كينونة هذا الرأي العام، بمعنى بث الأفكار السلبية المراد إيصالها بطريقة إيجابية وموضوعية إلى بعد معيّن.
من المعروف أن المادة 19 من القانون الدولي للإعلام هي مادة تعرّف حرّية التعبير وتضبط ممارستها وتسطّر أطرها القانونية، وهي تحدّد بشكل قاطع حدود استخدامها على ألّا يتعارض هذا الاستخدام مع حرّية الفرد في الدين والمعتقد، وعدم خدش كينونته الإنسانية والحق في التفكير والتعبير.
وعلى الرغم من أن هذة المادة واضحة من ناحيتها القانونية، فإن ممارستها على أرض الواقع تخضع لعددٍ من التساؤلات والتوصيفات، ما يدعو أصحاب الاختصاص إلى التنادي من أجل إعادة توصيف حرّية التعبير وتحديدها بشكل قاطع وواضح لا لُبس فيه.
ولعل أبرز هذة التساؤلات تتجلّى في معرفة حدود تأثير الرسم الكاريكاتيري، الذي يعدّ جزءاً لا يتجزّأ من حرية التعبير عبر وسائل الإعلام، على الرأي العام ومدى تخطّيه ومعارضته المفاهيم والمعتقدات الدينية والموروثة لدى الآخرين، وإساءته لرموزهم الدينية.
كما أن البعض يطرحون تساؤلاً إذا ما كانت حرّية التعبير ومفاهيمها عبر الرسم الكاريكاتيري، يجب أن تكون بلا حدود، وبالتالي هي غير مقيّدة لا بشعائر دينية ومحرّمات ولا تراعي معتقدات الآخرين. وهم يشيرون إلى ما قامت به المجلة الفرنسية الساخرى «شارلي إيبدو Charlie Hebdo» من نشر رسوم كاريكاتيرية مسيئة لشخصية نبيّ الإسلام محمّد نموذجاً، خصوصاً أن ما نشرته المجلّة اعتُبر لدى عددٍ من الأوساط الدينية والمدنية على المستوى العالمي، إساءة واضحة ونهائية لشخصية دينية رفيعة وانتهاك لحرمة الدين الإسلامي.
كما اعتبروا أن الهجوم على المجلة وقتل 12 شخصاً من العاملين فيها وردّ فعل المجلّة على هذا الهجوم بإعادة نشر الرسوم الكاريكاتيرية المصنّفة على أنها مسيئة لشخصية الرسول محمد، وتوزيع ما يقارب ثلاثة ملايين نسخة من أعداد المجلة في مختلف البلدان، كلّ ذلك يعدّ مدار تساؤل حول الكيفية التي يجب من خلالها ممارسة الحقوق الإعلامية بشكل غير مسيء، وإعادة تحديد ما من شأنه أن يعتبر خادشاً لحقوق الأفراد في الدين والمعتقد. إذ يرى الباحثون أن المجلة خرقت مبدأ حرّية التعبير ضمن نصّه القانوني من جهة، كما أنها خرقت المفاهيم والمحرّمات الدينية عموماً والإسلامية منها خصوصاً، وهم يعتبرون أنها مارست حرّية التعبير، التي يكفلها القانون الدولي للإعلام، بأوسع حدودها من دون تفكير بعواقب نشر كاريكاتير قد يراه البعض مسيئاً للرسول محمد، غير أنّهم يرون أن الهجوم على المجلة لا يندرج ضمن خانة الغيرة على الديانة الإسلامية، بل عملاً إرهابياً وله أبعاد سياسية، إذ إنهم يجدون أن التوتر الموجود في منطقة الشرق الأوسط ومعاناته من ظاهرة التكفير، له صلة بواقعة الهجوم على مبنى المجلة الفرنسية «شارلي إيبدو Charlie Hebdo».
في حين، يجد الخبراء الإعلاميون أن الهجوم على المجلة يعتبر خرقاً فاضحاً لحرّية التعبير المنصوص عليها في القانون الدولي للإعلام. ويؤكد عددٌ من الباحثين في علم الاجتماع أن الهجوم على المجلة الفرنسية، سيكون له دور في زيادة الهوّة، المعروفة بالإسلاموفوبيا، الموجودة أصلاً بين المجتمع الإسلامي والمجتمع الأوروبي ، بغضّ النظر عن الحركات الإسلامية الإصلاحية التي يقوم بها مسلمو أوروبا لتصويب الصورة وتصحيحها نحو الديانة الإسلامية لدى العالم الغربي.
ناشطة ثقافية في جمعية «حواس»