هل صارت «السلّة» مطلباً للحريري وجنبلاط؟
هتاف دهام
يحاول تيار المستقبل الذي يلتزم الصمت في موقف تأمّلي عميق أن يدقّق في تفاصيل كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قبل اتخاذ موقف نهائي، وإنْ كان المفاجئ امس، كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق «أنّ الملف الرئاسي كان في الصفر، وبقي في الصفر، لأنه عملياً، ما عرضه السيد حسن نصرالله عنوانه الأساسي والوحيد هو تعطيل انتخابات الرئاسة ولو بغلاف ديمقراطي»، ما يؤشر إلى حقيقة موقف الحريري من كلام السيد نصرالله، ولذلك فإنّ الفراغ الرئاسي طويل، ولا يمكن أن تكتمل فرصة الرئاسة بأن ينعقد مجلس النواب، وينتخب رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، من دون موقف إيجابي من الحريري الذي سيطالب بضمانات تتمثل إما باتفاق محدود له علاقة بالرئاسة والحكومة، أو سلة متكاملة تتضمّن تشكيلة حكومة لا يعطلها أيّ فريق والإبقاء على قانون الستين الذي يأتي بنحو 44 نائباً لمصلحة كتلة «لبنان أولاً»، وإنْ كانت هذه السلة الشاملة مطلب فريق 8 آذار، وقد سبق أن طرحها السيد نصرالله منذ أكثر من خمسة أشهر للتفاهم على الرئاسة والحكومة وقانون الانتخاب، لكنه تخلى عنها بشكل علني طالما أنّ رئيس الجمهورية حُسم لمصلحة فريق 8 آذار، علماً أنّ انسحاب أحدهما للآخر في لحظة نضوج إقليمية مقبلة سيحصل لا محالة، وهذا الواقع أصبح ثابتاً وكلام السيد نصرالله أتى ليؤكده.
في الحالات كلّها سنشهد قليلاً من الحيوية في الملف الرئاسي قبل أن يتظهّر موقف رئيس تيار المستقبل سعد الحريري في الأيام المقبلة، والذي يعتبر أنّ الحكومة تشكل الطريق الوحيد لاستعادة الشعبية، لا سيما أنّ تيار المستقبل ليس تياراً جماهيرياً شعبياً أو ثورياً. يحتاج الحريري القابع في مملكة آل سعود إلى عقد يضمن له ولتياره الاستئثار بالسلطة من جديد والاطمئنان إلى مستقبله في البلاد. ولا يتحقق ذلك إلا بالإبقاء على وثيقة الطائف والاتفاق على قانون انتخابي على أساس النظام الأكثري قانون الدوحة أو الاستمرار بالتذرّع بظروف أمنية واهية للتمديد للمجلس النيابي مرة ثالثة. ويتخوّف الحريري بحسب مقرّبين منه من «انقلاب المسيحيين» بعد لقاء معراب على اتفاق الطائف الذي لقي رفضاً منهم في عام 1990، مع حسم معراب والرابية، مسألة القانون الانتخابي الذي يجب اعتماده ويؤمّن «حقوق المسيحيين» في اختيار ممثليهم في مجلس النواب.
يعي رئيس التيار الأزرق جيداً أنه سيكون الخاسر الأول في أيّ استحقاق انتخابي سواء أكان بلدياً أو نيابياً، وسواء حصلت الانتخابات وفق قانون انتخابي جديد، أو على أساس قانون الستين، لأنّ تحالف القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، وربما حزب الله وبعض قوى 8 آذار من شأنه أن يكتسح الانتخابات النيابية في زحلة وجزين والبترون والمتن الشمالي ودائرة بيروت الأولى، ويحدث خرقاً في عكار وطرابلس. ولن يقتصر الوضع على الحريري، فالتحالف العوني القواتي سيزعزع التركيبة النيابية في الشوف أو في البقاع الغربي ويؤثر في كتلة رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الذي يرتعب من مصطلح النسبية التي تعطيه تمثيله الحقيقي، وهو الذي لم يرتح يوماً للجمهور البرتقالي في الشوف وعاليه وبعبدا، فكيف الحال مع الاتفاق القواتي العوني.
ووفق بعض الإحصاءات هذا التفاهم الانتخابي إنْ تحقق من شأنه أن يرفع حصة المسيحيين النيابية من 32 نائباً إلى 52 نائباً، على حساب حزب الكتائب والنواب هادي حبيش وبطرس حرب ودوري شمعون وفادي الهبر…
يجهد رئيس المستقبل نقل دعوى التمديد للبرلمان إلى المجالس البلدية التي تنتهي ولايتها في شهر أيار المقبل للحدّ من الخسائر، لأنّ الاستحقاق البلدي لو تمّ في موعده في ضوء المتغيّرات الداخلية والظروف الاقتصادية التي يمرّ بها الحريري، ومردّها الشحّ المالي السعودي، من شأنه أن يشكل خسارة مدوية للتيار الأزرق في طرابلس، تحديداً بسحب رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي البساط البلدي بيديه من تحت أقدام الحريري، ويثبت الانهيارات التي لحقت في صفوف مناصريه من جهة والتصدّع الذي أصاب مكونات «ثورة الأرز» في مناطق أخرى، بعد مشهدية معراب.
وعليه فإنّ أول امتحان للعلاقة المستجدّة بين «الوطني الحر» و«القوات» سيكون الاستحقاق البلدي زمنياً، وإذا استطاع رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات سمير جعجع ترسيخ الواقع الجديد على أرضية مصلحية صلبة مشتركة بين الطرفين تشمل الاستحقاقات القادمة كلّها على رأسها الانتخابات البلدية، فإنّ هذا الواقع سيفرض تغييراً يطال كلّ قواعد اللعبة خاصة أنّ هناك أطرافاً أساسية طائفية تستأثر بقسم كبير من الساحة الانتخابية المسيحية، وهذا الواقع الجديد يمكن أن يؤدّي إلى منحى تراكمي مع إطالة الفراغ بخلط الأوراق في أكثر من استحقاق انتخابي، لكن يبقى الفيصل أو المعيار هو مقدار اقتناع معراب بالتعاطي جدياً مع هذا الطرح وليس لحظياً أو كردّ فعل على ترشيح رئيس تيار المستقبل سعد الحريري لرئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية.