السعوديّة في فم التنّين… هل صدر الأمر الأميركيّ بتفكيكها؟

د. وفيق إبراهيم

تواصل «الفوضى الأميركية الخلاّقة» التنقل بلا جهد من بلد عربي إلى آخر، في حركة تدمير تستهدف تفكيك المجتمعات القائمة إلى وحدات أصغر تتحوّل إلى دويلات تافهة في إطار المرحلة الجديدة من تطوّر الشرق الأوسط.

الأدوات المستعملة في التفكيك هي التناقضات المذهبية لبنان وسورية والعراق والدينية والإتنية مصر والعراق والجهوية ليبيا وتونس . ومع وصولها إلى مملكة آل سعود، تصبح أدوات التفكيك قبلية القبائل وآل سعود مذهبية ودينية وهابيون ومذاهب سنية أخرى وشيعة واسماعيليون وجهويّة الحجاز ونجد والمنطقة الشرقية وداخل المذهب الواحد وهّابيو «القاعدة وداعش» والوهابية المتطوعة في خدمة آل سعود .

برهاناً عمّا قلنا، تكفي العودة إلى وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية والخليجية في السنوات الثلاث الفائتة، كم أمّنت دعماً لمدة 24 ساعة يومياً لجميع المنظمات الإرهابية في سورية والعراق، وكيف قدمتها على أنها معارضة مدنية متطوّرة في وجه أنظمة طائفية متخلّفة، ولم تسحب يدها من بعض أنواعها إلاّ في اليومين الماضيين فحسب.

الرياض كانت بمنأى من التفجير، وكانت بالأحرى إحدى الجهات الأساسية في دعم الإرهاب في سورية والعراق إلى جانب تركيا وقطر تمويلاً وتسليحاً وإعلاماً ولا تزال.

للإضاءة على العلاقة السعودية ـ الإرهابية، نكتفي بالقول إنّ كلا السعودية والإرهاب ناتجان من الفكر الوهابي الذي يروّج له في معظم العالم الإسلامي حيث تموِّل الرياض المساجد والمدارس الدينية. وللأمانة فإن الوهابية قراءة دينية خاصة للإسلام انقسمت فور تأسيس المملكة في ثلاثينات القرن الفائت جناحين أصوليين، أحدهما متمسك بحرفية نصوص محمد بن عبد الوهاب، والآخر مرتبط مصلحياً بآل سعود ومتطوّع في تفسير الفقه الوهابي بما يخدم مصالح العائلة المالكة. وتمكن آل سعود بالتعاون مع سلاح الجو البريطاني من إبادة الخط المتشدّد قصفاً بالطائرات وذبحاً وتشريداً حتى انتهى منه وأصبحت الوهابية في خدمة مصالح الملوك.

إلاّ أن استعمال الوهابية في بناء تنظيمات «جهادية» لقتال الروس في أفغانستان في سبعينات القرن الفائت أعاد بعث التيار المتشدد عبدالله عزام وأسامة بن لادن، للزوم المصالح الأميركية في صراعها مع روسيا وإيران الصاعدة إسلامياً، وهكذا أصبحت الاستخبارات السعودية ترعى المتشددين الوهابيين في الرياض ومجمل العالم الإسلامي، لوقف اندفاعة طهران نحو الخليج. ولأن طابخ السمّ آكلُه، وصل الإرهاب إلى بلاد آل سعود منجزاً هجمات انتحارية على مراكز سعودية متعددة، وهذه بلا شك بداية المشروع المطلوب أميركياً.

يتبين بالتحليل أن جميع التنظيمات الإرهابية العاملة في سورية كانت تحظى برعاية أميركية ـ غربية ـ تركية ـ خليجية، قبل أن ينكشف إرهابها. والمعروف بحسب معلومات الصحافة الأميركية أن الاستخبارات الغربية تسيطر على معظم قيادات التنظيمات الإرهابية، وإلاّ من يصدق أن واشنطن لم تكن تعرف مسبقاً بهجوم «داعش» على العراق، والدليل أن وزير الخارجية الأميركي كيري قال لرئيس الوزراء العراقي المالكي بحسب ما نشرت صحيفة «الحياة» السعودية: «نحن متأكدون أن داعش هي عنوان تحالف بين تجمعات كبيرة بعضها وهابي والقسم الأكبر ليس وهابياً»، مضيفاً أن لدى هؤلاء «بيئة حاضنة كبيرة بين السنّة». والطريف أنه رفض «تنفيذ هجمات عليها في الموصل» بحجة أن الأميركيين لا يريدون إلحاق الأذى بالمدنيين. فكيف تحارب واشنطن الإرهاب لديها وتبيحه في العراق وسورية؟ وكيف ترفض ضربه وتحذّر إيران من ضربه؟

نستنتج أن ثمة علاقات مصلحية بين الطرفين، لا شك في أن أهمها المصلحة الأميركية التي بات واضحاً أنها تريد النيل من النفوذ الإيراني ومنع إعادة تشكل العراق كبلد أساسي في الخليج.

بعد هذه المقدمة، علينا الربط بين الدعم الأميركي للإرهاب وانتقال هذا الإرهاب للعمل في السعودية. هل هي مصادفة؟ أم استكمالٌ لمسيرة الفوضى الخلاقة في العالم العربي؟ ولماذا تريد واشنطن تفكيك بلد موالٍ لها؟

هنا يقال إن الخليج كلّه مرتبط بالولايات المتحدة بموجب معاهدات وقواعد أميركية تنتشر فيه. والرياض ترتبط بأميركا بمعاهدة كوينسي المستمرة حتى عام 2065. لذا ليس ثمة خوف من اجتياحات خارجية، ويبدو أن الرياض توهمت قدرتها على استعمال أميركا هراوة بيدها تضرب بها من تشاء، وأنشأت نفوذاً خاصاً بها تناقض أحياناً مع مصالح واشنطن مصر وإيران، لذلك يعتقد الخبراء أن واشنطن تريد تفكيك السعودية على نحو ترفع فيه من نفوذها في الشرق الأوسط الجيد، وقاعدة التفكيك تقوم على إنشاء كيانات صغيرة متحاربة مذهبياً وأقلّياً وجهويّاً نجد، الحجاز، عسير، المناطق الشرقية يسهل الإمساك بها وإدارتها. والملاحظ أن واشنطن تميل إلى إلحاق مكة المكرمة بالأردن على أساس إنهاء القضية الفلسطينية، باعتبار أن مكة من أركان الإسلام واستثمار اقتصادي كبير يقضي حاجة الأردن ويمنع عنه التسوّل الدائم.

أما المفاجأة فتتمثل في سعي أميركا إلى استحداث إقليم شيعي من جنوب العراق وبغداد يضم المناطق الشرقية في مملكة آل سعود والبحرين. وهكذا تُنتج أقاليم مذهبية وقبلية متحاربة ومتقاتلة وتصبح «إسرائيل» فيه القوة الأكبر وصديقة من يدفع أكثر. وإذا كان نشر المذهب الوهابي في جزيرة العرب أدّى إلى ذبح عشرات ألوف البشر في القرن الماضي على يد قبائل آل سعود، فإن المشروع الأميركي الجديد لن يمر إلاّ على جثث مئات الألوف من أبناء المنطقة.

فهل بدأ تفكيك الخليج؟

لا بأس في البوح بمعلومة مهمّة تتردّد في الأوساط الأكاديمية الأميركية وتقول إن حكام قطر هم من قبيلة تميم العريقة والمنتشرة بقوة في نجد والحجاز، والتي ينتمي إليها محمد بن عبد الوهاب مؤسس المذهب الوهابي الحنبلي. ألا تدعو هذه المعلومة إلى التفكير في الأسباب التي تجعل من حكام قطر خدّام السياسة الخارجية الأميركية؟! ألا يحلمون بمملكة واسعة فسيحة الأرجاء على حساب آل سعود ـ انتظروا… والأيام تفصل، لأن الكيانات العريقة مجرّد حبر أقلام لا تستند إلى حقائق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى